أطفال من دوما بريف دمشق يلهون على ما تبقى من أرجوحة وسط دمار الأبنية من حولهم (رويترز)

لندن: «الشرق الأوسط»
وجد مشروع بحثي كبير أجرته منظمة دولية، أدلة واسعة الانتشار عن «الضغط النفسي السامّ» ومسائل الصحّة النفسية بين الأطفال داخل سوريا، فيما يحذر الخبراء من أنّ الضرر النفسي قد يكونُ من المستحيل إلغاء آثاره.
وأجرت المنظَّمة وشركاؤها السوريون مقابلات مع أكثر من 450 طفلاً، ومراهقاً، وراشداً عبر سبع محافظات في سوريا، في إطار تقريرها «الجروح الخفية»، وهي أكبر دراسة من نوعها أجريت في خلال مسار النزاع. ووجدت أنَّ الكثيرَ من الأطفال يعيشون في حالةٍ من الخوف شبه الدائم، ويعانون الهلع من جرَّاء القصف، والغارات الجوية، والعنف المستمرّ، مع ما يترتّب عن ذلك من عواقب نفسية وخيمة.
وأشار خبراء الصحّة النفسية الذين تمّت استشارتهم من أجل إعداد هذا التقرير إلى أنَّه أظهر أنَّ الأطفال يعانون وضعاً يُسمَّى «الضغط النفسي السامّ»، وقد يحصل عندما يختبر الأطفال محنةً قوية، أو متكرّرة، أو ممتدّة، مثل العنف الشديد الذي يحدث في النزاع السوري. والاستجابة المستمرّة للضغط النفسي السامّ قد تؤثّر تأثيراً يدومُ مدى الحياة على صحّة الأطفال النفسية والجسدية.
كشفت الأبحاث كيف أدَّت الحرب إلى تدمير الطفولة. فقد قال نحو نصف الأطفال الذين جرت مقابلتهم إنّهم لا يشعرون بالأمان في المدرسة أو عندما يلعبون في الخارج. وفي المقابلات ومجموعات التركيز، تبيّن أنّ 78 في المائة من الأطفال يشعرون بالأسى والحزن الشديد في بعض الأحيان أو في جميع الأوقات، كما قال جميعُ الراشدين تقريباً إنَّ الأطفال صاروا أكثر توتّراً أو خوفاً مع استمرار الحرب.
وتُظهر النتائج التي توصلت لها (مؤسّسة إنقاذ الطفل Save the Children)، أنَّ 84 في المائة من الراشدين وجميع الأطفال تقريباً يعتقدون أنَّ التفجير والقصف المتواصل، هما السبب الأول للضغط النفسي في حياة الأطفال اليومية.
وقال 50 في المائة من الأطفال إنَّهم لا يشعرون قطعاً بالأمان في المدرسة أو نادراً ما يشعرون به، ويقولُ 40 في المائة إنّهم لا يشعرون بالأمان عندما يلعبون في الخارج، حتّى خارج منزلهم مباشرةً.
وقال 89 في المائة من الراشدين إنّ سلوك الأطفال صار مشحوناً أكثر بالخوف والتوتّر مع استمرار الحرب. وأشار 71 في المائة إنّ الأطفال يعانون بشكلٍ متزايد من التبوّل المتكرّر في أثناء النوم ومن التبوّل اللاإرادي.
ويقول الخبراء التربويون: «إننا نبلغ نقطة الأزمة؛ فإذا لم تنتهِ الحرب قريباً ولم يتلقّ الأطفال الدعم النفسي الذي يحتاجون إليه، سيكونُ من الأصعب معالجة الضرر عندما يبلغون سنَّ الرشد».
محمد، عامل إغاثة مع «شفق» شريكة مؤسّسة إنقاذ الطفل في إدلب: «أتحدّث معكم من منطقة قد يموتُ فيها الناس في أي لحظة، وانعدام الأمان والأمن هذا يؤدّي إلى كثير من المشكلات النفسية لدى الأطفال. فنحن نلاحظ أنّهم مصابون بالضغط النفسي دائماً ويرتعدون لدى سماع أي صوت غير مألوف، إذا تحرّك كرسي أو أغلِقَ الباب بقوّة، وذلك بسبب خوفهم من صوت الطائرات والقذائف. ينعزلُ الأطفال بشكلٍ متزايد ولا يحبّون المشاركة في نشاطاتنا، ونرى لدى الأطفال الصغار الكثير من حالات التبوّل اللاإرادي».
ألكسندرا شين، أخصائية في حماية الطفل والصحّة النفسية في جامعة هارفارد، تقول: «صحيحٌ أنَّ الأطفال قادرون على التكيّف، إلا أن التعرّض المتكرّر للأحداث الصدمية الشديدة التي يختبرها الكثيرُ من الأطفال السوريين يضعهم في خطر كبير يتمثّل في العيش في حالةٍ من الضغط النفسي السامّ».
وتابعت أنه من المرجّح أن يؤثّر ذلك تأثيراً مدمّراً يدومُ مدى الحياة على الصحّة النفسية والجسدية لهؤلاء الأطفال، فيعيق نمو الدماغ وأعضاء أخرى، ويزيد من خطر أمراض القلب، وتعاطي مواد الإدمان، والاكتئاب، وغيره من اضطرابات الصحّة النفسية في سنّ الرشد.
وبما أنّ الراشدين أنفسهم يعانون الضغط النفسي الشديد ويجاهدون للتأقلم، فقد قال طفلٌ واحد من أصل كلّ أربعة أطفال جرت مقابلتهم، إنّهم نادراً ما يجدون أو لا يجدون أبداً مكاناً يقصدونه أو شخصاً يتكلّمون معه عندما يخافون، أو يحزنون، أو ينزعجون.
وقد فرَّ من البلد عددٌ كبيرٌ من الأطباء والأخصائيين، وبسبب التفجيرات اللامتناهية والعوائق التي تعترض عمّال الإغاثة وتمنعهم من الوصول إلى أكثر المناطق تضرّراً، يتوفّرُ القليل من خدمات الصحّة النفسية الرسمية. وفي حال وُجِدَت، غالباً ما يمتنع الناس من الوصول إليها بسبب الوصمة الاجتماعية.
ويختم التقرير بأن الطريقة الوحيدة للبدء بإبطال الضرر اللاحق بالأطفال، تتمثّل في وضع حدٍّ للسبب الجذري لضيقهم، أي العنف المستمرّ في سوريا، لا سيَّما الغارات الجوية والقصف اللذين برزا بقوّة في التقرير باعتبارهما السبب الرئيسي لمسائل الصحّة النفسية لدى الطفل.