وأخيرا انجلى الغبار عن صفقة ترامب -ناتنياهو، التي تدعو بكل صفاقة إلى دويلة فلسطينية لا سيادة لها، معزولة ومحاصرة بالإرادة الإسرائيلية من كامل أطرافها. إنها تطوب الغور لإسرائيل لتقطع صلتها مع الأردن، وصلتها مع غزة ستكون عبر نفق طويل تحت الأرض، وداخلها مقطع الأوصال بالمستعمرات الإسرائيلية. تكرس الصفقة ما يسمى بالقدس الموحدة عاصمة لإسرائيل وفي طرف ناءٍ من القدس الشرقية ستخصص مقاطعة من الأرض عاصمة للكانتون الفلسطيني. أما المسجد الأقصى فسيقسم زمنياً ومكانياً بين الإسرائيليين والفلسطينيين. لا تقدم "خطة السلام الأميركية" للفلسطينيين مقومات الدولة المعروفة بحسب الأعراف الدولية وأنما تتكرم عليهم ببعض أرضهم التاريخية لتكون دولة ممزقة تابعة للإدارة الإسرائيلية. فالصفقة برمتها مشروع منحاز لإسرائيل إن لم نقل منحازاً لإرادة عتاة الصهاينة المتطرفين. لا يحمل مشروع ترامب / نتنياهو أية سمة من سمات مشروع الدولتين؛ وإنما يضع الفلسطينيين أمام خيار واحد هو الاستسلام، وينظر إليهم كمجرد جموع من البشر. ولا تقف الصفقة عند هذا الحد، بل تطلب من الفلسطينيين بيع وطنهم والتخلي عن حقوقهم في العودة وتقرير مصيرهم وتشكيل دولتهم المستقلة، التي يحلمون بها ويناضلون ويقدمون التضحيات من أجلها منذ أكثر من ثمانية عقود. هذا المشروع ينتحل زوراً اسم "خطة السلام" ولكنه يحمل في طياته تأبيد الصراعات والحروب وعدم الاستقرار ليس في فلسطين وحدها، وإنما في المنطقة باسرها.

وإذا كان الأميركيون والإسرائيليون قد كشفوا في هذا الوقت بالذات عن أستار مشروعهم الذي كان قد قدم للفلسطينيين سابقاً عام 2010 ورفض، فهذا لأن المصلحة الانتخابية لترامب قد التقت الآن مع مصلحة صديقه نتنياهو بالتعمية على محاكمته بتهمة الرشوة والفساد. ولكن الأهم ضمن هذا السياق، أن “صفقة القرن” لم تأت من فراغ ولا هي ناتج مؤامرة، بل هي نتيجة لمسار تاريخي من الصراع العربي-الإسرائيلي بتناقضاته وهزائمه تغير فيه العالم والعرب كثيراً، واستثمر فيه الحكام العرب المستبدين في قداسة القضية فلسطينية لتأبيد سلطاتهم وقهر شعوبهم. كما أن الوضع العربي الذي يمر في المرحلة الراهنة بأسوأ أيامه. فحكام الدول العربية منشغلون بحروبهم المتوحشة ضد شعوبهم الثائرة عليهم، التي تطالب بالكرامة والحرية وإسقاط أنظمة الاستبداد، والانقسام العربي في أوجه، ولم تعد خافية على أحد الأطماع التوسعية لبعض دول المنطقة ببلادنا العربية، التي دفعت إلى تزايد وتسارع العلاقات العلنية والسرية بين بعض الدول العربية وإسرائيل. ولا ننسى الانقسام الفلسطيني الداخلي بين رام الله وغزة، وكذلك الاقتصادات العربية تمر في أعتى أزماتها، وعدد الدول الفاشلة يزداد على قدم وساق. من هنا لا يمكننا القطع بين الحال العربي بشكل عام والحال الفلسطيني فكلاهما مترابطان ومتفاعلان. وفي المقابل لا يمكننا القطع بين مسارات الحرية المحتدمة في المنطقة وبين مسار نضال الشعب الفلسطيني من أجل حريته وتقرير مصيره.

رغم كل هذا الوهن العربي الراهن، فصفقة القرن لن تمر ولن تجد شريكاً فلسطينياً، وترفضها كل الشعوب العربية التي تخوض معارك الكرامة والحرية والديموقراطية، ولن تكون مقبولة من الرأي العام الدولي، ولا يمكن فرضها على الفلسطينيين رغم الضغوط التي يمكن أن تقع عليهم من بعض الدول العربية أو غير العربية.

إننا في حزب الشعب الديمقراطي السوري نرفض وندين هذه الصفقة التي تفتقر إلى العدل والحق والحرية وتنسف كل قرارات الشرعية الدولية. وعلى الفلسطينيين إعادة قراءة نقدية لتجربتهم المريرة ونبذ المقولات والشعارات والكلام الذي أوصلهم إلى هذه الكارثة، والبحث تالياً عن اشكال نضالية جديدة، وسحب قضيتهم من أيدي الحكام المستبدين وملالي طهران الذين دمروا قضيتهم ودمروا بلدانهم، وربطها بقضية الحرية والكرامة والعدالة مع الشعوب العربية.

عاش نضال الشعب الفلسطيني من أجل حقوقه في تقرير المصير والعودة إلى أرضه وتكوين دولته الحرة المستقلة. لتتوحد كل نضالات الشعب الفلسطيني والشعوب العربية كافة لإسقاط صفقة العار.

دمشق 10 شباط 2020

                                                                                     الأمانة المركزية 

                                                         لحزب الشعب الديمقراطي السوري