جرت يوم الأحد الماضي دورة انتخابات تشريعية جديدة في المناطق التي يسيطر عليها النظام السوري، تمثلت باختيار 250 عضوا لمجلس الشعب (البرلمان) من بين 1665 مرشحا. ومهما حاول المرء أن يكون بارد العصاب، فإنه لا يمكن إلا أن يرى في هذا الحدث جانبا من مسرحية من النوع العبثي التهكمي، من ذاك المسرح الأسود الذي تمتزج فيه الملهاة بالمأساة، والبكاء بالسخرية. غير أن ما حصل هو حدث سياسي يلخص ما آلت إليه الأوضاع في سوريا من جهة، ويعكس من جهة أخرى تأثير نتائج التشظي الراهن الذي يعيشه البلد، على صعيد مستقبل وحدة مكوناته في الداخل، وبين الداخل والخارج.
وصف ما حصل بمسرح العبث ليس الهدف منه إخراج العملية من سياقها على سبيل التفكه، وإنما بسبب طابعها التغريبي الذي يقفز فوق الوقائع، ويخرج عن كل ما هو واقعي في الوضع السوري المأزوم، والذي يحتاج كل أنواع العلاجات الممكنة، ما عدا إجراء الانتخابات التشريعية من أجل تجديد مجلس تشريعي لا يحس أحد بوجوده على الإطلاق، ولا يلعب أي دور في حياة السوريين، الذين جرى دفعهم للمشاركة في العملية رغم الوضع الاستثنائي، الذي يفرضه تفشي فيروس كورونا. ويعيش هذا الجزء من الشعب السوري تحت سلطات بشار الأسد حالا صعبا جدا، وخصوصا على الصعيد الاقتصادي الذي يتدهور يوما بعد آخر، على نحو لا يمكن التحكم به.
ورغم الوضع المأساوي، فإن الأسد لا يبدو عليه الاكتراث بالظروف التي تمر بها سوريا بشكل عام، ولذلك لم يهتم بأن الجزء الأكبر من الشعب السوري خارج عملية الانتخابات التي أجراها. وأول ما يمكن التوقف أمامه هو أن قرابة نصف الشعب السوري بات يعيش في المهاجر وبلدان اللجوء، وهؤلاء لا يقعون في دائرة حسابات النظام السياسية على الأقل، وعدم أخذ هذه الحالة بعين الاعتبار يعني أن المهجرين قسريا خارج حسابات أي عملية سياسية من طرف النظام، وخصوصا على المدى القريب. والنقطة الثانية هي أن هناك الجزء الآخر من الشعب السوري، الذي يقع تحت سلطة الإدارة الذاتية الكردية في الشرق. وقد منعت هذه الأخيرة إجراء الانتخابات في كامل هذه المناطق، ولم يصدر عن النظام أو الروس أي رد فعل، وهذا يعني نوعا من الاعتراف بسلطة الأمر الواقع التي تمثلها الإدارة الذاتية، وتسليما لها في التحكم بمصير السوريين الذين يعيشون هناك. والمسألة الثالثة هي، أن هناك منطقة الشمال التي تديرها فصائل مسلحة متحالفة مع تركيا أو التي تسيطر تركيا على بعض منها مباشرة، ووضعها لا يختلف سياسيا عن مناطق الإدارة الذاتية لجهة شطبها من حسابات النظام الانتخابية.
في ظل هذا الوضع المتشظي تأتي انتخابات الأسد لترسخ الحال المأساوي الذي يمر به السوريون، وأخطر ما في ذلك تقسيم الخريطة السورية والشعب السوري، وإسقاط عدة ملايين من السوريين المهجرين إلى الخارج من كل الحسابات. وهذه أول نتيجة سياسية من عملية تشريعية مجزوءة تأتي كنتيجة لحروب الأسد والروس والإيرانيين ضد الشعب السوري. والنتيجة الثانية التي تأتي بعدها هي، أن موافقة روسيا على إجراء هذا الاستحقاق يعني أنها ليست جادة في التعهدات التي أعطتها دوليا، من أجل إطلاق عملية سياسية على طريق تطبيق قرار مجلس الأمن 2254، وبالتالي ترسيخ خريطة التشظي والتجزئة الراهنة، والاعتراف في نهاية الأمر بأن ترسيم حدود النظام التشريعية، سوف يصبح ترسيما سياسيا، وهذا أمر في منتهى الخطورة، لأنه يعني ترسيخ التقسيم بقرار رسمي.
وفي نهاية المطاف تشكل هذه الانتخابات رسالة سياسية من طرف الأسد وحلفائه الروس والإيرانيين، بأن هذا الوضع دائم حتى إشعار آخر، والتمرين الذي حصل هو من قبيل البروفة للانتخابات التي ستتم بعد عام، والخاصة بتجديد رئاسة الأسد لولاية أخرى.