اعلان دمشق

بات السوريون على قناعة تامة، بأن ثورتهم نمط جديد ومتفرد من الثورات. ثورة عفوية خرجت فيها ملايين الناس مطالبة بالحرية والكرامة في مواجهة نظام مستبدٍ. وقدمت فيها مئات ألوف الضحايا، ودمرت مدنٌ عامرة بكاملها، وهجر نصف الشعب السوري.  لكنها تحولت إلى صراع إقليمي ودولي في سورية وعليها، بفعل النظام الذي استجلب قوىً إقليمية ودولية وميليشيات أجنبية من كل حدب وصوب من أجل القضاء عليها واستمرار تسلطه. ومع ذلك مازالت مستمرة، لم يثن هذا الشعب عن هدفه القصف الروسي الهمجي، ولا القتل الذي مارسته إيران وأذرعها، ولا الخذلان الذي لاقاه ممن ادعوا صداقة الشعب السوري.

اليوم ومع اقتراب نهاية السنة السابعة للثورة، التي تترافق مع نهاية الحرب على الإرهاب وهزيمة داعش في العراق وسورية، تتكثف التحركات الدولية والإقليمية للدول المتدخلة بالصراع في محاولة من كل طرف لتثبيت حضوره ومصالحه على طاولة التفاوض المرتقبة لإنهاء الصراع. فالروس بصفتهم أحد المتدخلين الرئيسيين، طالما حاولوا ترجمة النصر العسكري الذي أحرزوه في حلب نهاية العام 2016 بالتوافق مع الأتراك، إلى منجز سياسي دون نجاح يعتد به. فمسار أستانة الذي اشتقوه، بالتعاون مع تركيا ثم ضمت إليه إيران، وأعلن عن أربع مناطق لخفض التصعيد، لم تشهد تخفيضًا ذا معنى منها سوى منطقة الجنوب لأن أميركا والأردن شركاء فيها، في حين أن بقية المناطق التي تعتبر إيران طرفًا ضامنًا فيها ولا تريد وقفًا ولا تخفيضًا في العنف، بل تسعى هي والنظام لإحراز نصر عسكري ساحق طالما كانت بعيدة عنه قبل التدخل الروسي. الأمر ذاته يكاد ينطبق على الهدن والمصالحات التي أنجزتها روسيا تحت ضغط الحصار والتجويع القاتل. فليس من الضروري أن تثبت وهي رهن بتطورات الأوضاع السياسية والميدانية، إلا أن آخر ما تفتقت عنه التحركات الروسية مؤتمر الشعوب السورية في سوتشي الروسية، وعلى قدر ما اختزنت هذه التسمية من احتقار المحتل الروسي للشعب السوري، بقدر ما نال هذا المؤتمر من فشل قبل أن يبدأ، ليس بسبب التسرع وقصور التحضير كما برر مسؤولوها، بل يتعلق بجوهر التحرك الروسي، الذي ما برح يحاول الالتفاف على القرارات الدولية ذات الصلة وأهمها بيان جنيف1، وتجاوز جوهر هذه القرارات ألا وهو مطلب الانتقال السياسي، وضمان استمرار الأسد  وتجاوز الجرائم المرتكبة من خلال اصطناع همروجة ، يحضرها مئات من السوريين الذين يوافقون الروس على رؤيتهم للحل، ثم يضعونها أمام العالم، وكأن الصراعات الدولية ذات البعد الاستراتيجي، يمكن أن تؤخذ بالمناورات وتجاهل حقائق الواقع. في حين أن الولايات المتحدة أعادت التأكيد على أن مسار جنيف الأممي هو المسار الذي تدعمه. ذات الرأي صدر عن المبعوث الأممي ديمستورا مما يشير إلى أن دعوة الروس لمؤتمر سوتشي، كان محاولة للخروج من المأزق الذي وجدوا أنفسهم فيه، ولا يجدون شريكًا دوليًا ينجز معهم حلًا لهذا الصراع.

لقد لعب رفض المعارضة المتمثلة في الهيئة العليا للمفاوضات والائتلاف ومجموعة الفصائل المشاركة في استانة والجيش الحر، دورًا رئيسيًا في افشال الدعوة الروسية. كذلك رفض إيران والنظام واعتراض تركيا وتجاهل الأميركان، أجبرت الروس على تأجيل المؤتمر إلى أجل غير مسمى كي لا يقروا بفشله الذريع. ثم جاءتهم الصفعة عندما أكد البيان المشترك الأميركي الروسي الأخير، بأن الحل السياسي في سورية يتم عبر مسار جنيف ووفق المرجعيات الأممية المعتمدة. ومن المفيد التذكير بأن إعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي، كان قد دان في تصريح صحفي صدر في 10/11/2017 الدعوة الروسية لهذا المؤتمر ورفض محاولة الروس الإستفراد بالحل السياسي.

