وكالة زيتون – خاص

أجرت “وكالة زيتون الإعلامية” حواراً خاصاً مع السياسي السوري والرئيس السابق للمجلس الوطني السوري، جورج صبرا حول مواضيع متعددة ومتنوعة، أبرزها ما يتعلق بالملف السياسي وسبل إصلاح مؤسسات المعارضة السورية.

اللجنة الدستورية تخدم روسيا والأسد

قال “أ. جورج صبرا”، إنه منذ ولادة “هيئة التفاوض” في مؤتمر الرياض 2 قبل أكثر من أربع سنوات، لم تجر أي عملية تفاوض رسمية بشأن القضية السورية وبقيت هذه الهيئة المولجة رسمياً بالمهمة التفاوضية عاطلة عن العمل، ولم يسمع لها صوت باستثناء التراشق بالبيانات والبيانات المضادة بين أطرافها من الرياض وإسطنبول، والخلافات التنظيمية التي ظهرت بين مكوناتها حول قائمة المستقلين.

أما اللجنة الدستورية، فليس من مهامها إجراء المفاوضات من أجل الانتقال السياسي وفق ما نص عليه بيان جنيف لعام 2012 والقرارات الأممية اللاحقة حتى القرار 2254، وما ادعاء غير ذلك إلا تطاول على العملية السياسية وتشويه لها وفق النهج الروسي، ومخادعة للسوريين، في محاولة لتغطية مهمتها غير الشرعية والمرفوضة من قبل السوريين بغطاء التفاوض.

أولاً: لأن الدستور السوري من مهام المرحلة الانتقالية، تضعه داخل البلاد جمعية تأسيسية منتخبة أو هيئة وطنية مختصة، ويتم إقراره حسب الأصول.

ثانياً: هذه اللجنة بدعة روسية من سوتشي، ابتدعها الروس للتطاول على العملية السياسية وإخراجها عن مسارها في جنيف، وللأسف شارك فيها الائتلاف، فبعد رفضه المشاركة في سوتشي التزم بمخرجاته ومنها اللجنة الدستورية.

ثالثاً: فضح المندوب الروسي لافرنتييف مؤخراً حدود المهمة المنوطة باللجنة الدستورية دون مواربة، وكشف بأن ليس من مهامها إجراء الانتقال السياسي، خلافاً لوهم الواهمين وادعاء المدعين، وبالتالي عن أي عملية تفاوضية يمكن الحديث؟! وها هي بعد ثلاث سنوات وست جولات فارغة، ليس في إضبارتها غير الأوراق البيضاء، لكنها وفرت للروس ولعصابات الأسد فرصة الادعاء بولوج العملية السياسية، وأعطتهم فسحة زمنية للاستمرار بقتل السوريين واعتقالهم وتهجيرهم تحت غطاء المفاوضات.

الحل السياسي الناجح من وجهة نظر صبرا

أشار المعارض القديم لنظام الأسد، إلى أن إحياء العملية السياسية رهن بالإرادة الدولية والتوافق على تنفيذ مدرجات الحل، وأرى أنه مرتبط في هذه المرحلة بالأوضاع الإقليمية المتفجرة والتي تنذر بالتفجر في أكثر من موقع. غير أن استعداد السوريين ووحدتهم وحسن تأهلهم يشكل عنصراً هاماً في توفير الإرادة الدولية، عندما تظهر جهوزية أصحاب العلاقة لمباشرة الحل وتأمين نجاحه. وهي خطوات مطلوبة أكثر منها خيارات ممكنة.

أ – التمسك بالعملية السياسية وفق مسار جنيف بالاستناد إلى جميع القرارات الأممية ذات العلاقة، من بيان جنيف 2012 إلى القرار 2254 مروراً بالقرار 2118 وقرار الجمعية العامة 62/ 67.
ب – التوافق مع الإرادة الشعبية لقوى الثورة في رفض مسار أستانا – سوتشي ومنتجاته ووقف العمل من خلاله. فقد كشف صانعوه أهدافهم وغاياتهم منه، وعرته الجولات الـ 17 الفارغة من أي مضمون حقيقي يفيد السورين وقضيتهم. بل كان من أسباب انقسامهم وتبدد جهودهم السياسية.
ج – إقامة حوار بناء بين السوريين وخاصة مع نشطاء الثورة في الداخل ومع الجاليات في بلدان الاغتراب من أجل بناء حامل سياسي، ينال ثقة السوريين وتأييدهم، ويحافظ على القرار الوطني المستقل.

