وكالة زيتون – حوار صحفي
أجرت “وكالة زيتون” حواراً مطولاً مع المعارض البارز “جورج صبرا” الرئيس السابق للمجلس الوطني السوري، وعضو الأمانة العامة لإعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي، تناول عدة محاور بخصوص ملف اللجنة الدستورية وموقفه منها.

كيف تنظرون إلى اللجنة الدستورية بشكل عام، والتي اختزلت مطالب الشعب السوري بإعداد دستور جديد؟

صبرا: أرى أن اللجنة الدستورية بدعة روسية، وبعض من المساعي الروسية للتطاول على العملية السياسية وإخراجها عن مسارها وتشويهها، وهي من الثمار المرة لمسار أستانا-سوتشي، الذي ابتدعه الروس للحؤول دون نجاح المسار الحقيقي للمفاوضات الجادة في جنيف، وأخذ العملية السياسية إلى حيث يريدون في رؤيتهم الخاصة للحل.

ولم يتخلوا الروس عن محاولاتهم في إعادة تأهيل النظام السوري وتسويقه دولياً بطرق مختلفة، بعد أن دعموا استمراره وحالوا دون سقوطه بتدخلهم العسكري عام 2015 واحتلالهم لمناطق عدة في البلاد.

وكان الروس قد وضعوا دستوراً جاهزاً على طاولة أستانا منذ بداية اجتماعاتها، ولما رفضه السوريون، قاموا بهذه التوليفة المخادعة لتحقيق نفس الهدف بطريقة أخرى، وقد نجحوا بوضعه برعاية الامم المتحدة وعبر مسار المفاوضات في جنيف، وكان الجميع على ثقة بأن لا طائل من هذا المشروع باستثناء إضاعة الوقت وإضافة نقطة خلافية بين السوريين، خاصة وأن الرأي العام الوطني السوري في إطار قوى الثورة والمعارضة كان رافضاً لهذا المشروع باستثناء الفريق الذي انخرط فيه بدفع من الدول وتنفيذاً لإراداتها .

ما هي تحفظاتكم على هذه اللجنة؟

صبرا: أولاً لأن جوهر قضية الشعب السوري وثورته بمواجهة عصابات القتل والتدمير التي تتحكم بمصير البلاد ليست شأناً دستورياً، فالنظام وضع دستوراً جديداً عام 2012 أفضل من الدستور السابق الموضوع عام 1973، لكن لم يغير أي شيء في طريقته بالحكم والإدارة والموقف العدائي من الشعب وإرادته في التغيير، وعلى العكس مضى عميقاً في أعمال القتل والتدمير والتهجير، واستخدم الأسلحة المحرمة دولياً كالبراميل المتفجرة والنابالم والأسلحة الكيماوية.

إن العمل في هذه اللجنة كمن يضع العربة أمام الحصان، لأن وضع الدستور وفق العملية السياسية التي رسمتها القرارات الأممية من مندرجات المرحلة الانتقالية التي تبدأ بتشكيل هيئة حكم انتقالية كاملة الصلاحيات التنفيذية، ويوضع داخل البلاد من قبل جمعية تأسيسية منتخبة، ويصادق عليه الشعب السوري باستفتاء عام.

ومع الاحترام الشخصي لأعضاء اللجنة الدستورية، فقد تمت تسميتهم من قبل الدول وليس بإرادة السوريين، وهاهم يلجؤون إليها وإلى الوسيط الأممي لفض نزاعاتهم، لكن أخطر ما فعله هذا المشروع، أنه أعطى انطباعاً زائفاً (سوَّق له أعضاء اللجنة) بأن ما يجري جولات تفاوضية في إطار العملية السياسية، في الوقت الذي بانت النتائج واضحة بعد خمس جولات بأنها “مخيبة للآمال” كما صرح الوسيط الأممي بيدرسون.

وفي الوقت الذي تجلس فيه هيئة التفاوض السورية، وهي الموكلة بمهمة المفاوضات، دون عمل منذ إنشائها قبل أكثر من ثلاث سنوات في مؤتمر الرياض 2 عام 2017 .

ومن أبرز الدسائس التي صدرت عن اللجنة، وتقول بالفم الملآن (كاد المريب أن يقول خذوني) بدعة الحديث عن “العدالة التصالحية” بديلاً عن “العدالة الانتقالية”، مما يشي بالمآرب الكامنة وراء هذا المشروع والمخطط الروسي الذي استولده.

برأيكم ما هي أسباب قبول هيئة التفاوض باللجنة الدستورية بعد أن رفضتها في المرة الأولى؟

صبرا: هنا يمكن الحديث حصراً عن موقف الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، لأن بقية الأطراف لم يكن مستغرباً انخراطها في هذا المشروع، وبعضها كان يبشر به ويتبناه كمنصتي موسكو والقاهرة، لم يستطع الائتلاف أن يقنع السوريين بالتناقض بين موقفه وسلوكه، فقد رفض حضور مؤتمر سوتشي، لكنه التزم بتطبيق مخرجاته وعلى رأسها اللجنة الدستورية، وانخرط في أعمالها من موقع القيادة.

ويبدو أن مدرسة “الواقعية السياسية” المتهافتة وجدت في هذا المشروع مادة لبيع الأوهام عن استمرار العملية السياسية وجدية جولات المفاوضات وجدوى المناقشات الدستورية رغم أن النظام لم يتزحزح قيد أنمله عن مواقفه وأساليب عمله، وهم بذلك يضربون عرض الحائط بالوثائق التأسيسية للائتلاف والمسار التفاوضي الذي شارك فيه في الأعوام 2014 – 2016 – 2017، ويبدو أن إرادات الدول وضغوطها بهذا الاتجاه من أجل الانخراط بهذه اللجنة أتت أكلها .