من جانب آخر فإن الولايات المتحدة التي لم تفصح عن استراتيجيتها في سورية حتى الآن، الأمر الذي أوقع الأطراف الأخرى في حالة ارتباك، فإنها  وتحت غطاء التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب الذي تقوده، ترسي في الميدان حقائق ثابتة خاصة في مناطق شرق الفرات الغنية بالثروات، وبالترافق مع رفع مستوى تصريحاتها في مواجهة وتحجيم النفوذ الإيراني في سورية والعراق. والعقوبات القاسية على إيران وحزب الله اللبناني، تسمح بالاستنتاج، أن للولايات المتحدة التي أخذت في عهد أوباما سياسة غض الطرف عن التوسع الإيراني في سورية والمنطقة كرشوة لتوقيعها الاتفاق النووي الذي كان يعتبره أوباما انجازًا هامًا لإدارته، لديها استراتيجية غير معلنة ستكون بالتضاد من الأهداف التي دفعت للتدخل الروسي. وكل ما قيل عن توافقات روسية أميركية لتوزيع النفوذ في سورية، كذبته حقائق الميدان، ولا يعدو أن يكون بعضًا من التفاهمات التي تحدد الخطوط التي تمنع انزلاق القوتين إلى صراع لا يريدانه. ليس أدل عليها من البيان الباهت الذي صدر عن اللقاء العرضي بين ترامب وبوتين على هامش قمة أسيان –الهادي. وأشار على أن خلافات الطرفين أكبر بما لا يقاس بتوافقاتهما. كما تظهر التطورات في الأشهر الأخيرة أن كفة التوازنات بدأت تميل لصالح الولايات المتحدة. لا يغطي على هذه الواقعة ادعاءات موسكو وحلفائها بانتصارات لا تبدو أنها ثابتة أو نهائية.

إن هزيمة داعش والاستحقاقات التي تفرضها في واقع المنطقة وصراعاتها، والتوجه الأميركي الجديد تجاه التوسع الإيراني في المنطقة، ينذر بأن المنطقة مقبلة على صراعات جديدة أوسع مدى وخطورة. ربما يكون التطور اللبناني الأخير، وبغض النظر عن أسبابه الإجرائية، مؤشرًا على التطورات المقبلة، التي يراد لها ترتيب خريطة النفوذ والسيطرة الإقليمية والدولية. ويجب ألا تكون الثورة السورية الكبيرة بتضحياتها ضحية لها. فالتجاهل المتعمد الذي تبديه الأطراف المتدخلة لإرادة الشعب السوري، وتطلعه للتغيير والفوز بحريته، تقتضي مواجهة بناءة وثابتة على أهداف الثورة، وإفشال حملات التيئيس الشرسة التي تقودها مراكز إعلام دولية كبرى ودول وفاعليات لا تريد انتصار الثورة السورية، ويعنيها الحفاظ على الدور الوظيفي للنظام السوري في المنطقة. ومما يصعب مهام المعارضة في هذه المرحلة، أن حجم التدخل الدولي سحب القرار السوري من يد النظام والمعارضة على حدٍ سواء.

إن الشعب السوري يعول على قوى الثورة وعلى المعارضة التمثيلية، في أن تعيد ترتيب أوضاعها الداخلية وأن تتجاوز الثغرات في بنيتها، وأن تحافظ على الثقة بدورها، الذي لا يمكن تجاوزه إلا إذا فرَطت هي به، وأن تتمسك بالمرجعيات الدولية وفي المقدمة منها تحقيق الانتقال السياسي عبر هيئة حكم انتقالية ذات صلاحيات تنفيذية كاملة كما نص بيان جنيف1،  وحيث أنه تمت الدعوة لمؤتمر الرياض2  المقرر عقده بين 22-24/11/ 2017 ضرورة أن تأخذ في الاعتبار ضرورة التأكيد على ثوابت الثورة وبيان الرياض 1 وكافة المرجعيات الأممية وفي المقدمة منها جنيف1 ورؤية الهيئة العليا للمفاوضات التي أعلنت باسم الإطار التنفيذي للحل السياسي،  وأن أي تراجع عن الثوابت أعلاه ستشكل طعنة للثورة لن يغفرها الشعب السوري ، وألا تستعجل الحل السياسي، فهذا الحل لن تظهر ملامحه قبل أن تحل التناقضات بين الدول المتدخلة وهذا لا يبدو أنه متيسرة في المدى المنظور.

تحية لأرواح الشهداء

عاشت سورية حرة وديمقراطية

دمشق في 18/11/2017

الأمانة العامة

لإعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي