ثورتان عارمتان تتأجج شعلتهما هذه الأيام على أرض لبنان والعراق، وذلك في خضم الموجة الثانية من الربيع العربي الذي أخذ يجدد إزهاره منذ مطلع هذا العام على أرض السودان والجزائر. فهذا الربيع لم ينطلق من لحظة عابرة أو مؤامرة كونية أو تدخلات خارجية. إنما انطلق من ذروة مرحلة تاريخية مديدة، تراكمت فيها كل الشروط والظروف لاندلاع هذه الانتفاضات والثورات في العالم العربي في وجه النظم الأوليغارشية نظم التسلط والاستبداد والفساد والنهب والتخندق المذهبي والمحاصصة الطائفية.

واليوم يباشر المواطنون في ساحات لبنان والعراق حراكاً ثورياً اجتماعيا، ليطالبوا بكرامتهم وحريتهم وحقوقهم المهدورة ورفع الحيف والظلم والاستغلال عنهم. يثورون على فساد الطبقة السياسية الحاكمة ونهبها لخيرات الوطن. فقد سئموا من البطالة والفقر والتهميش، وضاقوا ذرعاً بالجوع والتلوث ورائحة الفساد والنفايات، وعدم قدرتهم على التداوي والاستشفاء وتعليم الأطفال. ونفذ صبرهم من عدم توفر الماء والكهرباء ومتطلبات العيش الكريم في هذا العصر. ولم يقتصر حراكهم الثوري على المطالب الاجتماعية والحياتية، فسرعان ما راح ينتقل إلى المجال السياسي ليطالب بتغيير النظام القائم على نهب المال العام والمحاصصة الطائفية والسياسية، مطالبين ببناء الدولة الوطنية المستقلة ذات السيادة التي تملك قرارها بنفسها، وتتصرف وفق إرادة شعبها. ولم تقف شعارات الثائرين عند هذا الحد، فراحت تتطور لتستهدف دور إيران التخريبي في المنطقة عبر استطالاتها السياسية والميليشياوية، وأدواتها المتمثلة بحزب الله في لبنان والحشد الشعبي في العراق وغيرهما من الزمر الطائفية. 

من هنا نرى أن الانتفاضة الشعبية في كلا البلدين هي ثورة اجتماعية ووطنية في آن، تهدف إلى رفع الحيف والظلم الاجتماعي عن الشعب، ومن جهة أخرى إلى انتشال الوطن من براثن السيطرة الإيرانية ووكلائها وأزلامها. وما يؤكد سمتها الوطنية عبورها لكل المناطق والمذاهب والطوائف والبنى السياسية التقليدية، وشعاراتها التي تندد بالنظام القائم على الطائفية السياسية والتخندق المذهبي، وتدعو بوضوح إلى الدولة المدنية الديمقراطية التي تضمن دستورياً وواقعياً المواطنة المتساوية بغض النظر عن الدين والمذهب والجنس والانتماءات الإثنية والعقائدية. وكذلك تدعو إلى قانون انتخابات عصري على قاعدة وطنية، يوفر التمثيل الحقيقي والعادل لكافة مكونات الشعب. وقد كان بارزاً ومحورياً دور المرأة في أنشطة هذا الحراك الثوري بشكل غير مسبوق.

نحن في حزب الشعب الديموقراطي السوري نعلن دعمنا وتأييدنا لثورة الشعبين في العراق ولبنان، ونرى في انتصارهما انتصار للثورة السورية، ونحيي صمودهما وإصرارهما على مواصلة النضال من أجل بناء الدولة الوطنية الديموقراطية التعددية، التي تقوم على مبدأ “المواطنة والتنوع الثقافي”. إن الثورات على أنظمة الاستبداد والفساد والمحاصصة الطائفية في العالم العربي وبناء الدولة الوطنية الديموقراطية هي الضمانة الوحيدة لتحقيق الأمن والاستقرار والتنمية في الدولة الوطنية، وتغيير وجه المنطقة العربية وجعلها منيعة إزاء الأطماع الإقليمية والدولية. عاش نضال الشعبين العراقي واللبناني من أجل مستقبل أفضل . . .   
        عاشت ثورات الربيع العربي في كل البلدان العربية . . .
دمشق 2/ 11/ 2019
                                                                                الأمانة المركزية
                                                                        لحزب الشعب الديمقراطي السوري