ترجمة المهندس عبد الحميد الأتاسي

 نشرت صحيفة اللوموند الفرنسية في نهاية العام المنصرم 7/12/ 2019 حوارا مطولا مع المناضل والمؤرخ الجزائري الكبير محمد حربي، تناول فيه تحليل الوضع السياسي في بلده. 

وفيما يلي ترجمته العربية

محمد حربي 86 سنة، أكبر مؤرخ جزائري. ومن مناضلي الساعات الأولى من أجل تحرير واستقلال الجزائر. لعب دورا بارزا خلال الحرب (1954- 1962 ) ثم  في السنوات الأولى من الاستقلال تحت حكم بن بلا (1963 1965), قبل أن يسجن وتفرض عليه الإقامة الجبرية طوال ثمان سنوات. يعيش في باريس منذ 1973. نشر له العديد من المؤلفات حول جبهة التحرير، والثورة الجزائرية، والجزء الأول من مذكراته. وتعتبىر أعماله ومواقفه العلنية مراجع لا يمكن تجاهلها. ويستمر في متابعة أحداث الجزائر بانتباه شديد، وفي استقبال الزملاء والأصدقاء. 

) قبل انطلاق حرب الجزائر في F L N)في أية ظروف التحقتم بجبهة التحرير الوطني 
أول نوفمبر / تشرين ثاني 1954 ؟

.)  M T L Dكنت قد انخرطت في حركة انتصار الحريات الديمقراطية ( 

منذ 1948.  وكانت تقريبا كل عائلتي التي اختارت المصالحة (مع السلطات الاستعمارية) ضدي، وكان أكبر أعمامي رئيسا للمجلس الوطني الجزائري (الذي كانت نصبته فرنسا). لكني نجحت في إقحام شقيقي الاثنين معي في السياسة. وحين رسبت في البكالوريا -بسبب نشاطي السياسي، حسب رأي والدي -، تم ارسالي إلى باريس. وهناك قابلت مغاربة وتونسيين. وبسرعة وجدت نفسي مستغرقا في النشاط ضمن رابطة الطلبة المسلمين في شمال افريقيا، حيث أصبحت في مكتبها.

المعضلة الكبرى في تلك الفترة، كانت الانقسام داخل حركة انتصار الحريات الديمقراطية بين اللجنة المركزية ورئيس الحركة مصالي الحاج. الذي كان اتهم اللجنة المركزية بالانحراف. وتفجرت الأزمة في فرنسا في ديسمبر/ كانون أول 1953, ثم امتدت إلى الجزائر. وطالب مصالي الحاج في حينه بحرية التصرف (منحه كامل الصلاحيات). ثم أرسل المصلييون (أنصار مصالي) مفرزة كومندو لتمارس العنف مع الطلاب (الذين لم يكونوا مع مصالي ونزاعه وطلبه كامل الصلاحيات)، وبدأ أنصار مصلي أخيرا بطرح شعارات دينية.

طلب حرية التصرف، وإقحام الإسلام، واللجوء إلى العنف والشجار؟  سلوك مرفوض بالنسبة لي. وفي محاولة لتجاوز مصالي الحاج، شكلت اللجنة المركزية ” لجنة ثورية للوحدة والعمل”، وكانت فكرتها والقصد منها إعادة صنع الوحدة في الكفاح. ومنها خرج الفريق القيادي لجبهة التحرير الوطني. وأنا أيضا، وكنت من أجل الكفاح المسلح.

هل كان هناك توافق حول انطلاق الحرب؟
المصليين لم يكونوا موافقين على انطلاق الكفاح المسلح في تلك الظروف.,
وكانت لديهم ثلاثة أهداف: تعبئة الشعب, تدويل المسألة الجزائرية, وتكوين كوادر عسكرية لكي تعود إلى الجزائر وتعمل تحت سلطة السياسيين. وبالنسبة لمصالي كان من الضروري الاعتماد على الشعب بدلا من إعطاء السلطة إلى أولئك الذين يحملون السلاح. والنتيجة كانت الحرب الأهلية بين المصليين وجبهة التحرير الوطني.

