سبعة أعوام مضت، منذ أن أطلق السوريون صرختهم المدوية مطالبين بالحرية والكرامة، والقطع مع عهد الاستبداد والفساد. يستمرون وحدهم صامدين في ثورتهم بكل حمولتها من البطولة والتضحية والصبر والمعاناة، من الانتصارات والانكسارات. رغم الأهوال والمراحل الصعبة التي مرّوا بها، وما عاناه أبناؤهم من اعتقال وتعذيب وقتل وتنكيل وحصار وتجويع وتهجير وحرب إبادة وبكافة صنوف الأسلحة بما فيها السلاح الكيماوي. يتشارك في ذلك نظام الموت والتوحش والاحتلالين الروسي والإيراني وميليشياتهم التي استباحت البلدات والمدن قصفاً وتدميراً وتهجيراً، بتواطؤ وخذلان من المجتمع الدولي وتخليه عن مسؤولياته الأخلاقية والقانونية تجاههم، إلا أنهم يزدادون إصراراً وتمسكاً بأهداف الثورة وتحقيق تطلعاتهم نحو الحرية والديمقراطية والعدالة والكرامة الإنسانية.
يعاني شعبنا وثورته من كثرة المتدخلين الدوليين والإقليميين والمرتزقة في الشأن السوري. لقد أصبحت سوريا بلداً محتلاً ومستباحاً، وساحة مفتوحة لتصفية الحسابات والحروب أصالة وبالوكالة. فالنظام الذي استدرج كل هذا التدخل، صار بيدقاً مهملاً وفقد وزنه أمام الدول المتدخلة. فأصبحت المهمة الرئيسة أمام الشعب السوري وقوى الثورة هي التحرر من هذا النظام والمحتلين معاً، على الرغم من تعقيدات هذه الحالة بسبب زيادة حدة التناقضات في المصالح بين المتدخلين الرئيسين. وهذه أصعب وأعقد حالة يمكن أن يواجهها أي شعبٍ من أجل حريته وكرامته.
كما عانى الشعب السوري خلال هذه السنوات أيضاً من التطرف الإسلامي المتنوع المشارب والغريب عن البيئة السورية، والذي ناهض علناً الثورة وأهدافها المتعلقة بالحرية والديمقراطية والكرامة والمواطنة، وأخطر هذه التنظيمات تمثل بـ “داعش والنصرة”، اللذين انصب جهدهما على تحجيم وإضعاف المعارضة ومقاتلة فصائلها وخصوصاً الجيش الحر. وقد عمدت دول إقليمية ودولية مع النظام إلى دعم هذه التنظيمات وتغذيتها. مما جعلها تعقيداً إضافياً في الأوضاع، وحجة جديدة لجأ إليها المجتمع الدولي وخاصة الولايات المتحدة الأميركية لاعتراض توجهات الثورة وإعاقة تقدمها، تحت ذريعة محاربة الإرهاب بعد أن استنفذت مفاعيل الحجج الأولى التي رمتها في وجه الثورة مع بدايتها.
كما عانى الشعب السوري من التطرف الكردي ممثلاً بحزب PYD وجناحه العسكري “قوات حماية الشعب” ذات القيادة الأجنبية في الغالب، والتي تحمل أجندة لا علاقة لها بمصالح الكرد السوريين ولا تتقاطع مع أهداف الثورة السورية. لقد مارست القمع والاعتقال والتنكيل والقتل والتهجير بحق الكرد والعرب والسريان، ودمرت القرى وخاصة العربية وأحرقتها وهجرت سكانها. وقاتلت إلى جانب النظام في حلب ونسقت معه منذ بداية الثورة في الكثير من المواقف.
بعدما تم إضعاف دور قوى الثورة، وتلاشي دور النظام. أصبحت سوريا فريسة تتناهشها القوى الدولية والإقليمية المتدخلة: إيران بميليشياتها وحرسها الثوري، روسيا بأساطيلها الجوية والبحرية، أميركا التي أصبحت تسيطر على 30% من مساحة سوريا، ثم تدخل تركيا العسكري في الشمال السوري، وتدخلات أخرى أوربية وخليجية بأشكال مختلفة. تتصارع هذه القوى الآن فوق أرضها وعليها في سعي كلّ منها لتحسين مواقعه ومناطق سيطرته ونفوذه استعداداً للحلول القادمة في سورية والمنطقة، والأمثلة على ذلك كثيرة منها ضرب القوات الروسية في دير الزور، واسقاط الطائرة الروسية في ادلب، والهجوم على قاعدة حميميم الروسية عبر الطائرات المسيرة عن بعد، واسقاط طائرة استطلاع إيرانية وطائرة إسرائيلية فوق هضبة الجولان المحتلة. كما تشهد الغوطة الشرقية حرب إبادة شاملة، وما ترتكب من جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية فاقت جرائم النازية، وذلك على أيدي ميليشيات إيران والنظام يساندها العدوان الروسي. تعويضاً عن فشلها في سوتشي وأستانة، مع صمت وخذلان العالمين العربي والإسلامي، وتواطؤ وعجز المجتمع الدولي والأمم المتحدة عن تنقيذ قرار الهدنة 2401، وإيقاف هذه المذبحة اليومية بحق أهلنا في الغوطة، ومحاسبة مرتكبيها.
