ملخص تنفيذي

رغم صعوبة وضع تعريف جامع مانع مطرد منعكس لمفهوم الليبرالية بسبب الأشكال المتنوعة التي أخذتها، والحمولات الأيديولوجية التي شحنت بها فيسياقات تاريخية مختلفة، فان مما لا شك فيه أن حيادية الدولة تجاه المعتقدات المختلفة للمواطنين، ومحدودية دورها يمكن أن تعتبرا نواتها الصلبة التي قاومت التحوير والاستحالة من شكل إلى آخر

ولكن حيادية الدولة ومحدودية دورها لا تعني في المنظور الليبرالي ترك الحبل على الغارب لمواطني الدولة، والافراط في تدليلهم بحيث تتلاشى قدرة الدولة على استخدام الاكراه الذي يمثل احدى محمولات الدولة الذي تفقد ماهيتها بدونه

وفي ظروف التعددية التي تسم المجتمعات الحديثة كان لا بد من اجراء تطويرات على الليبرالية الشاملة التي تبدأ من مفهوم معين للشخصية الأخلاقية وتحاول أن تصمم مجتمعاً مناسباً لها، والانتقال الى الليبرالية السياسية التي لا تنطلق من هذا المنطلق ، وانما تبدأ من تصور معين للمجتمع وتبحث عن إمكانية تحقيقه

ليست الليبرالية عقيدة سياسية كغيرها ، وانما رؤية تصبو الى اجتراح حل يحفظ حرية الانتماءات والمعتقدات والتعبير وغيرها من الحقوق والحريات مع الابقاء على حق الدولة في استخدام الاكراه القانوني الذي لا يعترض عليه المواطنون
يمثل المتطرفون الدينيون نموذجا يريد فرض رؤيته الخاصة على المجتمع وهو ما ينتهك حرية الآخرين وليس من غير المسموح للدولة الليبرالية أن تمارس الاكراه لمنع هذه المحاولات، بل ان حياديتها هي التي تقتضي استخدامه

يهدف هذا البحث الى تفسير شرعية استخدام الدولة لليبرالية للقوة بعد توضيح التعديلات التي طرأت عليها والتي حاولت التوفيق بين تبني بعض أفراد المجتمع الليبرالي لمعتقدات شاملة والعيش فيه بدون انتقاص من الحقوق، ولا تصادم بين تلك المعتقدات وبين المبادئ التي يقوم عليها هذا المجتمع
لتوضيح الحل الذي قدمته الليبرالية السياسية تعرض البحث الى مفهوم المفكر الليبرالي المعاصر راز عن الاستقلال الذاتي والذي جعل له الأولوية على غيره من المفاهيم الليبرالية، وهو مفهوم لقي تطويراً مهماً على يد راولز في ما سمي بالوضع الأصلي وما يستتبعه من حجاب الجهل في شروط التعاون المنصف وقد وجدنا أن البدء بهاتين المحطتين مفيد من أجل الانتقال الى التعديلات التي اقتضتها الصعوبات التي اعترضت طروحات هذين المفكرين المعاصرين.
وكان المتصل الهندسي الذي اختتم به البحث والذي يصنف أفراد المجتمع الليبرالي الى أربعة أصناف محاولة نحسبها ناجحة لزيادة توضيح شرعية استخدام الاكراه من قبل الدولة الليبرالية بما لا يقدح في حياديتها ولا يشوه محدودية دورها.

في الشرعية الليبرالية

على اعتبار أن ثمة حاجة متأصلة لدى كل رؤية سياسية لشرعنة نفسها، هذه الشرعنة التي تنطوي على إيجاد مبرر للقوة السياسية. يصبح السؤال عن شرعية استخدام الدولة الليبرالية للقوة الملزمة أمراً لا محيد عنه
لاتشرعن الليبرالية استخدام القوة باللجوء إلى غاية أخروية كما يفعل الثيوقراط، ولا بالحاجات الخاصة للدولة ككيان عضوي كما هو شأن الفاشيين ولا بالحتمية التاريخية للتطور الاقتصادي للمجتمع حسب ما تقضي الرؤية المبتذلة القديمة للماركسيين

