ميديل ايست: ترجمة السورية نت

دعت 17 دولة قبل عشرة أيام إلى إيجاد “حكم موثوق وشامل وغير طائفي” في سورية يليه دستور جديد وإجراء انتخابات، للوهلة الأولى هذا يبدو جيداً على الورق ومع ذلك فإن العنصر الأساسي ليس الانتخابات، ولا هو الدستور الجديد، بل سيادة القانون. القانون في سورية لا يتمتع بالسيادة تحت حكم البعث وعائلة الأسد، وفي ظل غياب هذه السيادة فالدستور الجديد لا يساوي الكثير والانتخابات النزيهة مستحيلة وبالتالي فإن الإشارة إلى مرجعية الحكم في بيان فيينا هو العنصر الحيوي. لا يمكن أن يدخل الدستور الجديد حيز التنفيذ الحقيقي ولا يمكن إجراء الانتخابات إلا بعد إحداث تغييرات جدية في نظام الحكم.

لقد أُعيد انتخاب بشار الأسد نفسه في تموز 2013 لفترة حكم جديدة تستمر سبع سنوات وحصل من خلالها على 89 % من الأصوات وذلك وفقاً للحكومة السورية. وقد أقرت موسكو وطهران بشرعية تلك الانتخابات ولكن هذا لم يوقف القتال في سورية. فقد رفضت المعارضة السورية الكبيرة، سواء السياسية أو المسلحة، الانتخابات وأصبحت أقوى وليس أضعف منذ صيف عام 2013. في الواقع، مكاسبها على الأرض أجبرت الأسد على الاعتراف في تموز 2015 بأن قواته تتراجع في بعض المناطق وفي نهاية المطاف أدت تلك التراجعات إلى تدخل روسيا عسكرياً في أيلول 2015 لتعزيز جيش الأسد المتعثر.

انتخابات أخرى في ظل حكومة الأسد أو حكومة مع بعض التغييرات التجميلية في الوزارات غير المهمة فقط، لن تحل النزاع فعلى عكس الدبلوماسيين المجتمعين في فيينا وجنيف، شهد السوريون بشكل مباشر طريقة عمل الحكومة السورية وكيفية إدارتها للانتخابات الرئاسية. هناك أربع وكالات استخباراتية سرية مختلفة، ولا تقبل أياً منها وجود تحديات جدية للنظام. الصور القاتمة المؤلمة التي أحضرها منشق من سجن الاستخبارات العسكرية السورية لجثث الآلاف من المشتبه بكونهم من المعارضين تظهر ممارسات هذه الوكالات.

 فاز بشار بـ 98% من الصوات في عام 2007 وحكم بدون معارضة في استفتاء في عام 2000 وكان والده يتمتع بمثل هذه النتائج خلال فترة 29 عاماً التي حكم فيها بقبضة حديدية. تم تصميم الدولة السورية (التي يهدف المجتمع الدولي إلى الحفاظ عليها) لاعتقال أو قتل المعارضين المهمين، ووقف الحملات السياسية المعارضة، ومنع وصولهم المنصف إلى وسائل الإعلام، وردع أو منع أنصار المعارضة من التنظيم أو التصويت، وتحريف نتائج التصويت.

قد يظن دبلوماسيون أجانب أن توكيل جهة خارجية للإشراف على العملية الانتخابية، مثل فريق الأمم المتحدة للمساعدة في الانتخابات، سوف يحل المشكلة. ويدعو بيان فيينا إلى هذا. لقد قام فريق الأمم المتحدة بعمل جيد في العراق في عامي 2005 و2006 في مساعدة العراقيين بإقامة ثلاث جولات من الانتخابات، ولكن الفريق عمل هناك مع لجنة انتخابات عراقية مستقلة ذات ميزانية مستقلة والتي استغرقت قرابة العام لإتمام إنشائها. وأشرف الجيش الأميركي على أجهزة الأمن العراقية، حيث أراد الأمريكيون تمكين الأمم المتحدة من القيام بعملها لمصداقية.

