بيان من إعلان دمشق 

                                     في الذكرى الحادية عشرة للثورة السورية

   في الثامن عشر من آذار تطوي ثورة الشعب السوري العظيمة عامها الحادي عشر، وتدخل آخر وهي مازالت عند أهدافها في الحرية والكرامة، التي حالت دون تحقيقها حتى الآن إرادة دولية ظالمة، على الرغم من كم التضحيات الهائلة، التي قدمها الشعب السوري في مواجهة النظام وحلفائه، الذين ساهموا وغيرهم من الدول المتدخلة في إطالة أمد الصراع وفي توسع وتقوية الثورة المضادة، التي لا تقل عداوة للثورة من النظام وحلفائه.

   منذ اتفاقات خفض التصعيد غلبت حالة من الإهمال المتعمد للملف السوري، ترافقت مع وقائع وتطورات أحاطت وتحيط بالملف السوري، تتعلق بتوجهات الدول المتدخلة وتضارب أجنداتها عند هذه العتبة من الصراع، ولعل الوقوف على الخطوط العامة لهذه المواقف قد يقدم بعض الاحتمالات حول مستقبل التطورات، وإلى أي مدى ووفق أية شروط وآليات، يمكن لقوى الثورة التعامل معها، بما يسمح للشعب السوري وتطلعاته بالحضور والتأثير في معادلات الصراع، وعملية التغيير المنشود عند اشتغال الحل السياسي.

1-الولايات المتحدة الأميركية 

   لقد كانت ومازالت أكثر المتدخلين في الملف السوري وأشدهم أهمية، فقد حدد رئيسها الأسبق لحكمة يلفها الغموض ” أن لا حسم عسكريًا للصراع، وأن هذا الصراع سوف يستمر عشر سنوات”، ورسم خطوطًا حمراء ثم محاها، كما غض الطرف عن تدخل إيران وميليشياتها وكذلك تدخل روسيا، وما خلفاه من قتل وتدمير وتهجير، الأمر الذي أمد في زمن الصراع، ورفع بشكل هائل من كلفته البشرية والمادية على الشعب السوري.

    منذ العام 2016 وسقوط حلب يتحدد الموقف الأميركي -حتى في عهد الادارتين الأخيرتين – في منع الحل الروسي، وفي الوقت ذاته لم تعمل الولايات المتحدة على تفعيل الحل السياسي، الذي حددت إطاره القرارات الأممية وآخرها القرار2254 لعام 2015، مما ترك العملية السياسية في حالة مراوحة ما بين سلال ديمستورا ودستورية بيدرسون، حتى أن إدارة بايدن ركنت الملف كليًا، وربطته بذيل الملف النووي الإيراني، وركزت جل اهتمامها في هذه المرحلة بالبعد الإغاثي للصراع الذي حولته إلى مشكلة معابر، مما يُمَكن من الاستنتاج أن الولايات المتحدة تريد إغراق الروس وتعميق مأزقهم في سورية.

    في هذه المرحلة وبعد الغزو الروسي لأكرانيا، يحضر السؤال هل ستغير أميركا من مواجهتها للروس في سورية مما يُعجل بالحل السياسي؟ أم بالعكس يمكن أن تجدد من دعمها للمعارضة المسلحة السورية في مواجهة الوجود الروسي، بما يزيد من تكلفة هذا الوجود؟ ولعل الأجوبة سيحددها تطور الصراع في أوكرانيا في الأمد المنظور.

 2-روسيا 

      لقد وقفت روسيا منذ اندلاع الثورة السورية إلى جانب النظام واستعملت حق الفيتو أربعة عشرة مرة في مجلس الأمن، لمنع إدانة النظام أو معاقبته، ثم تدخلت عسكريًا أيلول 2015 عندما أوشك النظام على السقوط، لكنها فشلت حتى الآن في تثمير نصرها العسكري سياسيًا، وفرض حلها الذي يتكثف جوهريًا بتثبيت النظام مع بعض التعديلات الشكلية.

     طالما استعجلت روسيا الحل السياسي وفق رؤيتها، حتى لا يزداد مأزقها في سورية، كما حاولت وعرضت مقايضة نصرها في ملفات كثيرة لها عالقة مع الغرب، لكن الولايات المتحدة رفضت ربط الملفات وفتح باب المساومات، ثم جاء الغزو الروسي لأوكرانيا، ليقطع الطريق على هكذا احتمال، وهو ما سينعكس على الملف السوري مرحليًا، إلا إذا قررت الولايات المتحدة وحلفاؤها توسيع المواجهة مع الروس في سورية، وهذا غير مستبعد.

   ما يشغل روسيا ليس عجزها عن تثمير نصرها العسكري بمنجز سياسي وحسب، بل يشغلها بقدر كبير الحفاظ على ما تحصلت عليه من عوائد اقتصادية وعسكرية، ذلك أن كل هذه الاتفاقات التي فرضتها كقوة احتلال، لن تصمد إذا انقلب الدور الروسي أو رحل النظام.

3-إيران 

     تعتبر من أول المتدخلين وأسوأهم وأشدهم خطرًا، فقد زجت بأكثر من ثمانين ميليشيا طائفية للقتال إلى جانب النظام، عدا عن تسعيرها حملة التشييع في المجتمع السوري، وإعطائها بعدًا مذهبيًا للصراع، إضافة إلى محاولاتها إحداث تغيير ديموغرافي في بعض المناطق حول دمشق وفي ريفها المحاذي للبنان، وفي منطقة البو كمال، ولعل أسوأ ما تفعله إيران هو تشكيل وتدريب وتسليح ميليشيات محلية، في سحب لتجربة حزب الله او الحشد الشعبي في لبنان و العراق،  وهذه سوف تكون بمثابة قنابل موقوته تعيق  الوصول إلى حل، وتحول دون استقرار الوضع في سورية مستقبلًا، وتخدم الأجندة الإيرانية في حال اضطرت للانسحاب من سورية,

     في هذه المرحلة يواجه المشروع التوسعي الإيراني في المنطقة مستجدين قد يغيران من اندفاعته، في كل الدول التي يعمل على الاستيلاء عليها ومنها سورية، فهناك وضع ذو معنى نشأ في العراق بعد ثورة العام2019 المناهضة للهيمنة الإيرانية وتوابعها الميليشياوية، وتكمن أهميته بأن رافعته الاجتماعية هي من المكون الشيعي، الذي كانت تعتمد وتراهن عليه إيران في تثبيت هيمنتها، ذات الأمر تواجهه الهيمنة الإيرانية في لبنان وإن بدرجة أقل، وكذلك القصف الإسرائيلي المتواصل لمنع التمركز العسكري الإيراني في سورية، وبناءً على ذلك يمكن توقع تراجع الوضع الإيراني وتطلعاته التوسعية في المنطقة، بخاصة وأن العقوبات الاقتصادية قد أنهكت الاقتصاد الإيراني.

    هذا لا يعني أبدًا أن إيران ستتراجع ببساطة، بخاصة وأنها تحملت تكاليف مادية وبشرية لا يستهان بها، وسوف تحاول مقاومة عمليات كف يدها عن دول المنطقة، وقد تكون نتائج مفاوضات فيينا حول ملفها النووي مؤشرًا في هذا الاتجاه، كما أن إيران باتت نموذجًا منبوذًا في الدول العربية، والكثير من دول العالم، فالنظام الإيراني الذي يقمع شعبه في الداخل، ويقهر شتى القوميات الموجودة في إيران، لا يمكن أن يشكل نموذجًا للاحتذاء والقبول.

4-تركيا

   لقد قدمت تركيا تعاطفًا إنسانيًا كبيرًا بداية التهجير القسري، الذي فرضته حرب النظام على السوريين، لكنها وبعد أن ظهر حزب الاتحاد الديموقراطي pyd، الذي تعتبره ذراعًا لحزب العمال الكردستناني التركيpkk  وبدعوى أنه يشكل خطرًا على الأمن القومي التركي، فإنها وبعد ثلاث حملات عسكرية، لم تكن ممكنة دون تنسيق مع الروس، احتلت تركيا بشكل متقطع ثلثي الحدود السورية التركية بعمق حتى 30 كم، ثم ومع تطور الصراع وانكفاء بعض الدول الداعمة للثورة السورية ، فإن تركيا وضعت يدها على قرار المعارضة التمثيلية وكذلك الفصائل المسلحة، وهذا ليس في مصلحة تركيا المستقبلية، كما أنه يسي إلى المعارضة ويضعفها، فالسوريون مع امتنانهم لما قدمته تركيا للاجئين السوريين، فإنهم لا يطيقون الاستتباع، ويتطلعون إلى علاقات حسن جوار متوازنة ومصالح متبادلة مع تركيا.

   5-النظام

       يجهد النظام في الإيحاء لمواليه بأنه انتصر في حربه على الشعب السوري، لكن واقع الحال يكشف كل يوم أن من انتصر، إن كان هناك من نصر عسكري، فهم الروس والإيرانيون، وقد رهن لهم النظام سورية كاملة، ولن يتمكن من الاستمرار بدونهما، ومن جهة أخرى ليس هناك من رفع الراية البيضاء من قوى الثورة حتى الآن، وأن مآلات الصراع مازالت مفتوحة، كما أن الوضع الاقتصادي في حالة تراجع شديد تهدد بانهياره بأية لحظة،  كما يُعتقد أن كل محاولات الروس ومعهم بعض الأنظمة العربية إعادة تأهيل النظام، قد باءت بالفشل وليس لها من حظوظ بالنجاح، ، ولا يعتقد أن العالم  سوف يعيد تأهيل نظام ارتكب هذا الكم من الفظائع بحق شعبه الذي طالب بالحرية والكرامة.

    6-قوى الثورة والمعارضة

      يكثر الحديث في هذه المرحلة عن فشل المؤسسات التمثيلية للمعارضة السورية، ودعوتها للاستقالة وتشكيل بدائل لها، وذات الانتقادات تطال الفصائل المسلحة، ولا شك أن في هذه الانتقادات بعض الوجاهة، ولهذا أسبابه غير المحصورة في القصور الذاتي للمعارضة في تجربة الأداء وهو موجود، لكنه لا يكفي لتفسير قصور الأداء، فهناك إرادة دولية، عملت على رهن قرار المعارضة المستقل بشكل تدريجي لصالح الدول الداعمة، وكبلوها بالنصائح الضارة، كقبول المشاركة في أستانا وسوتشي واتفاقات خفض التصعيد وغيرها، ومن جهة أخرى فإن تشكيل بديل عند هذه العتبة من الصراع، يبدو صعبًا والوضع الدولي لا يساعد على مثل هذه الخطوة، يضاف له فقدان الثقة بين أطراف المعارضة، وقد فشلت أكثر من محاولة في هذا السياق، لذلك لا يبدو من فرصة أمام هذه المعارضة، سوى التعويل على إصلاح وضعها الداخلي، وترك الأنانيات الحزبية أو الشخصية، ريثما يحصل تغيير في معادلات الصراع ،عله يتيح مجالًا أمامها لاستعادة قرارها، والاستفادة من تجربتها الماضية.

المجد والرحمة لأرواح الشهداء

وعاشت سورية حرة وديموقراطية

دمشق في 18/3/2022

                                                                                         الأمانة العامة 

                                                                             لإعلان دمشق للتغيير الوطني الديموقراطي