” جبهة التحرير لم تكن أبدا حزبا, كانت منظمة مسلحة”

  لقد انتصرت جبهة التحرير الوطني. لكن الحرب الأهلية بمجملها لم تكن سوى صراع لا نهاية له بين عصب حزبية. ولم يراودني الاعتقاد آنذاك أبداً بأن جبهة التحرير الوطني سوف تبقى موحدة إلى النهاية بدون انقسام. إنها فرنسا التي ابقتنا موحدين حتى الاستقلال.

  سببت هذه الحروب الداخلية أضرارا لا تقدر وأعطت السلطة إلى أولئك الذين كانوا يحملون السلاح. وجبهة التحرير الوطني لم تكن أبدا حزبا، كانت منظمة مسلحة. والقادة المسجونين (من قبل فرنسا) تم القبض عليهم في الصراعات الداخلية في الخارج. والذين كانوا في الخارج كانوا عسكريين. حصلنا على الاستقلال، لكننا خرجنا من أزمة لكي ندخل في أخرى. وجرت عسكرة المجتمع من خلال هذه الأزمات. والأزمة القائمة حاليا ليست سوى مرحلة إضافية. وربما لو كنا بقينا موحدين لجرت الأمور بصورة أخرى.

متى كان تاريخ طلاقك مع جبهة التحرير الوطني الجزائرية؟

   منذ 1956، تبين لي أن الجبهة لا تملك استراتيجية بعيدة المدى. لكني في بداية الأمر قطعت (كان لي رأي) بالنسبة لمسألة مصالي وأنصاره، ومن الموقف بخصوص اليسار. وكنت ضد الحرب الأهلية بين الجزائريين. وهو أمر لم أتقبله.

ثم، كانت هناك مسألة الكفاح المسلح في فرنسا: وكنت معارضا لها. وجرى حجب موقف جميع المسؤولين القابعين في سجني “السانتي ” و”فرين “, عن المناضلين, و كان موقفهم (القادة المسجونين )معارضا لها أيضا, وقالوا: ” انتبهوا ! من الجائز أن يكون هذا الأمر خطير جدا على الهجرة وعلينا.”.

وعارضت، أخيراً، الاغتيالات خارج فرنسا، في البلدان التي كان لنا فيها أصدقاء، ألمانيا، بلجيكا، إيطاليا، سويسرا. وحصر النضال في إطار عسكري محض، كأنه هو الهدف والمبتغى، وليس الثورة.

ما هي نتيجة الحرب مع المصليين (أنصار مصالي) على المدى الطويل؟

أنصار مصالي والشيوعيين كانوا القوتين الوحيدتين القادرتين على توليد أو انتاج يسار. لكن المعركة باتجاه اليسار، خسرناها قبل الاستقلال. والبذرة الصالحة أزهقت وانغسلت أثناء الحرب.

هل شعرت، أثناء الحرب، بانقلاب الرأي العام الفرنسي لصالح الاستقلال أو لوقف الحرب؟

  حصل ذلك فترة قصيرة جداً، بمناسبة انتخابات كانون ثاني 1956، والتي قادت منديس فرانس وغي موللي إلى التحالف والفوز، في تلك الأثناء عدلت فرنسا سياستها. لكن الحزب الاستعماري كان قوي لدرجة مكنته من أخذ زمام الأمور بيده.

واستخدم أنصار الحرب التناقضات الداخلية، والحرب بين جبهة التحرير الوطني والحركة الوطنية الجزائرية (وريثة حركة انتصار الحريات الديمقراطية بعد عام 1954)، الخ.  ولم يرغبوا في الحوار بأي شكل من الأشكال. واعتبارا من لحظة أننا كنا في حرب أصبحت السلطة بيد القوى الوطنية (القومية). والقوة الوطنية الرئيسية في فرنسا هي الجيش.

يقال غالبا أن الاستقلال سرقه “جيش الخارج ” في عام 1962 من المجموعات المسلحة في الداخل، هل تشاركون هذا التحليل؟ 

هذا ليس بجدي، وليس له معنى. الداخل لم يكن مثلما كان يراد له أن يصور، والخارج لم يكن الخارج لا غير، كان ضمنه أيضا قوى الداخل المحجوزة خارج البلد. وكلاهما من ذات الوسط الاجتماعي ولهم نفس الرؤية للأمور. 