على أنّ أخطر ما يواجهه الشعب السوري وثورته هو التدخل الروسي منذ أيلول 2015، تحت ذريعة محاربة الإرهاب. أحرق حلب وهجر أهلها، وطيرانه الحربي جعل الحياة مستحيلة في الكثير من المدن والبلدات السورية، وارتكب عشرات المجازر وقتل الآلاف من الأطفال والنساء والشيوخ، وتسبب بأكثر من 40% من الدمار الذي حلّ بسورية، وقاد سياسة التهجير القسري لإفراغ المدن والبلدات من سكانها وخاصة في الريف الدمشقي. ومنع انهيار النظام، واستخدم الفيتو إحدى عشرة مرة لمنع معاقبة المسؤولين في النظام على جرائمهم وخاصة جرائم الكيماوي التي ارتكبوها بحق الشعب السوري. وتعمل روسية بكلّ قوتها من أجل إعادة تأهيله عبر محاولاتها السطو على الملف السياسي بعد “إنجازاتها العسكرية”، وتسويق حلّ سياسيّ بعيدٍ عن مسار جنيف ومرجعياته بشكلٍ يتوافق ورؤيتها، ودفع الجميع للقبول والاعتراف بنظام الأسد. لكنها فشلت فشلاً ذريعاً في سوتشي، وجاء من يقول لها: إن التفويض قد انتهى، والحل السياسي للأزمة السورية يمر عبر مسار جنيف التفاوضي ووفق للقرارات الدولية. ولا بدّ من الإشارة إلى خطورة الحماية التي تقدمها روسية لإيران وميليشياتها بنهجها التدميري الفئوي والمذهبي والذي يعيث في البلاد والمجتمع فساداً وتدميراً.
إذن. لا حلّ سياسيّاً يلوح في الأفق، والمعارضة السورية تعيش اليوم أصعب حالاتها حيث الفوضى والضياع والتشرذم وغياب المرجعية الوطنية، مما يضعها أمام تحديات مصيرية. من هنا على قوى الثورة أن تأخذ المبادرة وتبدأ بمراجعة شاملة لمسيرة سنواتها السبع، عبر قراءة شفافة لمجريات الأمور والاعتراف بالأخطاء، والتأكيد على أهمية العمل السياسي وأفضليته، وإعادة طرح المسألة السورية كقضية وطنية لإنقاذ البلاد من الاحتلالات والمتدخلين، والخروج من لعبة الدول وأجنداتها، وأن تحافظ على قرارها الوطني المستقل، وأن تنظم مقاومة شعبية وسياسية طويلة الأمد تحت قيادة سياسية موحدة، تعمل على استنهاض الشارع واستعادة وجهه المدني والثوري وحشد الطاقات العسكرية خلفها لمقاومة المحتلين. وإعادة صياغة الخطاب الوطني لجميع السوريين من خلال مؤتمر وطني شامل ليصبح أكثر وضوحاً، والتمسك بمرجعيات الحل السياسي من بيان جنيف إلى قراري مجلس الأمن الدولي 2118 و2254 وبقية القرارات ذات الصلة.
إن قوى الاحتلال مهما بلغت سطوتها لن تقهر إرادة الشعوب، وتغيّر حقائق التاريخ، ولن تنجح بفرض الهزيمة على الشعب السوري وثورته. فالثورة ليس نزاعاً عسكرياً ولا حالة مرحلية، بل هي استحقاق تاريخي كبير أطلقه الغضب السوري رداً على مظالم واستبداد النظام ووحشيته. فالثورة حين انطلقت منذ سبع سنين لم تكن تحفل بالسلاح ولا بالسيطرة على الأرض، وكانت تركز أهدافها على إسقاط النظام والظفر بالحرية بالأساليب السلمية. وكلّ الوقائع تؤكد على أن طاقات شعبنا في الداخل والخارج وعدالة قضيته ما تزال في أوجها ، ولا يزيدها إجرام النظام وداعميه وقوى الاحتلال الغاشم وتواطؤ المجتمع الدولي إلا مزيداً من الإصرار والعزم لإطلاق موجات متجددة من المدّ الثوري التي لن تتوقف إلا بدحر الاستبداد وبناء الدولة المدنية الديمقراطية.

دمشق أواسط أذار 2018

اللجنة المركزية
لحزب الشعب الديمقراطي السوري

[gview file=”http://www.syria-sdpp.org/wp-content/uploads/2018/03/11.pdf”]