بيان تحية وفاء للثورة السورية  في ذكراها المجيدة                                                                                                                                                                                                                                                       

     نقف اليوم, مع أبناء شعبنا المكافح, وقفة اعتزاز, أمام الذكرى الثانية عشرةَ لانطلاقة ثورته المجيدة, مجددين عهد الوفاء لشهدائها ومعتقليها, ومؤكدين العزم على المضي في طريق تحقيق أهدافها في الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية. 

    جاءت الثورة السورية في سياق ثورات الربيع العربي، كانفجار حتميّ وشامل سياسياً واجتماعياً، بمواجهة عقود من الاستبداد والتسلُّط والفساد, وتمكَّنت بقواها الذاتية الشعبية والسلمية أن توجه ضربة قوية لركائز حكم العصابة الأسدية المتوحشة, في طريقها لتحقيق حلمها ببناء دولة مدنية حديثة يحكمها القانون, بظل حياة دستورية ونظام ديمقراطي تعددي لجميع السوريين دون إقصاء أو تمييز, إلا أن الأسد واجهها بالرصاص وبأسلحة الإبادة الجماعية, قتلاً وتدميراً وتهجيراً, محوِّلاً حياة السوريين إلى مذبحة مفتوحة حتى اليوم, بعد أن سلَّط عليهم جيوش الاحتلال ثمناً لبقائه في السلطة. فانهالت عليهم صواريخه وبراميله، وطائرات الاحتلال الروسي, ومخالب الفتك والقتل الطائفي على أيدي المليشيات الإيرانية وحرسها الثوري, حيث عملت جميعها طوال اثني عشرَ عاماً للقضاء على حلم , دفع الشعب السوري ثمنه ما يزيد عن مليون شهيد، وأكثر من ربع مليون معتقل ومغيَّب قسرياً, وتدمير المدن وتهجير الملايين.

   تأتي هذه الذكرى اليوم, وسط كارثة الزلزال المدمر الذي شكل نكبة جديدة، تزيد من مآسي السوريين وعذاباتهم التي ألحقها بهم نظام الأسد وحلفاؤه, وزاد من وطأتها مواقفه الانتقامية الحاقدة, وسعيه الممنهج لاستغلال محنتهم طمعاً بكسب سياسي لإعادة تأهيله وإخراج نظامه من العزلة, واقتناص الفرصة للمطالبة برفع العقوبات عن قتلة الشعب السوري ومرتكبي المجازر بحقه, وقد زاد في مفاقمة أوجاعهم، تحيز المجتمع الدولي الذي صبَّ مساعداته وأمواله في خزائن الأسد ومخازنه, وكذلك التمييز الذي انتهجته المنظمات الأممية بين المناطق المنكوبة في إنقاذ الأرواح وتقديم الإغاثة,  ما مكَّن الأسد وطغمته من السيطرة على معظمها والتَّحكم فيها وسرقتها وبيعها في الأسواق قبل أن يصل بعضها للمستحقين , وقد تم ذلك على حساب المنكوبين في المناطق الخارجة عن سيطرته.

   ولابدّ من الإشارة إلى تدفق الوفود العربية وزيارات وزراء خارجية بعض دولها, كتطور جديد يصب في خانة الأسد ، فقد توالت رسائل التضامن معه من عدد من الرؤساء العرب , مقدمة التعازي بأرواح من سيق له أن زعزع حيواتهم وقتلهم وشرَّدهم، وعلى الرغم من الطابع الإنساني الذي تستَّرت خلفه هذه الصلات, لكنها لم تستطع إخفاء الاستغلال السياسي لمحنة السوريين ولا تمويه الأهداف الحقيقية في الانفتاح على النظام الأسدي، وإنهاء عزلته وإعادة تأهيله بعد كل جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبها بحق الشعب السوري.