والذين كانوا يحملون السلاح، في الداخل كأقرانهم في الخارج، كانوا يعتقدون أن الجزائر كانت لهم. يرونها كغنيمة.  سرقة الاستقلال لم تكن من فعل جيش الخارج، بل من فعل الرجال المسلحين الذين اختلسوا البلد من ساكنيها. خطفوا الاستقلال والسيادة من الشعب الجزائري.

ومنذ البداية، كان بن بللا يمشي بحذر (على بيض). كنت حاضرا خلال تشكيل اللجنة المركزية من قبل بن بللا وبو مدين. في لحظة ما، أخذ بو مدين القلم وشطب أسماء اثنين من أجل استبدالهما باثنين مقربين منه. انزعجت، لكني لم اسمح لنفسي بالكلام. لكن بن بللا لم ينطق ولا بكلمة.  والتفت بومدين نحوي وقال لي: ” محمد لا تقحم نفسك بأمور الرجال الكبار! “. وترك بن بللا العسكر يفعلون ما يريدون. 

  زيادة على أن المعارضة (من داخل جبهة التحرير الوطني التي منها آيّت أحمد) ساهمت هنا في اشعال الحرائق التي أعطت الفرصة للجيش لتحمل المسؤولية وأخذ الأمور بيده. وانضم في النهاية إلى بومدين، جميع المثقفين الذين كانوا ينتظرون مركزاً او موقعاً.

لماذا يتحدث المتظاهرون الشباب في الحراك، والحركة الاجتماعية اليوم في الجزائر عن استقلال جديد؟ 

لأنه أخذ منهم. ولم يكونوا مستقلين. ورأوا أن السيطرة الفرنسية استبدلت بسيطرة الجيش الجزائري. وبدأ هذا منذ 1962. ولما رأى الناس أن وعود جبهة التحرير الوطني لم تحترم بدأوا يرددون: ” كما لو ان فرنسا لم تذهب”.

ويبرهن “الحراك “، اليوم، ولو أنه لا يطابق رؤيتي للأمور، عن إبداعية ودينامية – حتى في التدمير – الذي يثير اعجابي، ويبرهن كذلك عن ذكاء شعبي مقابل ذاك الذي لدى السلطة. حتى ولو أن الأمور لا تسير كما يتمنون، توجد في هذه الدينامية والحيوية أصول أو (بذور) إعادة التركيب والتأليف.

في أية حاله كان البلد عند الاستقلال؟ هل تم ضرب صفح على الإرث الكولونيالي، بما في ذلك على ما كان ساريا ؟ 

جرى التسيير والاستخدام بصورة سيئة. وفي عام 1962 كانت امكانياتنا ضعيفة قسم من أولئك الذين كانوا تخرجوا وتدربوا في المجتمع المدني غادروا. وقسم آخر ابتعدوا عن مجموعة بن بللا (فرحات عباس، آيت أحمد، بوضياف، بن خدة) وأحيلوا على التقاعد.

في الواقع، كل شيء كان معطلا. العالم الريفي كان فاقد التوازن مختلا. ولم تكن له علاقة حقيقية بالأرض. والمسألة الرئيسية بالنسبة لي كانت الإدارة الذاتية وإعادة تشكيل أو تنظيم طبقة الفلاحين من جديد.

أمضيت ثلاث سنوات من عام 1962 إلى عام 1965, في قلب  السلطة .ماذا تستخلص من هذه التجربة ؟ هل كنت تأمل أو تعتقد بإمكانية تغيير الأمور من الداخل ؟

كانت جبهة التحرير الوطني تحتل كل المساحة. والاعتراض على الوضع لم يكن يعني الذهاب إلى السجن , ولكن فقدانك حياتك. وكان متيسرا انتزاع أوضاع منتجة لأوضاع أخرى، كنا نتقدم أحيانا، مع الوهم بأن ذلك بإمكانه أن يتوسع. لكنه لم يتوسع أبدا.