برأيكم ما هي أسباب هذه التنازلات دون تحقيق أي مكسب للسوريين؟

صبرا: أنا شخصياً لا أرى أي موجب للتنازلات دون تحقيق مكاسب، خاصة ونحن نتحدث عن ثورة شعب وحقوق مهدورة منذ عقود، وهي من أبسط حقوق الشعوب في هذا العصر والموجودة في القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، لكن كما يقال طريق السقوط تبدأ بخطوة واحدة، ويبدو أنها كانت بقبول منصتي موسكو والقاهرة وآخرين في مؤتمر

“الرياض 2” وبالتالي بمخرجاته، وقد يكون للطموحات الشخصية لبعض الأفراد دور في ذلك، لكن الاستجابة لإرادة الدول تبقى العامل الأكثر تأثيراً وفعالية، وإلا كيف يمكن فهم اقتراح بعض أعضاء اللجنة بأن تنقل أعمالها إلى دمشق؟

هل يمكن القول أن روسيا خدعت المعارضة السورية وجرتها إلى الحل الذي ترغب فيه؟

صبرا: ليس في الأمر خديعة، فالروس كانوا واضحين دوماً بما يريدونه ويفضلونه، ففي اليوم التالي لصدور بيان “جنيف1″، أعلن لافروف فهمه المغاير لفهم الوزيرة كلينتون حول مصير الأسد في العملية السياسية، وأن “تشكيل هيئة حكم انتقالية كاملة الصلاحيات التنفذية” لا تشمل بشار الأسد وصلاحياته ولا تعنيه أصلاً، وكذلك في جميع الحوارات معهم، كانت رؤيتهم للحل تتمثل بشكل من أشكال المصالحة مع النظام، لذلك أنقذوه من السقوط عسكرياً، وابتدعوا مسار أستانا للتشويش على العملية السياسية وحرفها عن مسارها، واستخدموا الفيتو 16 مرة في مجلس الأمن للحيلولة دون إدانة النظام، فالمشكلة ليست هناك، إنما عندنا نحن السوريين، حيث يستسهل البعض الاستجابة لإرادة الدول وتقديم المصالح الخاصة والضيقة على المصلحة العامة، ومن دون شك كان للتحولات الميدانية على الأرض، ولمجريات الأمور السياسية في الفضاء الإقليمي والدولي دور في ذلك.

ما خطورة اللجنة الدستورية على الحل في سورية ؟

صبرا: مجرد وجود لجنة تشكلت بإرادة الدول لوضع الدستور السوري في الخارج هو استهانة بالشعب السوري واعتداء على حقوقه وكرامته، فالسوريون يعرفون الحياة الدستورية منذ مئة عام، وجربوا مختلف الطرق في كتابة الدساتير 17 مرة، والشعب الذي شارك بصناعة النظام العالمي بتأسيس الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية وجميع المنظمات والمؤسسات الدولية المثيلة، ليس بوسعه أن يفوض الآخرين بصنع مستقبله، والعار كل العار على أي سوري يقبل ذلك، وعندما يتم تجاوز جميع مندرجات ومهام المرحلة الانتقالية ويكتفى بالحرص على الدستور، ففي ذلك الطعن الأكبر للعملية السياسية، وهو الخطر الأكبر على الحل السياسي عندما يجتزأ ويعصر ويشوه ليصبح على صورة مهمة دستورية، لا تقدم ولا تؤخر في إخراج الشعب من المحنة، وفي استعادته لدوره وحقوقه وأهدافه بعد تضحيات عز نظيرها في تاريخ الثورات.

برأيكم ما هو الشيء الواجب فعله كسوريين رافضين لهذا المسار ؟

صبرا: الاستمرار بالرفض، ودعوة الذين تورطوا في هذا المسار بالخروج منه وفضحه، خاصة وأن بعضهم قد فعل ذلك، وأعلن استقالته من عمل اللجنة ومن عضوية هيئة التفاوض، فانعدام الجدوى لم يعد احتمالاً، فهو حقيقة عبر عنها مضي حوالي العامين من الاجتماعات الفارغة وإشاعة الآمال الكاذبة وتبادل الاتهامات والمسؤوليات عن الفشل.

كلمة أخيرة من حضرتكم للسوريين القابضين على ثورتهم وللأشخاص الذين يروجون للجنة الدستورية؟

صبرا: السوريون القابضون على ثورتهم بغنى عن كلماتنا، وأعني أولئك الموجودين بالداخل في جميع مناطق البلاد، فهم البوصلة التي تشير إلى الاتجاه الصحيح دائماً رغم صعوبة الدرب، ومنذ عشر سنوات يفعلون ما يفعلونه من القبض على جمر الثورة، وتقديم أغلى التضحيات من أجلها بتصميم وشجاعة يعزان عن الوصف، وعلينا نحن أن نصغي إليهم، ونتلمس منهم وعبرهم سواء السبيل.

أما للذين ما زالوا يروجون للجنة الدستورية فأقول: أوقفوا هذه المهزلة بتركها والانسحاب منها، فلم يعد من الممكن تغطية الشمس بغربال، ومغادرة الموقع الخطأ واجب المرء نحو نفسه وقضيته، فكيف إذا كان الأمر متعلقاً بخطيئة تمس حياة شعب ومستقبل قضية، ومراجعة المواقف من المهام المطلوبة دوماً في مسار الأحداث الكبرى والمعقدة، فكيف في مسار الثورة السورية؟