بشير البكر

توشك الحرب في سوريا أن تنتهي، رغم أنها لم تكتمل لجهة انتصار طرف وهزيمة الطرف الآخر، كما هو متعارف عليه في الحروب. والملاحظة الأساسية هي أن أي طرف من الأطراف لم يحقق الهدف الذي قاتل من أجله. النظام لم يدمر المعارضة المسلحة كلياً، ولم يبسط سيطرته إلا على مساحة محدودة، في حين كان يخطط لاستعادة ما أطلق عليه “سوريا النافعة”. وكذلك الأمر بالنسبة إلى المعارضة المسلحة التي تقهقرت كثيراً بعد التدخل العسكري الروسي في سبتمبر/أيلول 2015، إلا أنها ما تزال تقف على رقعة جغرافية واسعة، وتحظى بدعم تركي مباشر. وعلى المقلب الآخر فإن المشروع الكردي من أجل بناء كيان مستقل لم ينجح، ولن يُكتب له الحظ، رغم أن القوات الكردية المدعومة من الولايات المتحدة وفرنسا تسيطر على نحو ثلث الجغرافيا السورية.ورغم هذه المعادلة فإن الهزيمة التي لم تقع عسكرياً حصلت سياسياً. النظام يسير نحو الهاوية بخطوات متسارعة. ومن يوم لآخر تتغير الحسابات الخاصة حول وضعه. وإذا تأملنا ما حصل في الشهر الأخير يمكن الحكم، من دون تردد، على أن مسألة تعويم النظام باتت غير ممكنة ومكلفة سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، ولذا صار هَمُّ روسيا اليوم هو إبقاء النظام واقفاً على قدميه ريثما ترتب الوضع البديل. وتعمل موسكو على الحيلولة دون انهيار النظام اليوم، وهي تريد من وراء ذلك حفظ مصالحها، وهذا ما يفسر الخطوات التي اتخذتها مؤخراً، بما فيها الاتفاقات الخاصة بالقواعد والمرافئ.
وإذا كان هذا هو وضع النظام عسكرياً فإن المعارضة، بشقَّيها العسكري والسياسي، لا تختلف عنه كثيراً، فهي ليس لديها رؤية عسكرية أو سياسية للمرحلة المقبلة، ورغم أن حظوظ المعارضة السياسية في التسوية المقبلة أفضل من حظوظ النظام نسبياً، فإن المعارضة العسكرية باتت في وضع مُزرٍ جداً، وهي في كل يوم تبتعد عن الثورة والأهداف التي ثار السوريون من أجلها.
وتتجلى سقطات المعارضة العسكرية في التجاوزات التي لا تتوقف على المدنيين والسكان الآمنين في محافظة إدلب ومناطق درع الفرات وغصن الزيتون ونبع السلام. ولا يبتعد المشروع الكردي عن ذلك، وكشفت الممارسات الأخيرة للإدارة الذاتية أن همَّها هو استغلال منطقة الجزيرة من دون تقديم أبسط الخدمات التي تهم الناس، وتشكل محاولات مصادرة محصول القمح من المزارعين مثالاً صارخاً على تسلط الإدارة الذاتية الكردية وفسادها، فالجزيرة التي تشكل خزان القمح الأساسي في سوريا لا تكاد تشبع الخبز اليوم، وبات العديد من الأفران في محافظة الحسكة يشكو عدمَ توفر مادة الطحين.
واللافت أن الكُرد بجميع فصائلهم يتعاملون مع الجزيرة السورية وكأنها منطقة كردية، وهذا أمر يخالف الحاضر والماضي
وهناك نقطة مهمة تستحق التوقف عندها مطوّلاً، وهي تتعلق بالحوارات الكردية الكردية التي جرت مؤخراً. واللافت أن الكُرد بجميع فصائلهم يتعاملون مع الجزيرة السورية وكأنها منطقة كردية، وهذا أمر يخالف الحاضر والماضي. وتؤكد تصرفات الأطراف الكردية أنهم لا يأخذون في الحساب أن الوضع الحالي مؤقت، ويمكن أن يتغير في أي لحظة بتغير موازين القوى التي هي متحركة، وصارت تعتمد على تفاهمات دولية أولاً، كما حصل بين الولايات المتحدة وتركيا بشأن منطقة نبع السلام. وهذا التفاهم يمكن أن يتكرر في مناطق أخرى مثل الرقة. وتقفز الإدارة الذاتية وبقية الأحزاب الكردية فوق حقيقة أن المكون العربي يشكل الأغلبية المطلقة بين بقية المكونات في الجزيرة، وهو اليوم مستبعد من إدارة المنطقة وتقرير مصير أهلها ووارداتها. أما الذين شاركوا في الإدارة الذاتية من العرب في السنوات الأخيرة فهم مهمَّشون ولا تأثير لهم، عَدا أنهم لا يمثلون سوى أنفسهم.
وفي نهاية المطاف لا يمتلك أي من الأطراف السورية الموجودة على الأرض قراره. فالنظام رهينة لدى الروس يقررون بشأنه ما يريدون، وبما يخدم مصالحهم. والمعارضة مرتبطة بتركيا ولا تستطيع اتخاذ أي قرار سياسي أو عسكري من دون موافقة ودعم أنقرة، وإلا فلن تكون قادرة على ترجمته. وكذلك الأمر بالنسبة إلى الطرف الكردي الذي يعتمد على الولايات المتحدة في التغطية السياسية والعسكرية لكل أفعاله.