واعتبارا من ديسمبر/ كانون أول 1964 , لم أعد مقتنعا بالوضع. وتولد لدي شعور بالفشل. لم نكن نملك أي تأثير على القرارات. وحول الإدارة الذاتية, جميع المشاريع التي عرضناها رفضت أو لم تطبق. وقلت لبن بللا. هناك طريقتان للمواجهة أو للنظر في السلطة: إما محاولة البناء من القاعدة, ويلزم  حينئذ الجدية وأخذ رجال مقتنعين , وإما متابعة ترقيع الدولة التي كان نصّبها الاستعمار, كما كان الحال , وإدارة الاستبدال أو التغيير. لكن التغيير، بالبداهة، لا يمس الشغيلة.

تصف بن بللا بكونه إنسان متدين ومحافظ.

متدين ومحافظ هذا مؤكد. ولقد قال لي، في احد الأيام:” لو أن الأمر يتعلق بشخصه لأضاف حرف م (أي المسلمين) إلى الأحرف المختصرة للاتحاد العام للعمال الجزائريين “.

لكن ناصر (جمال عبد الناصر)، الذي كان في حرب مع الاخوان المسلمين كان يعارض ذلك. والنزعة القومية العربية-الإسلامية عند بن بلا لم تكن تأخذ بعين الاعتبار ساكني الجزائر أو معمريها، لا الأوروبيين، ولا اليهود الغير فرنسيين في الصحراء. والتصرف على هذه الصورة كان يعني احراج الآخرين. وفي النهاية، دفعهم إلى الرحيل .

والهواري بو مدين , كيف تعرفه ؟

هو دولاتي متعلق بالدولة مع استعارات من النموذج الستاليني. لكنه ليس متدينا على طريقة بن بلا. لقد آمن بالتجربة الاقتصادية (الاشتراكية) في الجزائر. ليس لدي احترام لشخصه، لكني أعتقد أنه كان الأكثر وضوحا من الذين أتوا بعده بالنسبة للصعوبات التي كانت تواجهها البلد.

كنت قد سجنت و وضعت تحت الإقامة الإجبارية، من عام 1965 إلى عام 1973. كيف عشت تلك الفترة؟ 

  حين تم توقيفي في 9 آب 1965 , لم أكن  أنا المقصود. لكن الانقلابيين حاولوا تطويعي مرة بعد أخرى. وطلب بومدين ( الذي أصبح رئيسا  للجمهورية عىل اثر الانقلاب في شهر حزيران ) رؤيتي فرفضت .

وعرضت عليّ سفارة، و وزارة. فأجبت: ” لا أريد أن تكون لي أية علاقة معكم، لقد أخذتم السلطة، ولديكم برنامج، لم أشارك به.” وقاموا بتعذيب بعض الرفاق بصورة وحشية، لكنهم استثنوني ولم أعذب”.

وفي البداية، تم نقلنا إلى سجن لامبيز في مستشفى عنابة، ثم إلى مركز تعذيب فرنسي سابق في فيلا بنغانا في الجزائر، ولضرورة إخلاء المكان لتشومبي (رئيس كاطنغا السابق) نقلنا إلى مركز البوليس في شاتونوف. وفي عام 1969 قرروا وضعنا تحت الإقامة الإجبارية. وتم ارسالي إلى أدرار, ثم إلى تيميمون , في الصحراء. واعتبارا من عام 1971 تمكنت من المكوث في سكيكدا قريبا من بيت الأسرة ومكان  نشأتي.

حدثنا عن فرارك (من الإقامة الإجبارية ومن الجزائر) في نيسلن 1973….

  كان كل شيء قد نظم وأعد في الخارج في فرنسا. ومن قبل أصحاب أثيرين أتوا في سيارات تم استئجارها من تونس. وخرجنا ( من الجزائر ) بجوازات سفر تركية , (تم الحصول عليها من المخيمات الفلسطينية في بيروت ), باتجاه تونس ومنها إلى جنيف. وساعدتنا في اجتياز الحدود نحو فرنسا. آنيت روجير – اسمها الحقيقي آن بومنوار – .

