افتتاحية القدس العربي

في صبيحة يوم 29 حزيران/يونيو 2015 انفجرت سيارة ملغومة أصابت موكب النائب العام المصري هشام بركات الذي خضع لعملية جراحية فارق الحياة بعدها.
انفعل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال جنازة بركات قائلا إن «يد العدالة مغلولة بالقوانين» واعداً باتخاذ قرار بتعديل القوانين «لتحقيق العدالة بأسرع وقت».
أجهزة النظام المصري لم تساهم بتعديل القوانين «لتحقيق العدالة» فحسب بل نجحت في تحقيق انتقام لا يوصف ولكن ليس من المذنبين بل من نخبة بريئة من أفراد الشعب المصري فقبضت على 67 شخصا بحيث أن قائمة المتهمين ضمت 10 أطباء و10 مهندسين و22 طالبا و5 عمال وضابط سابق، وانتقت من هؤلاء 9 شبان قامت بإعدامهم صباح أمس.
أحد المتهمين الذين قام النظام بإعدامهم هو محمود الأحمدي، مواليد 1996، والطالب في كلية اللغات والترجمة والذي اعتقل عام 2016 خلال تقديمه لبلاغ باختفاء شقيقه، وخلال إحدى جلسات محاكمته للقاضي إن ما تعرض له من تعذيب بالكهرباء يجعله يعترف بقتل أنور السادات (الرئيس المصري الذي تم اغتياله عام 1981)، وأن ضابط الأمن قال له: «هتشيل النائب العام»، أي أنه سيحمل وزر مقتل بركات، وحين سأله: «طيب ليه. مش ظلم؟» رد عليه: «هتشيلها هتشيلها»!
والدة أحد المتهمين، إسلام مكاوي، قالت إن ابنها كان مجندا في الجيش وقت حادثة مقتل بركات وأنه أنهى خدمته العسكرية بعد الحادثة بثلاثة أشهر، أما والد أحمد جمال فقال إن ابنه كان يتابع حادث الاغتيال من شاشة التلفزيون وقت وقوعه، فيما قال أحمد محروس، أمام المحكمة التي قضت بإعدامه إنه قُبض عليه يوم 22 شباط/فبراير 2015 أي قبل الحادث بأشهر، فيما أكد أبو بكر السيد وأحمد وهدان وأبو القاسم أحمد أنهم تعرضوا لتعذيب شديد وأن اعترافاتهم انتزعت تحت التعذيب، في حين قال أحمد الدجوي إنه عرف بمقتل النائب خلال التحقيقات، وكشف أحد محامي المتهمين أن موكّله «كفيف» ويحاكم بتهم من بينها تدريب آخرين على استخدام السلاح، فيما قالت بسمة رفعت، إحدى المتهمات أن اعترافها انتزع تحت التعذيب والتهديد بالاغتصاب وقتل زوجها.
إضافة إلى هذه الفضائح التي تشارك على صنعها جهازا الأمن والقضاء فقد حجزت وسائل إعلام النظام حصّتها هي أيضاً من الفانتازيا السياسية العجيبة المعاد تدويرها وذلك بالحديث عن ضابط مخابرات من «كتائب القسام» (الذراع العسكرية لحركة حماس) أشرف على تفجير الموكب، وأن تركيا أيضاً كان لها دور إضافة إلى قيادات الإخوان المسلمين، ولم يكن ينقص في كرنفال الأكاذيب هذه سوى الحديث عن دور لمخلوقات فضائية شاركت في التخطيط والتنفيذ.
حادثة الإعدام الشنيعة التي جرت أمس لم تكن «إبادة جماعية» لمجموعة من الشبان الأبرياء فحسب، إنها، من جهة، صورة عن طرق اشتغال آلة الطغيان التي تحرّك النظام المصري والتي لا تحترم كرامة مواطنيها أو حقوقهم أو العدالة التي تتجبّر باسمها، وهي، من جهة أخرى، ليست سوى أداة لإرهاب المصريين والانتقام منهم على الثورة على «أسيادهم» المتربعين فوق عروشهم، وحصولها في الوقت الذي تنخرط فيه آلات السلطة في تعديل الدستور يبدو جزءا من آلة الترهيب لفرض سلطة مطلقة ومؤبدة يقودها السيسي ويورّثها بعده لمن يشاء ما دامت أيدي «العدالة» الأمنية صارت طليقة وتضرب كما تشاء.