أحمد مراد
المدن:20/7/2017
أفضت الساعات الأخيرة من الاقتتال الداخلي بين “هيئة تحرير الشام” و”حركة أحرار الشام”، في إدلب، إلى سيطرة “الهيئة” على مدينتي سراقب وسرمدا قرب معبر باب الهوى بين سوريا وتركيا. وظهرت مبادرة تهدئة من شرعيين مستقلين، استجابت لها “الأحرار”، ولم تستجب لها “الهيئة”.
ونفى الداعية الجهادي وعضو “المجلس الشرعي” عبدالله المحيسني، علمه بالبيان الصادر عن مجلسه ردّاً على بيان “المجلس الإسلامي السوري” الذي دعا للوقوف إلى جانب “أحرار الشام” ضد “البغي والعدوان” الذي تمارسه “الهيئة”، فيما أعلنت بلدات في ريف حلب الغربي وإدلب وقوفها على الحياد، وموقفها الرافض للاقتتال، في وقت تستعد فيه قوات “درع الفرات” للتدخل في إدلب.
وكانت هيئة مستقلة ممن يسمون بـ”طلبة العلم” قد أصدرت ليل الأربعاء/الخميس مبادرة حلّ لوقف الاقتتال بين أكبر فصيلين في الشمال السوري، ونصت على وقف الأعمال القتالية اعتباراً من الساعة 12 (الخميس)، وتفويض ثلاثة أشخاص عن كل فصيل مخولين باتخاذ القرار، كلّ بالنيابة عن فصيله، وتوافق طرفي النزاع على ثلاثة أشخاص مستقلين ليكونوا مرجحين في حال الخلاف خلال المفاوضات، واجتماع ممثلي الفصائل بالمستقلين لحل الخلاف ووضع رؤية شاملة وملزمة تراعي الحقوق العسكرية والمدنية والسياسية للفصائل المتنازعة، وتستمر المفاوضات لمدة سبعة أيام من تاريخ بدئها.
“حركة أحرار الشام” أعلنت موافقتها الفورية غير المشروطة على بنود المبادرة، مؤكدة استمرارها بما أسمته “رد البغي” في حال حصوله من “هيئة تحرير الشام” الى حين استجابتها، وسط صمت “الهيئة” التي عرف عنها سابقاً خلال إنهائها 16 فصيلاً من الجيش الحر أنها لا تخضع لأي مبادرة إلا من منطلق قوة، بعدما تكون أعلنت نصرها، لتفرض شروطها على اللجان الشرعية، ما يجعل اللجان والمبادرات شكلية ليس أكثر.
وكانت “هيئة تحرير الشام” قد أحكمت قبضتها على مدينة سراقب وسط محافظة إدلب، بعد يوم واحد من خوض المدينة تجربة انتخابية مميزة واختيارها مجلساً محلياً منتخباً عبر صناديق الاقتراع. أبناء سراقب خرجوا بتظاهرة منددة بسيطرة “النصرة” على مدينتهم، وهتفوا بخروجها. عناصر “الهيئة” أطلقوا الرصاص على المتظاهرين، وقتلوا الناشط الإعلامي مصعب العزو، من أبناء المدينة، ليشيّع ملفوفاً بعلم الثورة السورية. عناصر “الهيئة” أسقطوا علم الثورة من برج الإذاعة في سراقب، أعلى برج في إدلب.
واستقدمت “هيئة تحرير الشام” تعزيزات من آليات ثقيلة لإحكام قبضتها على سراقب، التي تعتبر العقدة الطرقية لمحافظة إدلب، بعد سيطرتها على صوامع الحبوب جنوب غربي المدينة، وسط سيطرة “جيش الأحرار” التابع لـ”الهيئة” بقيادة أبو صالح طحان، على مؤسسة “إيكاردا” على طريق دمشق-حلب الدولي. وتحاول “أحرار الشام” تجميع صفوفها والتحضير لعمل عسكري جديد ضد “الهيئة”، انطلاقاً من بلدة خربة الجوز الحدودية غربي إدلب، بعد خسارتها بلدة سرمدا الحدودية، واحتمال فقدانها السيطرة على معبر باب الهوى. ودخلت فصائل تابعة للجيش الحر أتون المعارك إلى جانب “أحرار الشام”، ومنها “صقور الشام” و”مجلس شورى سهل الغاب الثوري”، الذي أصدر بياناً مؤيداً لبيان “المجلس الإسلامي السوري” برفض “بغي الهيئة”.
