إسطنبول ــ جابر عمر

تفتح الإعلانات التي تلت الاتصال الهاتفي الذي جمع بين الرئيسين الأميركي والتركي، دونالد ترامب ورجب طيب أردوغان، مساء الأحد، مجالاً واسعاً لتقديرات تفيد بأن تحميل تركيا في سورية أدواراً كبيرة تتجاوز ما كان متفقاً عليه في إطار مسار آستانة، ربما يؤدي إلى اشتباك سياسي بالحد الأدنى، وعسكري بالحد الأقصى، مع شريكيها في الملف السوري، إيران وروسيا، بعدما اتفقت أنقرة وموسكو وطهران على تعايش سلس في سورية نتيجة السلوك الأميركي إزاء تركيا خصوصاً. وتكليف تركيا بمهمة “منع حصول فراغ”، بحسب ما أعلن من قبل الأوساط الأميركية والتركية بعد اتصال ترامب ــ أردوغان، هو حمال أوجه وقد يفهم منه بشكل رئيسي قطع طريق ملء إيران للفراغ الأميركي المقبل، وهو ربما يرجح الافتراق الحقيقي بين البلدين الجارين. والأوضح من ذلك ربما، هي عبارة تكليف تركيا بمهمة القضاء على ما تبقى من أوكار تنظيم “داعش”، مع أن المناطق المقصودة لهذه “الأوكار” تقع بعيداً جداً عن مناطق النفوذ التركية في سورية، تحديداً في أقصى شرق سورية، قرب الحدود مع العراق، على بعد مئات الكيلومترات من الحدود التركية مع سورية. وهذه “الأوكار” تقع بالقرب من مناطق انتشار قوات إيرانية وروسية ومليشيات تدور في فلك طهران، مثل حزب الله اللبناني. فأن يتفق ترامب وأردوغان، في الاتصال الهاتفي إياه يوم الأحد، على تولي أنقرة مهمة “إكمال المعركة” ضد داعش في هذه المناطق، فإنما ذلك ربما يوحي بتعظيم دور تركيا في سورية على حساب الطرفين الآخرين في مسار آستانة، وهو ما قد لا يمر بسهولة بالنسبة لحكام موسكو وطهران.

ومنذ نحو 6 أشهر تقريباً، كانت العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا في أسوأ أيامها، على خلفية سجن أنقرة للقس الأميركي أندرو برانسون، وفشل الإفراج عنه، وما استتبعه من عقوبات أميركية قاسية، دفعت إلى تدهور الليرة التركية بشكل ملحوظ. لاحقاً اتفق البلدان، وأُطلق سراح برانسون، قبل أن تشهد العلاقات المشتركة تطوراً ملحوظاً. هذا التطور برز مع الإعلان الأميركي المفاجئ عن الانسحاب من سورية، والتنسيق مع تركيا من أجل ملء الفراغ، وترك مسألة القضاء على “داعش” بعهدة أنقرة، في وقت أعلنت فيه تركيا استعدادها للعملية العسكرية في شرق الفرات.

وخلال الاتصال بين أردوغان وترامب، مساء الأحد، جرى التأكيد على التنسيق لعدم “حصول فراغ” نتيجة الانسحاب الأميركي. ووُصف الاتصال من قبل ترامب بأنه “بنّاء”، في وقت يعيش فيه العالم صدمة القرار الأميركي بالانسحاب من جهة، ومحاولة اللاعبين الآخرين على الساحة، أي إيران وروسيا، العمل على خطط أخرى للسيطرة على مزيد من المساحات الجغرافية.

واعتبرت مصادر تركية كانت تراقب الخطوة الأميركية، أن “الدافع الأميركي الأبرز وراء هذه الخطوة، هو تجنّب المواجهة مع الجانب التركي، عقب عمليتي درع الفرات وغصن الزيتون، والتهديد الحالي بعمل عسكري في شرق الفرات. وعلى الرغم من أن أي عملية عسكرية تستغرق ربما أشهراً للبدء بها نتيجة التحضيرات، إلا أن أنقرة أتمت استعداداتها الاستخبارية وجمع الأخبار اللازمة عنها ووضعت خططها”.

وأوضحت المصادر لـ”العربي الجديد”، أن “السياسات الأميركية السابقة ساهمت بابتعاد الحليف التركي باتجاه روسيا، وفشل جميع محاولات ردعه، لأن تركيا اليوم مختلفة عن تركيا قبل عقد من الآن، خصوصاً بعد النجاح في عملية عفرين (مطلع العام الحالي)، في مقابل تركة أميركية ثقيلة في عمليات القضاء على داعش بتدمير مدن كاملة، فضلاً عن رغبة ترامب السابقة بالانسحاب من سورية”.

من جهته، ذكر مصدر تركي مطلع لـ”العربي الجديد”، أن “أميركا عهدت لتركيا تمثيل الموقف الأميركي في شرق الفرات. وباسم المجموعة الغربية، سمحت أميركا لتركيا بتقوية مواقفها الميدانية في مواجهة الدب الروسي، تحديداً في الملفات المتعلقة باللجنة الدستورية وإعادة الإعمار”.

وأضاف المصدر أن “زيادة الوجود التركي في الميدان تساهم في وضع أفضل على التفاوض مع روسيا من جهة، وتبعدها عنها من جهة أخرى، مع احتمال حصول مواجهة بينهما، فإن تعزز الموقف التركي، فإنه على الأقل طرف مضمون في موضوع إعادة الإعمار، وهو ما بدا في مناطق عملياتها السابقة”، كما أنه في حال نجحت تركيا بالفعل في القضاء على ما تبقى من “داعش”، ومواجهة طهران وموسكو في موضوع اللجنة الدستورية والحل السياسي، فإن المرحلة المقبلة ستكون مرحلة دخول خطط إعادة الإعمار حيز التنفيذ، بحسب ما يفهم من أجواء مسؤولين أتراك فضلوا إبقاء هوياتهم غير معلنة نظراً لحساسية الملف.
مصدر مطلع آخر، ربط أيضاً الموقف الأميركي بعدم حاجته للمواجهة مع تركيا، وكسبها كحليف، ولكنه أكد أن “الثمن حتى الآن غير معلوم ولكنه كبير جداً، ويتجاوز حدود الصفقة مثلاً حول مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي، وإغلاق ملف اتهام القيادة السعودية”.

وحول مآلات الوضع الميداني، ذكرت المصادر التركية لـ”العربي الجديد”، أن “تركيا تواصل استعداداتها للعملية العسكرية في شرق الفرات من تل أبيض إلى منبج وربما إلى عين العرب والقامشلي كما هو مخطط لها، وفي الوقت نفسه تنتظر خطوات تطبيقية لمعرفة آليات انسحاب الجيش الأميركي، وهل ستكون استلاماً وتسليماً لبعض المواقع، أم أنها ستكون عبارة عن عملية عسكرية ومواجهة شاملة، في ظل مخاطر من قبل وحدات حماية الشعب الكردية، بتسليم مواقع للنظام من أجل التفرغ لمواجهة القوات التركية؟”.

العربي الجديد