بالنسبة لليبراليين : المواطن هو الحكم الأخير على ما يمنح حياته الخاصة قيمتها في ظروف التعددية التي تسم المجتمعات الحديثة 
المبدأ الليبرالي للشرعية يعتبر أن النظام الاجتماعي مبرر فقط اذا قام على مبادئ مستخلصة من أسئلة يطرحها المواطنون وانتقاء الجواب الأفضل الذي  يقدمه المدافعون عن هذا النظام
ولأجل وضع أرضية تقوم على أساسها هذه المبادئ، فقد طمحت كل نسخ الليبرالية الى تعريف الخير العام للمجتمع الذي يمكن أن يمثل غاية يصبو إليها المواطنون عموماً، بل إنها جميعاً وليدة سؤال الشرعية 
. سؤال الخير العام للمجتمع أضنى المفكرين الليبراليين وكانت محاولات الإجابة عليه غالباً بمصطلحات خاصة بمفاهيم أخلاقية 
. التعريف الأكثر رواجاً للخير العام للمجتمع هو مجموعة القيم التي يشترك فيها المواطنون رغم اختلافاتهم الأساسية العديدة
المبادئ السياسية المشتقة من هذه القيم المشتركة يجب وفق المبدأ الليبرالي للشرعية أن تكون حيادية، ولا تتضمن تحيزاً لأي ادعاء بالحقيقة تدعيه رؤية . . خاصة للحياة الطيبة

وقد يفهم خطأ أن في جعل المواطنين مرجعية في الحكم على القيم التي تعطي معنىً لحيواتهم إفراطاً في تدليلهم بحيث تصبح موافقة كل شخص على كل قرار سياسي وحكم قضائي من مستلزمات مبدأ الشرعية الليبرالي، والواقع أن المبدأ الأخير لا ينطوي على ذلك وإنما يتطلب موافقة الناس على مجموعة مبادئ أساسية تنظم بنى مجتمعهم الأساسية كما تتضمن إجراءات يتوصل من خلالها إلى سياسات وقوانين، ومن ثم الموافقة على استخدام الإكراه السياسي حتى فيما يتعلق بنتائج لا يوافقون عليها 
حيادية الدولة كانت التزاماً ليبرالياً في الصياغات الأولية لكانت ومل وقد برّرت برؤية خاصة للطبيعة الأخلاقية الإنسانية 
وحيادية الدولة تشترط على الدولة أن لا تفرض على المواطنين أي رؤية خاصة للحياة الطيبة، فلا قيمة لأي رؤية خاصة للحياة ما لم يتم تبنيها من قبل الأفراد بمحض إرادتهم 
وقد كان هذا ديدن الليبراليين المعاصرين مثل كيميلكا وراز ورونالد دوركن وقد توسع راز في أفكار الاستقلالية التي تعطي اعتباراً أكثر لتاريخ الشخص والسياق الاجتماعي لاختياراته 

يضع راز في صميم مفهومه الليبرالي مبدأ الاستقلال الذاتي والصالح الإنساني العام، ولكنه يقدّم الاستقلال على غيره لأنه يعتبره المبدأ الذي يشكل الأرضية التي يقوم عليها المجتمع الغربي فأفراد هذا المجتمع قد اعتادوا على اعتبار الاستقلالية جزءاً ثميناً من حياتهم “ان قيمة الاستقلال الذاتي حقيقة واقعة من حقائق الحياة” ولأن كل مؤسسات المجتمع قائمة على الخيارالفردي يقول راز “فإننا لا ننعم بالحياة فيها إلا اذا كان بمقدورنا العيش باستقلال ذاتي”
ويعرف راز الاستقلال الذاتي بأنه “عملية متواصلة لخلق الذات عن طريق التوصل الى قرارات صغيرة وكبيرة تتعلق بنواح مهمة في حياة الفرد”
:ويضع راز شروطاً تحدد استقلالية الاختيار 
 يجب أن يكون حراً أي أن يتم بدون إكراه أو تلاعب أو استغلال.

