خليل عساف

تبدو مواقف وأوضاع القوى المحلية المشاركة في تحالف “قوات سوريا الديموقراطية” تتجه نحو المزيد من الاستتباع والتهميش والتآكل، مع قرب الإعلان عن مرحلة جديدة من عملية “عزل الرقة” التي تسيّرها الولايات المتحدة الأميركية، في شمال وشمال شرق سوريا.

وعلمت “المدن” من مصادر في “جبهة ثوار الرقة” وفي “قوات النخبة” التابعة لـ”تيار الغد السوري”، أن الفصيلين مستثنيان من المشاركة في المرحلة المقبلة من عملية “عزل الرقة”، التي يرجح أن يكون الريف الشرقي لمحافظة الرقة ميداناً لها. وهذه هي المرة الثانية التي تُستبعد بها قوى عربية من المساهمة في استعادة مناطق عربية، بعد طرد تنظيم “الدولة الإسلامية” من ريفي الرقة الشمالي والغربي.

وأشارت المصادر إلى أن المناوشات التمهيدية، بدأت بالفعل الثلاثاء، بين “وحدات حماية الشعب” الكردية وتنظيم “الدولة الإسلامية”، في منطقة الأحوس شرقي مدينة الرقة، ويُنتظر أن يتم الإعلان الرسمي عن المرحلة الجديدة في غضون ساعات. هذه المناوشات تجري على مبعدة 15 كيلومتراً شرقي بلدة الكرامة، واحدة من معاقل التنظيم الأساسية في محافظة الرقة. وغايتها، بحسب المصدر، فتح جبهة بعرض حوالى 25 كيلومتراً تستهدف مرحلياً الوصول إلى جسر المقلة على نهر الفرات ومنطقة الكُبر شرقاً، وهي منطقة قليلة الكثافة السكانية قياساً إلى شرقها وغربها، ويمر بها أحد الطرق الرئيسة الواصلة بين الرقة وديرالزور ثاني أكبر معقل لتنظيم “الدولة الإسلامية” في سوريا، ومنها إلى الحدود العراقية السورية، وما بعدها.

وتأتي هذه التطورات مع تأكيد المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية أدريان جيه.تي.رانكين جالوواي، في بيان صدر الثلاثاء، لأنباء عن تزويد تحالف “قوات سوريا الديموقراطية” بحاملات جند مصفحة. وهذه هي المرة الأولى التي تحصل فيها “قسد” على معدات من هذا النوع. واللافت أن غالواي ذكر في بيانه أن هذه المركبات قُدمت لعناصر عربية في تحالف “سوريا الديموقراطية” في “إطار سلطاتنا الحالية لتعزيزهم”. وأردف قائلاً إن “وزارة الدفاع لا توفر التدريب والدعم المادي إلا للتحالف العربي السوري”.

وبينما أكد المتحدث باسم “قسد” طلال سلو، حصول هذه الأخيرة على عدد من المركبات، قبل بضعة أيام، أصدر المتحدث الرسمي باسم “وحدات حماية الشعب” الكردية، بياناً، قال فيه “إننا في وحدات حماية الشعب نؤكد على عدم صحة هذه الأخبار ولم نتسلم من التحالف الدولي أي أسلحة نوعية في إطار حربنا على داعش”. إلّا أن صفحات موالية لـ”قسد” في وسائل التواصل الاجتماعي، نشرت صور عربات لنقل الجنود، قالت إن “وحدات حماية الشعب” تسلمتها حديثاً، من الطرف الأميركي.

وفي المقابل، نفت مصادر “المدن” في “جبهة ثوار الرقة” و”قوات النخبة”، أن تكون قد تسلمت أي معدات عسكرية أميركية: “لا ناقلات جند ولا سواها”، وأن “الأميركيين لا يقدمون لنا دعماً عسكرياً مباشراً، وكل ما نتلقاه يأتي عبر YPG (وحدات حماية الشعب) وبشروطها”.

ويُرجح أن يكون هذا التضارب في التصريحات بين الأطراف المعنية نتيجة للوضع الجيوسياسي المعقد في المنطقة، كما للغموض الذي يلف النوايا الفعلية الخاصة بكل طرف منها. ومن المحتمل أن يكون التعارض بين تصريحات المتحدث باسم “قسد” وبيان المتحدث باسم “وحدات الحماية”، مصطنعاً، وصيغة من صيغ توزيع الأدوار، لاستكشاف رود أفعال الشركاء المحليين والحكومة التركية. ويصب بيان المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية في الخانة ذاتها. فعدا عن إنكار الشركاء العرب في “قسد” تلقيهم أي أسلحة أو معدات من الطرف الأميركي، فإن تسمية “التحالف العربي السوري” هي وهمية لا وجود واقعياً لها على الأرض. إلّا أن مسؤولين عسكريين أميركيين، درجوا على استخدامه منذ العام 2015، وخاصة بعد حوادث حرق القرى وتهجير السكان، التي اتهمت “وحدات حماية الشعب” بارتكابها في ريفي الحسكة والرقة. وذلك، للإيحاء بوجود قوة عربية فعلية شريكة للأميركيين في محاربة “داعش”، لامتصاص مخاوف الحكومة التركية والسكان العرب في الجزيرة السورية.

وعلى الأرض، بدأت “وحدات الحماية”، الأربعاء، حملة جديدة لاعتقال شبان من سكان تل أبيض وأريافها، لإخضاعهم لدورتين؛ عقائدية وعسكرية، ثمّ دفعهم إلى جبهات القتال مع تنظيم “داعش”. وفي السياق، فرَّ أكثر من 50 مجنداً عربياً من صفوف “وحدات الحماية”، خلال الأيام القليلة الماضية، بعدما زُجّ بهم في خطوط المواجهة الأمامية في قرية خنيز، شمالي مدينة الرقة. ومعظم هؤلاء المجندين اجتازوا الحدود إلى تركيا، الوجهة المثالية للآلاف من شباب المنطقة، ممن رفضوا التحول إلى رأس حربة في صراع بين مشروعين غريبين عنهم.

“المدن”