بهدف استمالة الشباب للنظام وضرب النسيج الاجتماعي… المخدرات علـى «بسـطات» الغوطة الشرقية
هبة محمد – وكالات

عواصم – «القدس العربي»: تعيش غوطة دمشق الشرقية، وفق ما أكدته مصادر أهلية لـ «القدس العربي»: حالة من الفلتان الأمني المتعمد من قبل مخابرات النظام السوري، الذي بدأ وفق المصادر، بمشاريع لتحسين صورته أمام الحاضنة الشعبية للثورة السورية، والتي باتت وحيدة وضعيفة عقب خروج التشكيلات العسكرية للمعارضة، نحو الشمال السوري.
وتأكيداً لاستراتيجية النظام في ضرب النسيج الاجتماعي وهدم كل أشكال المعارضة له كشف تقرير حقوقي مرفق بصور الأقمار الصناعية عن «عمليات التدمير الممنهج» التي قام بها نظام الأسد وحلفاؤه في سوريا، مبيّناً أن ذلك أدى إلى مسح بعض المدن والبلدات من الوجود وتهجير سكانها قسراً. ولفتت الشبكة السورية لحقوق الإنسان في تقرير صدر عنها، الخميس، إلى أن حجم المنازل المدمرة في سوريا بلغ 3 ملايين مسكن، مؤكدة أن 90 في المائة منها على يد قوات نظام الأسد وحليفه الروسي، وأن 70 في المائة من إجمالي الدمار الحاصل، هو مسؤولية سلاح الجو الذي لا يملكه سوى النظام وروسيا.
أبو صالح – اسم مستعار لأحد ابناء الغوطة الشرقية – أكد، أن الأفرع الأمنية للأسد، سمحت للأهالي بإدخال كل ما يرغبون به من المواد الغذائية والفاكهة، بدون أي تفتيش أمني على الحواجز أو أي مضايقات.
وأشار المصدر، إلى أن هذه التسهيلات واكبتها، كمائن متزامنة نصبتها تلك الأفرع الأمنية للأهالي، حيث غيبت قواتها الأمنية والعسكرية عن الأحياء السكنية في الغوطة الشرقية بشكل متعمد، ولكنها في الوقت ذاته، بدأت بضخ مئات الصناديق من المشروبات الروحية، والحبوب المخدرة، والحشيش المخدر، بشكل علني عبر أزلامها، والذين بدأوا بنشر تلك المواد بأسعار رخيصة وعلى مرأى ومسمع الجميع. في حين قال «صهيب»، وهو أحد أبناء غوطة دمشق المطلعين على خفايا الأمور فيها: أن المخابرات العسكرية للأسد، بدأت بإحصاء اسماء العائلات والأفراد الذين خرجوا نحو الشمال السوري، سواء كانوا من المدنيين- حتى النساء، أو من منتسبي فصائل المعارضة.
وأشار، إلى أن هذه الخطوة، قد تكون لإرهاب الموجودين في الغوطة حالياً، وكغوطة لاحقة لمصادرة أملاك الاسماء التي أحصتها المخابرات، عبر أزلامها الذين ينشطون في قطاعات الغوطة، إبان سيطرة المعارضة عليها.
وقال صهيب: النظام السوري، قام بتجنيد شخصيات «غير أخلاقية – عميلة» داخل الغوطة الشرقية، وقام بمد تلك المجموعات بالأموال، والمواد المخدرة، وقدم لهم تسهيلات لا توصف، فيما يخص إدخال المشروبات الروحية، والتي كانت معدومة في الغوطة منذ سنوات، إلا عبر طرق التهريب. واعتبر المصدر، أن ما يقدمه النظام من تسهيلات وهالة لتلك المجموعات، يكمن بجعلها صاحبة الكلمة العليا في الغوطة، وخاصة بأن أفرادها-اشبه بقطاع الطرق، وهذا هدفه واضح بأن إرهاب الأهالي وزرع الرعب في قلوبهم هو المطلوب. والهدف الثاني هو تحويل تلك المجموعات إلى «شعب تجنيد»، تقوم بتجنيد ابناء الغوطة الشرقية، ضمن قوات النظام مقابل 150 دولاراً أمريكياً، وأكد «صهيب»، أن عشرات الشبان على أقل تقدير انخرطوا مؤخراً ضمن قوات النظام السوري أو الميليشيات الموالية له.
مخدرات على البسطات

وأجمعت المصادر كافة الذين تواصلت معهم «القدس العربي»، على أن الحشيش والمواد المخدرة، والمشروبات الروحية، باتت تباع عبر «بسطات الطرق»، والتي عادةً تستخدم لبيع بعض الخضار، أو الخبز، أو المحروقات. ولكنها اليوم، باتت وسيلة لبيع تلك المواد، والتجول بين الأحياء السكنية، تحت رعاية وكنف النظام السوري وقواته.
وكانت قد اعتقلت قوات النظام، منذ سيطرتها على الغوطة في شهر نيسان/ أبريل الماضي. عشرات الشبان المدنيين فور دخولها المدن والبلدات في الغوطة الشرقية في الأسابيع القليلة الفائتة، وسط انتشار عمليات السرقة خاصة لمجوهرات النساء.
المعارض السوري، والمهجر نحو الشمال يوسف البساتي، قال لـ «القدس العربي»: النظام السوري، قبل دخوله إلى الغوطة الشرقية، عقب الاتفاق الأخير، كان يقوم عبر التجار الموالين له، بإدخال كميات كبيرة من المواد المخدرة والحشيش إلى الأحياء السكنية.
وأشار، إلى أن كل من كان يتعامل مع النظام من داخل الغوطة، إبان حصارها، كان يقوم بتجارة المخدرات والحشيش، وبعد سيطرة النظام على المنطقة، استمر ذلك التعاون بين الجانبين، علماً أن هذه المواد بما فيها المشروبات الروحية كانت غير منتشرة في الغوطة قبل الثورة السورية.
استمالة الشباب