يجب أن يأتي نتيجة تفكير وأن يعتمد على تقدير دقيق للأسباب المرتبط 
 يجب أن يكون موضوعا لاختيار مهم كالزواج والعمل والعلاقات الاجتماعية.
 يجب أن يكون اختياراً حقيقياً بين مجموعة طروحات متباينة ومتساوية القيمة فالخيار الذي لا يملك صاحبه رفضه ليس خياراً حقيقياً.
 يجب أن يتمتع الاختيار بقابلية التعديل والنقض.
:يقدم راز حجتين للدفاع عن الاستقلال الذاتي
الحجة الأولى : أن للاستقلال الذاتي دوراً مركزياً في فهم الذات الغربية، وأهمية جوهرية بالنسبة للشعوب الأوربية مما يعني قصر المبدأ على هذه الشعوب واختزال قيمته 
الحجة الثانية : وهي حجة ذرائعية تعتبر أن الاستقلال الذاتي ضروري للنجاح في المجتمع الحديث. ولسنا بصدد مناقشة حجتي راز فليس هذا مدار البحث وإنما يعنينا فقط الإشارة إلى أن هذه الصياغات الأولية والتي تبعتها عبرت عن جوهر الفردية التي بنيت عليها الحقوق الليبرالية.
هذه الصياغات التي عبرت عن جوهر الفردية مشتقة مما افترض أنها الطبيعة الأخلاقية الصحيحة للناس،وهو افتراض يوضحه الوضع الأصلي لراولز “طبيعة الناس الأخلاقية الحقة تكمن في استعدادهم للحرية” فكرة الوضع الأصلي“
يتم التوصل الى هذه الفكرة انطلاقا من فكرة المجتمع بوصفه نظاما منصفا من التعاون بين أشخاص أحرار ومتساوين لأنّ هذه الفكرة تستبطن سؤالا يتعلق بكيفية تعيين الشروط المنصفة للتعاون

تعتبر نظرية راولز الجواب القائل ان تحديد شروط منصفة للتعاون الاجتماعي يكون باتفاق بين المواطنين انفسهم يتوصلون اليه في شروط منصفة لهم جميعاً
ويبرر راولز وحدانية هذا الجواب من واقع التعددية المعقولة في المجتمع، والتي تمنع من الوصول الى اتفاق على أي سلطة اخلاقية 
اذن لابد من اتفاق، ولابد لهذا الاتفاق من شروط ليكون صحيحاً 
تتمثل هذه الشروط في ضمان تناظر الأطراف المنخرطة في وضع التعاون وتساويها بحيث يمنع امتلاك أحد امتيازات مساومة أفضل من الآخرين كما يتوجب منع أي تهديد بالقوة وتجنب الخديعة والغش للوصول إلى تحقيق هذه الشروط 
يعتبر راولز أن الوضع الأصلي يتصف بصفتها الاساسية التي أسماها” حجاب الجهل “والتي تعني أنه من غير المسموح للأطراف أن يعرّفوا المراكز الاجتماعية للأشخاص الذين يمثلونهم أو عقائدهم الشاملة الخاصة كما إنهم لا يعرفون عنصر الاشخاص، أو جماعتهم الاثنية، أو جنسهم ، أو أي مواهب طبيعية مختلفة مثل القوة والذكاء 

ان الوضع الاصلي بصفة حجاب الجهل الماهوية تلك هو أداة إجرائية استخدمها راولز لتطبيق فكرة التعاون المنصف على مبادئ العدالة السياسية للبنية الأساسية