كيف  تم استقبالكم من قبل السلطات  الفرنسية ؟ 

قالوا لنا نمنحكم اللجوء ولكن ليس السياسي، ومنحونا بطاقات عمل (تسمح لنا بالعمل) على أن نلتزم بالهدوء. وينبغي أن أعترف أنه لم يحصل لي أبدا أن تم استدعائي أو مساءلتي لأي سبب من الأسباب. وما كنا ننشره من إعلانات و رأي كان مصدره دوما روما أو بروكسيل ( لكي لا نحرج  باريس) . وتخليت سريعا عن فكرة تكوين تنظيم حين تبين لي ان الأمن الجزائري كان قد اكتسح الفضاء الفرنسي. لكني لم اقلع أو أتخلى عن السياسة.

هل أن كونك كنت مناضلا , شكل هذا عاملا مساعدا أم معيقا للمؤرخ الذي  أصبحته فيما بعد؟ 

بلا مراء, كان عاملا مساعدا بالنسبة لتفهم وادراك الأمور. وأعطتني الماركسية الأدوات لكي أتناول بتوجس تجربتي النضالية مع الرجوع إلى الوراء. لكن دون ان أعترف لها بأي ميزة استثنائية في مقاربة أو تناول السياسة.

 من بين المؤلفين الفرنسيين بورديو, كامو, وآخرين , من هو الأكثر فهما للجزائر ؟

بورديو, كتابه حول الشغيلة الجزائريين هو مرجع, مع أنه استفاد من أجل إنجازه  من مساعدة إدارة الخدمات الخاصة . لكنه لم يكن في خدمتهم.

والذين فهموا جيدا الجزائر, لأنهم كانوا يتموضعون في أفق تغيير شامل, وهم مجموعة اشتراكية أو بربرية , مع كلود لو فور , كورنيليوس كلستورياديس, جان فرانسوا  ليوتارد , و بيير سويري . والأفارقة أيضا ساعدوني كثيرا في فهم تعقيدات السياسة.

استخدمت السلطة الجزائرية زمنا طويلا التاريخ لدعم شرعيتها .هل يمكن اليوم كتابة تاريخ متحرر من الأيديولوجيا في الجزائر ؟

هذه السلطة لم تتوقف أبدا عن التذرع بجراحها دون أي اعتبار لجراح الآخرين. بما في ذلك ضحايا الحرب الأهلية أو التطهير. واليوم لا يتكلم عنها ولا واحد من بين المرشحين للسلطة كي لا يطالبوا بتقديم حساب عن الخراب والنشل اللذين سادا منذ الاستقلال.

يوجد تراجع (تردي) ثقافي هائل في الجزائر، لا يمكننا تصور ضخامة الكارثة. لقد قتلنا الذكاء. ولم يعد هناك حوار ثقافي ممكن.

 على سبيل المثال, ينشر “المثقفون ” موقفهم  من ” الثورة ” في الصحافة . ولا يجرؤون على مساءلتها بصورة نقدية. وفي الجامعة الوضع أسوأ. وفاقمت النزعة الإسلامية الأمور. وعند جيل المؤرخين الشباب هناك نحو عشرة جامعيين على مستوى رفيع, على  الخصوص, لكنهم في الخارج.

هل يمكن للجالية أن تلعب دورا محركا في مستقبل الجزائر؟ 

نعم , لكن هذا  سوف يأخذ بعض  الوقت. هناك شباب يتطوعون في كندا و في الولايات المتحدة,. في فرنسا,  الحالة هي أقل, لأنه يوجد دوما خوف من خيانة بلده. ويعاب على أولئك الين هاجروا بأنهم هربوا. وأصبحت صفة ابن البلد الغير مهاجر شرط لازم من أجل الحديث عن البلد. وحين ينتقد المهاجرون الجزائر, فهم  مجردين من أهلية أو شرعية كونهم كجزائريين.

هل المجتمع الجزائري مهووس أيضا بالاستعمار والحرب كقادته ؟ 

كلا , لا أعتقد. الناس ترفض هذا الخطاب الرسمي، لكن الأيديولوجيا القومية تطبع دائما سلوكهم: المتعلق بالعديد من رسوم ورموز معركة الجزائر.

هل الثورة الجزائرية كانت علمانية ؟ 

إطلاقا , هي ثورة دينية في  كثير من المظاهر. وقد ساهمت فيها عناصر قادمة من اليسار. من الذي بدل اسم ( عنوان)الجريدة مقاومة باسم  المجاهد ؟ انه عبان رمضان (أحد أهم القادة السياسيين لجبهة التحرير الوطني)، و كان يعتقد أن هذا سوف يعطي روحا قتالية أكثر للناس. ولم يكن يحلل الأمر.