بعد السيطرة الأخيرة لقوات النظام على الغوطة، قام بتجنيد أعداد كبيرة من الشبان ضمن صفوف قواته، ورأى البستاني، أن اتباع مثل هذه السياسة، الهدف منها استمالة أكبر عدد من الشباب، والسيطرة على هذه الفئات العمرية، عبر دفعهم للانحراف بداية، ومن ثم تجنيدهم ثانياً. وفق «البستاني»، فإن رأس الفساد، والذراع الأكبر للأسد في مدينة دوما، هو طارق غنوم، وهو مقرب جداً من النظام، ويمده الأخير بكميات كبيرة من المخدرات وتوابعها، بالإضافة إلى المال، والدعم اللوجستي، والوظيفة التي يقوم بهاد «غنوم» هي تطويع الشباب في مدينة دوما، ضمن قوات النظام، وتقديم المغريات المالية والمشروبات لهم.
في حين، ذكرت بعض المصادر، أن النظام السوري يقوم بتقديم مبلغ 90 ألف ليرة سورية – 150 دولاراً أمريكياً لكل شاب في الغوطة يقوم بالتطوع ضمن قواته النظامية أو ضمن الميليشيات الموالية له.
وأشارت مصادر معارضة إلى النظام، يسعى حالياً لتشكيل ميليشيا محلية، قوامها من أهالي مدينة دوما، وذلك بعد طمأنتهم بعد الزج بهم بمعارك خارج أسوار العاصمة، ونوهت إلى أن النظام نجح بتجيد المئات من أهالي الغوطة الشرقية ضمن صفوفه.
مصدر مسؤول، قال لـ «القدس العربي»: السياسة التي ينتهجها النظام السوري اليوم في الغوطة الشرقية، لا تقل «إجراماً» عن الحرب العسكرية، والحصار، والكيميائي، الذي اتبعهم الأسد من قبل. وأن هذه السياسة، هدفها واحد، وهو طمس قيم الغوطة وعاداتها، وتدمير نسيجها الاجتماعي المحافظ، بشكل لا يسمح لها بالعودة إليه لعقود طويلة.
والدور الروسي لم يكن أقل شأناً في ذلك فقد أشار التقرير الحقوقي المرفق بصور الأقمار الصناعية الذي جاء تحت عنون «صور أقمار صناعية تُثبت أنَّ الهجمات الروسية مسحت بلدات في الغوطة الشرقية من الوجود»، إلى تعمد نظام الأسد ومن ثم روسيا لاحقاً في قصف وتدمير أكبر قدر ممكن من المساكن، خاصة المنشآت الحيوية، بهدف إيصال رسالة للمناطق، التي تفكر بالخروج عن سيطرة النظام بأن مصيرها التدمير والتخريب، ولن يحميها أحد، سواء الأمم المتحدة أو مجلس الأمن. وأظهرت الشبكة من خلال تحليل الاستراتيجية التي اتبعتها قوات نظام الأسد وروسيا والميليشيات الإيرانية الإرهابية، أن التَّدمير قد استخدم على نحو واسع بهدف إنهاء وتحطيم كل أشكال المعارضة للحكم وتهشيم المجتمع بشكل كامل، كأداة تخطيط للحرب ضدَّ كل من خرج ضدَّه.
وأوضحت الشبكة في تقريرها أن حملة القصف الأخيرة على الغوطة الشرقية، نفَّذتها روسيا بشكل أساسي بقواتها الجوية والمدفعية ونظام الأسد وإيران تالياً، تسببت باستشهاد نحو 1850 مدنياً، حيث تركزت 85 في المائة من عمليات القصف على مناطق سكنية بعيدة عن خط المواجهة.
وقال التقرير إن حملة القصف الكثيف والوحشي التي بدأت في شباط المنصرم على الغوطة الشرقية لا تشابه أياً مما حصل منذ اندلاع الثورة السورية في آذار/ 2011، بما في ذلك الهجمات الوحشية على أحياء حلب الشرقية نهاية عام 2016. وأكد أنَّ نظام الأسد قد تعمَّد تدمير المساكن بداية في مدينة حمص، وتمدَّد إلى جميع المناطق التي ثارت ضدَّه؛ بهدف تشريد سكانها قسرياً بعد أن فقدوا مساكنهم، أو مقرات أعمالهم، ما يعني عملياً إنهاء أية مقاومة ضدَّه، وإن كان ذلك على حساب تدمير البنية التحتية والمراكز الحيوية والمساكن.