:وقد تم الاستثمار النظري لهذه الفكرة على اعتبار أنها نمذجة لشيئين 
يصوغ الوضع الأصلي شروطاً منصفة يعمل في ظلّها ممثلو المواطنين، وهي أن الأطراف نظراء في الوضع الأصلي. كما يصوغ قيوداً مقبولة على الأسباب العقلية التي على أساسها يمكن للأطراف أن تقدم مبادئ عدالة سياسية معينة وترفض مبادئ اخرى
فحوى هذه القيود على الأسباب العقلية أنه من غير المعقول قبول مفهوم للعدالة لمصلحة مركز اجتماعي أو وضع مادي ، ومن هنا اشتقاق وجوب جهل الأطراف بالوضع الاجتماعي للأشخاص الذين يمثلونهم، والمشكلة أن العديد من المواطنين ذوي الإرادة الخيرة والرومانتيكيين لا يوافقون عليه 
فالرومانتيكيون مثل شارلز لارمور قد شدّدوا على أن قيم الانتماء والعادات و طرق الحياة و العادات المشتركة، وروابط المكان واللغة، والمعتقدات الدينية تشكل دعائم أساسية لأي خيارات نختارها وهو توجه غير متطابق مع فكرة الشخصية الأخلاقية التي أصّلت عليها السياسات الليبرالية 

ومما يدعم هذه الرؤية المضادة للفكرة الفردانية لليبرالية أن مواطنين عديدين يمكن أن يعترضوا على دولة تفرض بالإكراه بنى ليبرالية، تتضمّن مثلاً قرارات قضائية تحمي التجديف والابتداع باسم الحرية الشخصية، أو قرارات لا تسمح بدراسة تعبدية للإنجيل في المدارس العامة استناداً إلى أسباب مشابهة.
لحل الإشكال يقترح الليبراليون السياسيون تعديلين أساسيين لليبرالية التقليدية 
الأول : إعادة صياغة النقاشات عن حيادية الدولة وهو ما يتوضح لدى راولز الذي ينبّه الى ضرورة قراءة الوضع الأصلي ليس كتمثيل لأي نظرة خاصة حول طبيعة الشخص الأخلاقي الحقيقية وانما كجهاز يعتمد على عناصر مشتركة تمثّل مجموعة أفكار سياسية عامة – بدون الاكتراث بالبحث عن أساسها المشترك – عابرة لخلافاتهم بحيث يعاملون جميعاً كأحرار و متساوين لأغراض سياسية.

هذا التعديل الأول يبرر العدالة الليبرالية بطريقة تسمى” تسييس العدالة “. تعترض هذه الطريق في تسييس العدالة معضلة تتمثل في أن الناس يمكن أن يوافقوا على المبادئ الأساسية المفترض اشتراكهم في تبنيها ما لم تصطدم بأديانهم واعتقاداتهم الأخلاقية الشاملة.
:وهذا ما يقتضي التعديل الأساسي الثاني
يجب أن يكون الناس قادرين على دمج المفاهيم السياسية مع أفكار شاملة خاصة بهم عن الخير فيمكن للأصوليين السنة أن يدمجوا مبادئ سياسية ليبرالية أساسية ضمن عقائدهم الشمولية الخاصة. كما يمكن للمجموعات المختلفة أن تؤكد مجموعة مشتركة من المبادئ لأسبابها المختلفة الخاصة مثلاً يمكن للملحد أن ينضم للأصولي في الحرص على تأمين حماية سياسية للعقيدة الإسلامية بالرغم من أنه ينضوي تحت اعتقاد أخلاقي جد مختلف.
فما يعنيه كملحد أنه سيكون قادراً على عيش حياته الخاصة بطريقة إلحادية حتى في عالم مشترك مع أصوليين مسلمين وآخرين يرفضون هذه الرؤية للعالم.
.الاشتراك في المفهوم السياسي للعدالة بين أفراد ذوي رؤى مختلفة جداً هو ما يلبّي شرط الشرعية الليبرالية 