لكن الذي كان مطروحا ليس الدين بمقدار ما هو النظام الأبوي (سلطة الأب في الأسرة). لأننا لم نخرج بعد من النظام الأبوي. حتى في منطقة القبائل كان اطلاق شعار العلمانية أسهل من القيام بالنضال ضد النظام الأبوي ومن أجل المساواة للنساء .

كيف تفسر قوة الشعبية المفاجئة للجبهة الإسلامية للإنقاذ في دوار سنوات 1980 -1990 و استمرار النزعة الإسلامية ؟

جوهر الإسلام الجزائري, كان شيء من التقوى, دماثة في العلاقات الاجتماعية. والإسلام السياسي كان قد استورد (أدخل ) إلى  الجزائر. وانتزع قوته من رفض ( الشعب أو المجتمع ) جبهة التحرير الوطني.

لقد ذهبت لرؤية الانتخابات في 1991. وذكرني ذلك بالانبثاق العنيف لحركة انتصار الحريات الديمقراطية في 1946 – 1948. حضور الفرنسيين في ذلك الوقت منع  التناقضات الداخلية من التحول إلى حرب أهلية.

كنت في عنابة يوم الانتخابات, في ديسمبر/كانون أول 1991 : كان الناس يذهبون ليتطهروا   قبل التصويت. شاهدت أناسا يبكون. هذه السجية (أوالطبيعة) العاطفية قد انتزعتها جبهة الإنقاذ الإسلامية من جبهة التحرير الوطني.

و إذا كنا تركنا جبهة الإنقاذ الإسلامية تنتصر؟ 

سيكون هذا هزيمة للديمقراطية وللفكرة. لكني لست متأكدا من أن الطريق الذي اتبع كان الأفضل. لأننا, حين  نخرج من السياسة, نحول الناس إلى متطرفين : ولم تعد توجد سوى البندقية التي تتكلم .

 على أي حال, أولئك الذين  اداروا الأزمة هم مسؤولين عن النتيجة. وكان العسكر يرغبون الذهاب إليها بأي شكل من الأشكال ( مهما  يكن من أمر ) واختاروا المواجهة. وكانوا قد تخلصوا قبل ذلك من الذي كان باقيا اشتراكي قليلا بإجبار الشادلي ( الرئيس من1979 إلى 1992 ) على  الاستقالة. وبمجرد أن ربحوا الحرب ضد جبهة الإنقاذ الإسلامية , استطاعوا شراء الإسلاميين. لكنهم , من أجل ذلك, خربوا البلد, وفككوا الدولة وفتحوا الباب لجميع النوازع والشهوات .

      الجوهري, اليوم, بالنسبة لقايد  صالح ( رئيس هيئة أركان الجيش الوطني الشعبي منذ 2004 والرجل القوي الجديد في البلد), هو المحافظة على سلطة الجيش , أبدا كما في  السابق. وكان الجيش قد تحالف, زمنا طويلا, مع التكنوقراط( الجماعات الفنية). وهو يريد وضعها تحت سيطرته, وعسكرتها على هواه.

ما الذي مثلته العشرين سنة  من رئاسة بو تفليقة ؟ 

يحمل بو تفليقة مسؤولية رهيبة في ذلك الذي حدث. لقد تقاسم السلطة مع العسكر. لأنه كان يعتقد أن زيادة ثروة وسمنة العسكر اكثر تجعل إزعاج الجيش له أقل.

هل  تشكل  الجزائر أمة ؟ 

 يوجد أيضا كثير من العمل ينبغي انجازه. في عهد مضى,  درست الريزورجيمنتو ( فترة تحقيق الوحدة الإيطالية في القرن التاسع عشر). كان أحد مستشاري كافور ( أول رئيس للمجلس الإيطالي في 1861 ) يقول : ” لقد صنعنا إيطاليا , يلزم الآن صناعة الإيطاليين.” وذات الشيء بالنسبة للجزائر.

كريستوف عياد 

ترجمة المهندس عبد الحميد الأتاسي