روسيا محتلة لا وسيط

وعن الدور الذي تحاول روسيا لعبه في المسارات السياسية، لفت صبر والذي كان رئيساً سابقاً للمجلس الوطني السوري، أن معظم قوى الثورة والمعارضة لم تكن على خطأ عندما رفضت الدور الروسي ومشاريعه السياسية من بدايتها، وكما تجلت في أستانا وسوتشي. ولم يكن بغير معنى أن يضع الروسي منذ البداية على طاولة السوريين في أستانا دستوراً جاهزاً. وفي ذلك ما فيه من استهانة بالشعب السوري وانكشاف لغاياته كقوة احتلال. ولو كان مهتماً بالحل السياسي ومعنياً به بجد، لماذا لم يقدم جهوده في المفاوضات الرسمية التي جرت في جنيف الأعوام 2014 – 2016 – 2017 ؟ ما يريده الروس وما يتقنونه قاموا به كمحتلين. دعموا استمرار سلطة عصابات الأسد. قتلوا السوريين ودمروا بيوتهم ووسائل عيشهم واستقرارهم، جربوا أسلحتهم باللحم الحي لأطفال سورية، واستحوذوا على المقدرات السورية الاستراتيجية والاقتصادية والسياسية.

وليس للروس تاريخ سياسي ناجح في معالجة قضاياهم أو قضايا محيطهم أو القضايا الدولية. فالحروب “المقدسة” ومباركة أسلحة القتل، والفخر بتجريب أكثر من 300 نوع من الأسلحة في سورية، لا يمكن أن يستولد دوراً سياسياً إيجابياً. والتعامل مع هذا النهج لا يخرج عن التعامل مع القوى الأخرى. عبر التمسك بحق السوريين في تقرير مصيرهم وإدارة شؤون بلدهم ومستقبلهم، والالتزام بتنفيذ القرارات الأممية بإشراف الأمم المتحدة على العملية السياسية وجميع جوانبها وإجراءاتها، لتحقيق مشروع وطني للحل، يسد منافذ التدخل الخارجي، ويحول دون تحويل المؤسسات إلى منصات لخدمة سياسات العواصم.

دور الأمم المتحدة ومبعوثيها في الحل السياسي

قال “صبرا” إنه وبعد ثلاث سنوات وست جولات فارغة، وبعد أن فضح جوهرها المبعوث الروسي لافرنتييف، جاء اقتراح الوسيط الأممي بشأن اللجنة الدستورية ونهج “خطوة بخطوة” ليضيف جرعة سم قاتلة لهذا المسار، ما أثار حفيظة المشاركين في هذه اللجنة والمؤيدين لها. فأعلنوا رفضهم لهذا المقترح، الذي يعري هذا المشروع، ويكشف مآربه الحقيقية إضافة إلى الأضرار التي ألحقها بالمناخ السياسي بين السوريين والمؤسسات التمثيلية.

كان دور الأمم المتحدة عبر وسطائها في القضية السورية صدى للمناخ الدولي في تراجعه المستمر منذ بيان جنيف1 لعام 2012 عن اعتماد الحل السياسي والخطوات الجادة لتنفيذه. وقد انعكس ذلك بوضوح في دور الوسطاء وسلوكهم وتصرفاتهم. منذ كوفي أنان ومشروعه للانتقال السياسي 2012، إلى الأخضر الإبراهيمي واستقالته من المهمة واعتذاره للشعب السوري عن الفشل في تحقيق المطلوب بعد مفاوضات 2014، إلى مرحلة الوقت المستقطع والحركات البهلوانية وتشويه العملية السياسية بعد الاحتلال الروسي 2015 التي أدارها ستيفان ديمستورا، وصولاً إلى غير بيدرسون ومرحلة اللعب خارج الملعب في أكذوبة ما سمي باللجنة الدستورية. وكان ذلك تعبيراً صارخاً عن تراجع المجتمع الدولي وتالياً الأمم المتحدة عن أداء دورهما، وانعدام الإرادة اللازمة لذلك، وعدم توفر التوافق المطلوب لتنفيذ الحل السياسي الذي رسمته القرارات الأممية، التي تبقى الإثمار الأهم – إلى جانب الجهد الإنساني – للأمم المتحدة في القضية السورية. وقد اختطت بأيديهم، وعلت أصواتهم بضرورة تنفيذها.

الولايات المتحدة خذلت السوريين

يرى السياسي البارز جورج صبرا، أن ذروة الخذلان الأمريكي للشعب السوري وقضيته، كانت عندما مسح الرئيس أوباما خطوطه الحمراء عام 2013 بعد الضربة الكيماوية الكبيرة في غوطة دمشق. وما تلا ذلك من ضوء أخضر سمح للاحتلال الروسي 2015 بتغيير الواقع الميداني على الأرض، وإجراء تغيير ملحوظ في اتجاهات العمل ومحاوره وبنية العاملين فيها. وسمح للسياسة الروسية في التطاول على العملية السياسية وتشويهها في ميدان الأمم المتحدة وفي الميدان السوري نفسه بعد مؤتمر الرياض 2.

وعلى الرغم من الأثر الإيجابي معنوياً وواقعياً الذي أفرزه قانون العقوبات “قيصر” ضد النظام السوري، إلا أن سياسة “الصبر الاستراتيجي” التي اعتمدتها الإدارة الأمريكية، ونقل اهتمامها الأكبر ومحور الجهد الرئيسي لعملها السياسي إلى الشرق الأقصى، أفسح في المجال لتحركات سلبية في الفضاء العربي والإقليمي اتجاه القضية السورية. من محاولة إعادة تأهيل النظام عبر العمل على عودته إلى الجامعة العربية، أو إعادة العلاقات الدبلوماسية معه من قبل بعض الدول العربية. ولأن الموقف الأمريكي والأوروبي عموماً ليس حازماً ولا جازماً بهذا الشأن، يبقى الباب موارباً أمام هذه التحركات.

أما عن إعادة الشرعية للنظام، فليس لأحد أن يفعل ذلك، لأنها سقطت كلياً عبر مجريات الأمور داخل البلاد.

فالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والأمنية في ترديها المستمر والمتصاعد في مناطق سيطرة النظام، لم تبق له أي شرعية ومن أي نوع. وتحركات الجيوش المحتلة والمليشيات المتدخلة والمستقدمة تفضح ذلك. غير أن الملف الإجرامي للنظام صار أكبر وأبشع من أن يتم تجاهله أو تجاوزه كلياً في مؤسسات الدولة الأمريكية المعنية بوضع السياسات وتنفيذها في المنطقة. والنقاشات المستمرة والرسائل المتداولة في لجان العلاقات الخارجية بالكونغرس الأمريكي بمجلسيه حول سياسة الإدارة في الشأن السوري تثبت ذلك. فهي تعرب عن القلق من جهود التطبيع الجارية، وتذكر بـ “قانون قيصر” وضرورة إعادة العمل به “لإرسال رسالة رادعة لنظام الأسد وحلفائه”.

لن تنجح الدول العربية بإعادة تعويم الأسد

أكد جورج صبرا أن الوضع العربي غارق في حالة غير مسبوقة من التبدد والضياع وانعدام الوزن، ويصعب الحديث عن دول فاعلة. فجميع الدول العربية منكبة على مشاكلها الكبيرة والمستعصية. وتبدو المنطقة بكاملها على صفيح ساخن، فمعظم السلطات تواجه شعوبها بالعنف والعجز عن معالجة قضاياها. ونتائج عقود من القمع والتسلط والفساد لم تخرب بنية المجتمعات فحسب، لكنها دمرت بنية الدول ومؤسساتها ووظائفها. والدول العربية تسعى وراء أمنها وأمانها واستقرار الأوضاع فيها من العلاقات الخارجية، ومن الدول غير العربية على وجه الخصوص.

وعلى الرغم من المشاريع المتكررة لإعادة نظام الأسد إلى الجامعة العربية، فمازال الأمر مستبعداً. إذ لم يعدم السوريون بعد صوتاً عربياً مخلصاً ونزيهاً، ينصفهم وينصف ثورتهم. كما برز مؤخراً في الموقف السعودي بمجلس الأمن الدولي. وللأسف لا يجد الباحث عن “دور عربي” مرتكزاً حقيقياً لما يبحث عنه. فالبلاد العربية تجهد لامتياح مصادر القوة وعناصرها من الدول الأخرى في المنطقة. فالوضع العربي في أسوأ أيامه جماعياً وبشكل منفرد.