   بعد مضي أكثر من عقد من عمر القضية السورية وانغلاق آفاق حلها, مازالت تمرُّ اليوم في لحظة سياسية مفصلية، هي الأكثر تعقيداً في ظل تحديات داخلية وإقليمية ودولية غير مسبوقة. فالصراع الدولي والإقليمي يزداد حدَّة وشراسة على خلفية الأزمة الأوكرانية وتداعياتها, وهو ما يدفع بالملف السوري نحو مزيد من الإهمال والتهميش, ويترك السوريين تحت رحمة المصالح الدولية والتقاطعات الإقليمية التي شلت قدرتهم، وأخرجتهم من أي دور يمكِّنهم من الدفاع عن قضيتهم, وبالنظر لما آلت إليه أحوال السوريين من إفقار وتجويع وتشريد. تتركز أنظار السوريين اليوم على قضيتهم بوصفها قضية وطنية بامتياز, تلقى على عاتق قواهم الوطنية وعلى حواضن الثورة وداعميها, وعلى كافة النخب السياسية والثقافية والفكرية وصنّاع الرأي أيضاً، لتنصب جهودهم على تحصين ثقة الشعب بنفسه والتصدّي لمظاهر التَّبدُّد والتَّشتُّت, وآفة اليأس والإحباط, وتعزيز إيمانه بقدرته على تحقيق تطلعاته المشروعة بإرادته الحُرَّة, مستلهماً الدروس والاستنتاجات من أخطاء الماضي, لإعادة توجيه بوصلته نحو التَّوحُد حول أهداف الثورة وبناء البديل الوطني الذي يعبِّر عن أهدافه, ويصون استقلال قراره الوطني بما يمكِّنه من إثبات حضوره على خارطة المجتمع العربي والدولي لتستعيد القضية الوطنية السورية مكانتها اللائقة بالتضحياته الأسطورية للشعب على طريق انتزاع حريته وكرامته.

  رغم ما شهدته الثورة من تراجعات وما أصابها من ضعف وقصور وتشرذم, إلا أنها مازالت صامدة ومستمرة, في مواجهة نظام الأسد الذي حول سورية إلى دولة فاشلة على كل الصعد, بعد أن فقد قراره المستقل والسيادة على البلاد وتقلصت حدود سيطرته إلى أضيق نطاق, وتحوَّل إلى مجرَّد سلطة من سلطات الأمر الواقع ، ما كان لها أن تستمر لولا تدخل دول الاحتلال وتخاذل المتجمع الدولي. لقد عبر السوريون عن استمرارهم في ثورتهم عبر التظاهرات, التي ما زالت تنطلق من عشرات المدن في شمال البلاد وجنوبها وفي بلدان اللجوء والاغتراب، بالعديد من المناسبات الوطنية وفي إحياء ذكرى الثورة, معبرةً عن تمسكها وإصرارها على تحقيق أهدافها, ومندِّدةً بكل محاولات التطبيع مع هذا النظام المجرم, ورافضة لكل الدعوات المشبوهة للتصالح معه. 

   بقي أن نقول لكل المطبِّعين العرب والإقليميين والدوليين, ولكل أصحاب المحاولات المعلنة أو المستورة لإعادة تأهيل الأسد, بأن مساعيهم مصيرها الفشل طالما لم يتحقق حلَّ سياسي، يعكس تطلعات الشعب السوري، ويحفظ حقوقه, ولن يكتب النجاح لأية مقاربات مهما كانت مسوِّغاتها مالم يتم الالتزام بالعملية السياسية وتنفيذ القرارات الدولية (جنيف1 – 2118- 2254), لتحقيق الانتقال السياسي المرتكز على إزاحة الأسد لصالح هيئة حكم انتقالية كاملة الصلاحيات التنفيذية. 

الرحمة لشهداء الثورة وتعازينا القلبية لأهلنا المنكوبين من ضحايا الزلزال

وتمنياتنا بالشفاء العاجل للجرحى والمصابين 

الحرية للمعتقلين والعودة الآمنة للمهجرين

عاشت الثورة السورية المجيدة…عاشت سورية الحرة حلمنا الصعب 

دمشق أواسط أذار 2023 

                                                                               اللجنة المركزية 

                                                          لحزب الشعب الديمقراطي السوري