“منتقدو أوباما من الجمهوريين وغيرهم يريدون إحداث تغيير في حلب من الجو، بينما لا يستطيعون إجراء إصلاحات داخل ولاية أمريكية على الأرض”
هذا ما عبّر به أحد المحللين ساخرا من منتقدي أوباما الذين لا يكفون عن تحميله مسؤولية الدمار في سوريا بدون أن يقدموا بديلا لموقفه سوى الحض على التدخل العسكري المباشر بدون الاستشراف لمآلات التدخل، وبتصور انطباعي لا علاقة له بالاستنتاج العلمي أن مصير التدخل في سوريا لن يكون كمصيره في العراق وليبيا.
أوباما يعلم أن المعارضة المعتدلة ليست معنية بمثل الديمقراطية وإنما بالدفاع عن نفسها وممتلكاتها وأطفالها، أما التنظيمات المتطرفة فهي تقاتل دفاعاً عن مثل وتريد إحياء الخلافة الإسلامية بالتدريج كجبهة النصرة أو في الحال كداعش.
وفي ظل هذه المفارقة لن يعمل التدخل على بدء حراثة الأرض لاستنبات الديمقراطية، ولن تعمل مواجهة تحدي بوتين باندفاع مماثل إلا إلى تصعيد لا تعرف نتائجه.
أوباما متردد، هذا صحيح ولكن تردده قابل لأن يفهم على الأقل؛ لأن تجارب تدخل أسلافه لا يمكن أن تكون مشجعة، ولأن الديمقراطية والسلام التي وُعد بها العراقيون والليبيون لم تأت عقب التدخل بشكل عفوي، وإنما حلت الفوضى واستشرى وباء التطرف.
ليس هذا تبريراً لأوباما ولكن المقارنة مع اندفاعة بوتين تظهر لامنطقيتها، فهي وإن جاءت بحسابات تكتيكية مدروسة مستغلة انشغال الأوربيين بمعضلة اللاجئين، وحلفاء المعارضة الخليجيين بأزمة اليمن، والأتراك بمشاكلهم الداخلية فإنها في المنظور الاستراتيجي ستعلق بوتين على الشجرة منتظراً من ينزله منها.
حرب بوتين على الإرهاب الداعشي إذا حققت أغراضها وهزمت داعش -وهو أمر بالغ الصعوبة -ستأتي بحاقدين على بوتين وروسيا يتنامى حقدهم منذ أول فيتو رفعته روسيا في مجلس الأمن حماية للنظام السوري، ويتحول إلى رغبة عارمة بالانتقام من سيد الكرملين مع كل طلعة جوية فوق الأراضي السورية.
وفي الفترة الفاصلة بين التدخل وتحقيق الهدف سيواجه هذا التدخل قوى سنية تقاتله على الأرض في سوريا، وفضاء سنيا أفقه العالم كله يعدّه حليفاً لقاتل لشعبه تابع لمشروع فارسي شيعي.
العودة بهذا الزخم إلى الشرق الأوسط لاستعادة دور مفقود شفع بشعار حرب مقدسة حرّض فتاوى مقابلة من علماء دين مسلمين تحضّ على الجهاد المقدس.
من جهة أخرى سيعيق تدخله ما تعدّه إسرائيل مسرح استعراض قوتها، وميدان تنفيذ تهديداتها وعقوباتها للنظام السوري ولحزب الله، وقد اعتادت أن يكون مسرحا تحلق فيه بمفردها وفي نظر محللين إسرائيليين عديدين لن تجدي نفعاً تعهدات بوتين واتفاقه الهش مع نتانياهو على عدم الاصطدام؛ لأن المهم هو منع وصول أسلحة من إيران إلى حزب الله عبر سوريا وهو ما لا يستطيع بوتين التعهد به. وسيكون مرور شحنات الأسلحة هذه عبر مسارات محاذية لتجمع قوات روسية معضلة لصانع القرار الإسرائيلي، وهو ما يجعل تجاعيد الاتفاق الروسي الإسرائيلي أبرز للناظر من كل ما رافقه من عمليات تجميل.

حرب داعش المقدسة التي ترنو بحسب مجلة دابق التي تصدرها داعش باللغة الإنكليزية إلى أن يرفرف علم الخلافة في كل أرجاء المعمورة تقابلها حرب مقدسة يقودها سيد الكرملين الذي لم يقنع أحداً من أين استمدت شحنة القداسة تتحالف مع حرب مقدسة يعلنها الحرس الثوري للدفاع عن المراقد واستعجال خروج المهدي من السرداب.
ليس بدعاً القول إن الخلافة الداعشية العالمية وهم كبير في ظل قدرة فصائل مناوئة لها على الاقتطاع من عاصمة خلافتها في الرقة، وحرب المراقد المقدسة لم تستطع تحقيق أهدافها عبر أربع سنوات، وحرب بوتين حرضت جهاداً مقدسا ضده ولكنه جهاد مقدس متواطئ مع دفاع مستميت من أصحاب أرض يدافعون عن أرضهم ويقف خلفهم حلفاء لا يمكن أن تبلغ بهم الحماقة إلى درجة ترك الساحة فارغة ليملأها الحالم بالامبراطورية بوتين وسيظلون يستنزفونه تحت السقف المسموح لهم وهو سقف كاف لاستنزافه.
محاولة بوتين البائسة للخروج من عزلته، ولرفع عبء العقوبات المفروضة على روسيا بإعلان نفسه شريكاً في التحالف ضد الإرهاب ليست موضع تصديق، ولن تؤتي أكلاً وسيظل المتردد أوباما يراقبه إلى أن يتربع على الشجرة مستغيثاً طالباً مساعدته في النزول منها وعندها سيلوح له أوباما وكيري قائلين: مرحبا فلاديمير، كيف حالك؟ ماذا تعمل؟ سنغيثك بشروطنا.