ماذا عن إصلاح مؤسسات المعارضة وهل تنجح هذه الخطوة؟

مشاريع إصلاح المؤسسات التمثيلية لقوى الثورة والمعارضة ليست جديدة. فجميع رؤساء الائتلاف نادوا بذلك بعد انتخابهم. لكن النتائج بقيت صفرية، ولم يحصل ما يلبي الحاجة. مما جعل نزيف الائتلاف يستمر بخسارته لعدد معتبر من السياسيين والمثقفين ونشطاء الثورة. وفي الوقت نفسه يخسر سمعته بشكل مستمر ومتدرج مع جميع هيئاته ومنظماته، ويفقد ثقة السوريين به نتيجة الأخطاء السياسية الكبيرة التي ارتكبها. وكان من الطبيعي أن ينعكس ذلك بضعف دوره وتراجع الاهتمام به وطنياً وعلى الصعيد الدولي.

انعكس ذلك على الساحة السورية ببروز محاولات عديدة لتشكيل بدائل أو تجمعات موازية، على شكل منظمات ومجالس ومؤتمرات. بعضها واجه الفشل في المهد، وبعضها يستمر بحمولة من الجدية والآمال لا يمكن تجاهلها. وصار الحديث علناً وبالصوت العالي عن حاجة الثورة لحامل سياسي يحمل أهدافها بأمانة، ويحافظ على القرار الوطني المستقل. ويقدم رؤية وطنية للحل السياسي دون تهاون أو تفريط بحقوق الشعب ومندرجات عملية الانتقال السياسي التي رسمتها القرارات الأممية. وعطالة هذه المؤسسات بعد مؤتمر الرياض 2 غذت موضوعياً وعلى أرض الواقع هذه الحاجة، ونقلتها إلى مرحلة الضرورة.

وتأتي تحركات الائتلاف الجديدة وحواراته المفتوحة تحت عنوان “الإصلاح” لتؤكد الحاجة الوطنية من داخل الائتلاف وخارجه لبروز الجديد المنتظر من تصحيح للمسار، وتجديد للعلاقة مع الشعب، وبناء الرؤية الوطنية في مقاربة القضية من جميع جوانبها، والحامل السياسي اللازم والكفوء تلبية لنداء الثورة.

أعتقد أن ندوة الدوحة، التي دعا إليها الدكتور رياض حجاب تأتي في هذا السياق. وهي تستند لجهود العديد من الباحثين ومراكز الأبحاث والدراسات ومنظمات المجتمع المدني إلى جانب المثقفين والسياسيين ونشطاء الثورة في الداخل وعلى امتداد بلدان الاغتراب. وأنا شخصياً من المدعوين والمساهمين في هذه الندوة. وأرى أن مراجعة أوضاعنا كقوى ثورة ومعارضة أكثر من ضروري. ووضع أعمالنا وأحوالنا موضع البحث والنقد والتصويب، بكل نجاحاتها وأخطائها التي ليس لأحد أن يتبرأ منها أفراداً ومؤسسات. وأضع صوتي بين الأصوات المنادية بوجوب بناء حامل سياسي، ينهي حالة التبدد والإحباط، وينال ثقة السوريين، ويعيد حضورهم اللائق وراء قضيتهم على الأرض وفي المحافل الدولية. وهذا يتطلب مشاركة الجميع بالجدية المكافئة لخطورة المحنة السورية المستمرة والمتصاعدة، واللائقة بأحلام السوريين وأهداف ثورتهم. وأرى أن هذه الندوة البحثية محطة بهذا الاتجاه، خاصة إذا نجحت في وضع الأساس العلمي لفهم الواقع، والمطلوب للخروج منه عبر رؤية وطنية ونهج تفاعلي بنّاء، لا يقرب المناكفة والحوار العقيم والاتهامات المتبادلة. وبالأخص إذا نجح المنتدون في رفع توصيات توافقية للعمل والمهام المطلوبة في هذه المرحلة، تفتح الباب أمام استمرار التشاور والحوار لتحقيق المطلوب.

إن المرحلة التاريخية التي افتتحها الربيع العربي، وكانت الثورة السورية إحدى محطاتها الكبرى، لا زالت مستمرة. ولا بد أن نعمل ما علينا أولاً، حتى يحق لنا أن نشير إلى أفعال الآخرين