هذه التلبية لشرط الشرعية الليبرالية ممكن فقط إذا أمكن فصل الوجه السياسي لليبرالية عن الرؤية الأخلاقية الشاملة بالشكل الذي يجعل الليبرالية السياسية النظام الأقدر على التكيف مع التنوع الاجتماعي الفسيح الأخلاقي،الفلسفي والديني 
بهذا الفهم لليبرالية السياسية تصبح تحقيقاً للحلم الذي بشربه لوك في رسالته عن التسامح والمتضمن صيغة أخلاقية لحياة إنسانية لأناس يمتلكون رؤى مختلفة للحياة غير قابلة للتوفيق لشموليتها وإطلاقيتها ، ولكنهم ملتزمون بالتشارك في العالم الاجتماعي نفسه 
الفرق بين الليبرالية السياسية والليبرالية الشاملة، والذي يتيح لها أن تحقق الحلم المشار إليه هو أن الليبرالية الشاملة التقليدية تبدأ بمفهوم ثابت عن شخصية أخلاقية، ثمّ تبحث عن الأشكال السياسية التي توفر متطلبات تحقيق هذه الشخصية. أماالليبرالية السياسية في تسييسها للعدالة فهي تقوم بفعل العكس، حيث تبدأ بفكرة عامة عن المجتمع- اتفاق ديمقراطي، مثلاً في ظروف التعددية – ثم تسأل في إمكانية وجود هذا المجتمع
إن أحد شروط وجود هذا المجتمع أن يتشارك الناس فكرة أخلاقية فحواها أنهم لا يعدمون أسباباً تمكّنهم من قبول تبرير الأفعال الإلزامية التي تقوم بها الدولة مع احترامها 
ففي بيئات لا يتشارك فيها الناس هذه الفكرة الأخلاقية لا وجود لليبرالية السياسية وثمة بيئات كهذه 
ميزة الليبرالية السياسية هي أنها لا تقدم رؤية فلسفية ثابتة للشخصية الأخلاقية ولا تقوم على أي نظرية للخير 

:اذا تخيلنا المجتمع مقسماً إلى أربع مجموعات رئيسة 
صنف أ وهو صنف يبني أفراده قيمهم واختياراتهم كلها بدون استثناء بأنفسهم، وفي الحد الأقصى لهذا الصنف يتواجد متطرفون في فرديتهم، أنانيون، انعزاليون 
صنف د المقابل للصنف أوهم على عكس الصنف الأول مذعنون لعقائد شاملة تتصارع مع القيم التي تقوم عليها الليبرالية السياسية 
في الطرف الأقصى لهذا الصنف متطرفون يصل بهم الأمر إلى حد الدعوة إلى العودة إلى المبادئ العنصرية، أو الدفاع عن نظام اقتراع ظالم يستند إلى الطبقة أو الجنس 
الأكثر نمطية في هذا الصنف هم معتقدون دينيون يحاولون بدافع من الرغبة في التعبير عن الورع أن يفرضوا رؤاهم الدينية على المواطنين الآخرين فمثلاً هم يطالبون بفرض إدراج نظرية الخلق في مناهج علم الأحياء في المدارس العامة 
الأكثر بروزاً لدى الصنف د أنهم يقايضون الاستقلالية السياسية لمواطنين بأهداف أخرى أبعد كالنقاء الديني أو الخلافة الإسلامية 
هم خاضعون لضرورات عقائدهم الشاملة الخاصة مع إنكار لأولوية العدالة السياسية
الصنف ج يشبهون الصنف دفي تأكيدهم لعقائد شاملة، ويفترقون عنهم في أنهم لا يحاولون فرضها على المواطنين 
بين الصنفين أ وج يتوضع الصنف ب وأفراده مثل أ فراد ( أ وج ) يؤكدون الفكرة الأساسية أن الناس يجب أن يعاملوا كأحرار ومتساوين لأغراض سياسية 
وهم بالإضافة لذلك لا يمتلكون في حيواتهم الخاصة عقائد شاملة ونظرتهم للعالم ليست منظّمة حول عقيدة مفردة 
يعيش أفراد هذا الصنف توتراً بين الانتماء والانفصال، بين اليقين والشك سببه تنوع المرجعيات التي يستندون إليها فبينما يركنون إلى فردانية شبيهة بفردانية الصنف أ في بعض المواقف،يقادون بنماذج يشعرون تجاهها بالتزام عميق بدون تمحيص مثل أفراد الصنف ج 
الليبراليون السياسيون يرون أن ممارسة القوة السياسية مبررة على أساس أنها تمارس ضد أشخاص يوافقون عليها 
وهم ليسوا مطالبين باستيعاب أفراد الصنف د الذين يعتبرون القيم السياسية المشتركة التي تشكل المرجعية للناس في المجتمع الليبرالي قيماً مرفوضة
أفراد الصنف د يعتبرون أن صراع قيمهم الشخصية مع نموذج الليبرالية السياسية يبرهن أن الأخيرة ليست سوى رؤية خاصة من بين رؤى أخرى وأنها لا تحتلّ مكاناً مميزاً بينها 
الحقيقة أن اللبرالية السياسية ليست رؤية للعالم، إنها رؤية لنماذج سياسية،وهي لا تقبل أية رؤية للعالم تستخدم لتبرير عدم التسامح تجاه أي رؤية أخرى منافسة حتى لو كانت الرؤية التي يحملها أفراد الصنف د 
ولكنما يشرّع استخدام الإكراه ضد أفراد الصنف د هو أنه يستخدم ضد محاولاتهم فرض قيمهم الخاصة التي لا تحترم قيم الآخرين 
فلن يسمح الليبراليون لأفراد الصنف د أن يفرضوا مفهوماً مقدماً للزواج على الآخرين، ولن يسمحوا لهم أن يمنعوا تعليم نظرية التطور في المدارس، أو يسحبوا أولادهم من دروس مدنية أساسية 
ماذا عن الصنف ج ؟
سبق أن أوضحنا أن أفراد هذا الصنف يؤكدون قيماً للحياة الطيبة يمكن أن تكون ذات محتوى تقليدي مشابه لأفراد الصنف د، ولكنهم يفترقون عن الأخيرين في أنهم لا يسعون لفرضها، وفي أنهم ينظرون للناس ككل كأحرار ومتساوين لأغراض سياسية 
الكاثوليك مثلا ًيؤكدون مساواة الجنسين لأغراض سياسية في الفضاء العام، ولكنهم في الوقت نفسه يؤكدون عقيدتهم الدينية الخاصة بالجنس المستندة على أدوار متفاضلة في الفضاء الخاص، وهو ما يحل عقدة التناقض ويسمح بتأكيدهم للأمرين معاً