لكن سورية ستكون قصة مختلفة تماماً، بدءاً من الأمن. في شباط عام 2014 تعرض فريق من الأمم المتحدة خلال تقديمه المساعدات الغذائية إلى مدينة حمص المحاصرة، لإطلاق النار من أنصار النظام. وعلاوة على ذلك، فإن أجهزة الأمن السورية، الجامحة وغير المتغيرة، ستقوم بتخريب أي عملية لإجراء انتخابات حرة – ويمكننا أن نعول على ذلك. وهي مضطرة لفعل ذلك تجنباً للمساءلة عن أفعالها الماضية. تخيل، على سبيل المثال، أن يُعتقل مرشح أو اثنين من مرشحي المعارضة السورية أو يقتل على يدي الأجهزة الأمنية السورية أو أن يقوم أنصار الحكومة السورية بمنع الحملات الانتخابية المعارضة قسراً. لن يكون لفريق الأمم المتحدة نفوذ كبير على تلك الأجهزة. وروسيا وإيران لديهما تاريخ في دعم الحكومة السورية رغم فظائعها الأكثر وحشية، ولن يثق أحد من المعارضة بضمانهما لحسن سلوك الحكومة السورية. وفي الوقت نفسه، خسرت الولايات المتحدة والغرب مصداقيتهما مع كفالتهما لعدم استمرار استخدام الحكومة السورية للأسلحة الكيميائية.

ولن يتعاون المتطرفون في صفوف المعارضة السورية مع فرق الأمم المتحدة، يرفض الجهاديون شرعية أي انتخابات للمناصب الحكومية، من حيث المبدأ اللاهوتي. لا يوجد أي احتمال واقعي بأن يتم إيقاف المتطرفين في أي وقت قريب في سورية حتى يستطيع فريق الأمم المتحدة التحرك بأمان أو حتى يتمكّن السوريون الذين يعيشون في النصف الشرقي من سورية من التصويت.

أولئك الموجودين في شرق سورية لن يكونوا الوحيدين الذين سيجدون صعوبة في التصويت. لقد تم تهجير ما يقرب من نصف سكان سورية – حوالي أحد عشر مليون شخص. كيفية تحديدهم وتسجيلهم وتمكينهم من التصويت سيشكل تحدياً لوجستياً وأمنياً هائلاً لفريق الأمم المتحدة. بعد تجربة الأمم المتحدة في العراق، حيث كانت أعداد النازحين أصغر بكثير، فمن الصعب أن نرى كيف سيكون هذا النصف من السكان قادراً على التصويت في اقل من عام.

إن تجاهل هذه المشاكل والغوص قدماً سوف يكون خطأً فظيعاً. ولن تمنع نتائج انتخابات فقدت مصداقيتها استمرار القتال، كما رأينا في الانتخابات السورية عام 2013. وقد يكون الأمر أسوأ. وتكون تلك العناصر السياسية الأكثر اعتدالاً التي تحث على المشاركة في عملية انتخابية صادقة أضعف أمام المتطرفين الذين سيرفضون العملية من البداية.

وبالتالي، فمن المهم للغاية أن يبدأ عنصر الحكم المذكور في بيان فيينا بإصلاحات طال انتظارها لسيادة القانون وقطاع الأمن. وهذا يعني أكثر من بضعة تغييرات تجميلية للحكومة السورية الحالية قبل إجراء أي انتخابات تحت إشراف الأمم المتحدة. على وجه الخصوص، هناك حاجة لتغييرات كبيرة في الأجهزة الأمنية، سواء في القيادة أو في الإجراءات، وهذا سوف يكون صعباً ولكنه ملّح. وقف إطلاق النار وإطلاق السجناء السياسيين لا يكفي لإصلاح الحكم. وإلغاء الأجهزة الأمنية تماماً، كما فعل الأمريكان في العراق، ليس هو الحل الصحيح أيضاً. ولكن بالإضافة إلى تغيير القيادة، سيكون هناك حاجة لوجود نظام تدقيق قوي وعادل على مسؤولي الأمن هناك.

ويجب أن تلغى المحاكم العسكرية ومحكمة أمن الدولة العليا التي عنّفت بشكل فاضح المعارضين السياسيين على مدى العقود الماضية. ويجب تعليق أحكام الدستور التي تمنح الرئيس حق السيطرة على السلطة القضائية وتسمح له بكتابة وتمرير القوانين.

هذه التغييرات هي الأكثر إلحاحاً، ولكن سيتعين تنفيذ العديد من التغييرات الأخرى للوصول إلى “حكم شامل وذو مصداقية وغير طائفي” والذي سيكون، قبل كل شيء، قابل للمساءلة من قبل الشعب السوري. تسلسل هذه الخطوات مع حركات نزع السلاح سيكون موضوعاً صعباً للتفاوض.

مع الصعوبة المؤكدة للمفاوضات، فالتسرع في إجراء انتخابات دون التقدم الملموس لسيادة القانون أولاً، سيضمن جعل الحرب الأهلية السورية أكثر سوءاً.