عضو “المجلس الشرعي” في “هيئة تحرير الشام” عبدالله المحيسني، كذّب صدور بيان عن “المجلس الشرعي” وأكد عبر قناته في “تيليغرام” أن “المجلس الشرعي” لم يصدر فتوى بجواز القتال ضد “الأحرار”، داعياً لحقن الدماء بين الطرفين. المحيسني نفى علمه وعلم رئيس “لجنة الفتوى” في “المجلس” أبو الحارث المصري، بالرد الذي نشرته “الهيئة” عن مجلسها الشرعي على بيان “المجلس الإسلامي السوري”.
وكان بيان “المجلس الإسلامي” قد دعا عناصر الهيئة للانشقاق عنها والانضمام إلى الفصائل الثورية، وأكد حق الفصائل في رد البغي ووجوب مناصرتها ضد فصيل أدركوا خطورته على الثورة السورية. وردّت “الهيئة”، عبر بيانها الذي نفى مجلسها الشرعي علمه به، أن “المجلس الإسلامي السوري” ينحاز إلى فصيل دون آخر، ولم يستمع لطرفي الخلاف. البيان اتهم “المجلس”بفقد المصداقية والعدل بما يصدره من بيانات تكيل بمكيالين.
وفي ذروة التصعيد بين طرفي القتال، أعلن أهالي حزارين وكفرنبل والأتارب وتلعادة، وبلدات أخرى بريفي حلب وإدلب، تحييد مناطقهم عن محرقة القتال الدائر. قرار يرى فيه الأهالي تخفيفاً لتصعيد داخلي قد يضيّق دائرة القتال في ما لو سارت على نهجه بقية بلدات إدلب.
الصحافي أحمد عاصي، قال لـ”المدن”، إن القتال الدائر هو نتيجة حتمية لتراكمات سابقة، وأن جميع محاولات التهدئة في الوقت الحالي لن تنقذ المنطقة من محرقة بين “الهيئة” و”الأحرار” مهما تأجلت. وأضاف أن “القاعدة” تسعى لفرض سيطرتها الكاملة على المنطقة، واعتمدت في السابق سياسة افتراس الفصائل كل على حدة وسط صمت “الأحرار”. ومع سيطرة العقلية الفصائلية المشتتة، فإن جميع المبادرات والحلول المطروحة على الطاولة هي للتخدير ليس أكثر، ولا يمكن اقتسام المحافظة بين الفصيلين نظراً لعدم وجود سلطة مطلقة لأي فصيل منهما في مناطق إدلب كافة.
ومع اتساع رقعة القتال من جبل الزاوية وريف إدلب الجنوبي، وصولاً إلى الحدود التركية، يبدو أن الكفة ما تزال متأرجحة بين الفصيلين، مع ميلها لصالح “تحرير الشام” في الساعات الأخيرة، لكن ما يشاع من تدخل وشيك لقوات “درع الفرات” من جهة إدلب قد يقلب معادلة القوى، ويرجح كفة “الأحرار” من جديد.
مصادر مطلعة أفادت بتجهيز 7500 مقاتل من قوات “درع الفرات” المدعومة من تركيا، ونقلها من ريف حلب الشمالي استعداداً لدخول إدلب، في الأيام القليلة القادمة. وفي حال دخلت هذه القوات ستكون “هيئة تحرير الشام” أولى ضحاياه، لتشرب الكأس الذي سقت منه فصائل إدلب في ما مضى. كذلك قد تطال نيران تدخل “درع الفرات” القوة العسكرية لـ”الأحرار”، وتقلم أظافرها بعدما كانت المستفيد الأكبر من حرب “تحرير الشام” على الفصائل، حين كانت تصهر الفصائل الهاربة وتسيطر على مقدّراتها. فهل تسرعت “هيئة تحرير الشام” بإعلان الحرب على “الأحرار”، أم أن “الحركة” تأخرت كثيراً قبل الوقوف في وجه “الهيئة”؟