:المشكلة أن العقائد الخاصة بأفراد هذا الصنف يمكن أن تهدّد من قبل معتقدات جديدة بطريقتين 
الأولى تدحض معتقداتهم بحيث يصبح من المستحيل تأكيد المعتقد الجديد والقديم معاً ، مثال ذلك طفل تربى على الاعتقاد بأن القرآن هو كلام الله بصورة حرفية لا مجازية، فإذا علم في المدرسة أن كل دين هو أسطورة فلا يمكن تبني المعتقدين في الوقت نفسه لأن الجديد يدحض القديم 
الثانية تضعف المعتقدات ولا تدحضها ، فمثلا إذا ذهب الطفل المذكور الى المدرسة وعلم أن علم المستحاثات يثبت الخطوط العريضة لنظرية التطور، فإن الاعتقاد الجديد يمكن أن يتعايش مع الاعتقاد أن القرآن كلام الله ولكنه يضعفه حيث إن الشخص المذكور يمكن أن يظل على اعتقاده بالقرآن ولكن عليه أن يعمل كعضو في العالم الذي يقبل الحقائق الواسعة للتطور 
نموذج ال ب هم الذين يمثلون نموذج مواطني الدولة الليبرالية الموسومة بالتعددية ؛ لأن مصادره مزيج معقد متنوع فلا هو تقليدي صريح، ولا فرداني صريح 
ولذا فأفراد هذا الصنف لن يخشوا من الإضرار بنسيج حياتهم إذا عرفوا مبادئ المفهوم الليبرالي للمجتمع 
إن المطلوب في المجتمع الليبرالي هو عملية إزاحة للصنف د إلى الصنف ج بحيث يظلون متبنين لعقائدهم الشاملة بدون محاولة فرضها فهل هو طلب مستحيل ؟