بــلاغ!

عقدت اللجنة المركزية اجتماعها الدوري أوائل حزيران 2018. بدأ الاجتماع بدعوة الرفيق الأمين الأول للوقوف دقيقة صمت تحية لروح الرفيق شكرالله عبد المسيح الذي غادرنا مؤخراً . ثم ناقشت اللجنة المركزية جدول أعمالها المتضمن قضايا تنظيمية ونشاط الرفاق في المهجر، وتوقفت بعدها عند التطورات الميدانية والسياسية المتعلقة بالشأن السوري، والنشاطات الدولية والإقليمية التي أعقبت انسحاب الولايات المتحدة الأميركية من الاتفاق النووي الإيراني وإعلان استراتيجيتها الجديدة اتجاه إيران. كما توقفت أيضاً عند الوضع الفلسطيني ونتائج الانتخابات اللبنانية والعراقية وخلصت إلى النتائج التالية:
أولاً- تشهد البلاد تطورات ميدانية وسياسية متسارعة وخطيرة، تدلل على أننا دخلنا مرحلة جديدة من الصراع الدولي والإقليمي في سورية وعليها، وأصبحت بموجبها الأزمة السورية بالغة التعقيد والتشابك بسبب تضارب المصالح الدولية والإقليمية وأصبح من الصعب حلها قبل خروج القوى المحتلة والمتدخلة. إن هذا الصراع يفرز وسيفرز مزيداً من الاحتدام بين الدول المتدخلة ويفتح الأفاق أمام مرحلة تصفية الحروب السورية. وإن قرار ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني والاستراتيجية الأميركية اتجاه إيران سيكون لهما الأثر الكبير في تحديد المسارات وتموضع اللاعبين ، لأنه يستهدف النفوذ الإيراني في سوريا والمنطقة، مما يعمق المأزق الروسي . وإن التماسك الاستراتيجي بين روسيا وإيران أصبح غير مؤهل للصمود والاستمرار. وتعمل الدول الأوربية على انقاذ الاتفاق النووي بالضغط على إيران من أجل تلبية المطالب الأميركية ، وهي وقف تخصيب اليورانيوم والبرنامج الصاروخي الباليستي ، وإنهاء تدخلها في شؤون دول المنطقة والخروج من سورية ، ووقف دعمها للمنظمات الإرهابية. ويمكن رصد أبرز الملامح العامة لهذه المرحلة كما يلي:
1- التفاهمات الجانبية بين جميع الدول المتدخلة في الشأن السوري، بهدف تصفية وجود كافة الفصائل المسلحة بما فيها الإسلامية والجيش الحر، بحيث لا تبقى منطقةٌ أو فصيل مقاتل خارج سيطرة القوى الدولية والإقليمية وأجنداتها. وهناك ضوء أخضر للقوات الروسية والنظام للسيطرة على أخر ما تبقي من أرضٍ بيد المعارضة في الجنوب السوري.
2-انتقال الصراع إلى الدول المتدخلة فيما بينها وبشكل ظاهر للعيان، فكل دولةٍ تحاول توسيع حصتها مع ضمان القدرة على الاحتفاظ بها. وخروج المعارضة والنظام معاً من دائرة الفعل والتأثير في هذا الصراع. حيث أصبح مصير سوريا يقررالآن من خارج إرادة السوريين ومثاله الناصع الاتفاق الروسي الإسرائيلي على الجنوب السوري.
3-الدخول الإسرائيلي المباشر إلى ساحة الصراع عبر توجيه ضربات جوية لقواعد إيران العسكرية وميليشياتها في سورية، وإرسال تهديدات جدّيّة لها، واعتبار وجودها العسكري بالقرب من الجولان المحتل خطراً على أمنها القومي. ومن الواضح أنه في حين يحظى هذا التدخل بموافقة من الولايات المتحدة الأمريكية وتنسيق معها ، فإنه يتوازى مع تراجع في الدور السعودي والعربي عموماً.
4-إن انسحاب الولايات المتحدة الأميركية من الاتفاق النووي الإيراني، وإعلان استراتيجيتها اتجاه إيران كفيل بتغيير المعادلة الاستراتيجية في الشرق الأوسط، وبنقل الصراع إلى مرحلة متقدمة،( إذا تم تنفيذ هذه الاستراتيجية بشكل جدي وحازم ) الأمر الذي سينعكس بشكل مباشر على الوجود الإيراني في سورية والمنطقة، وعلى الصراع الإسرائيلي -الإيراني في سورية. لكن علينا أن لا نطمئن لهذه النتائج لأن ترامب يتعامل بميزان الربح والخسارة وليس انطلاقاً من رؤية استراتيجية راسخة.
5- إن الضربة الثلاثية والانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي الإيراني، قد أنهى الوهم الروسي بالقدرة – مع إيران وتركيا -على الاستفراد بالحل السياسي وتقرير مستقبل ومصير سوريا عبر أستانا وسوتشي، وأوضح بأن سوريا أصبحت مشكلة دولية تفرض على الروس عدم الاستهتار بالمواقف الدولية ، وأن لا مخرج أمامها – مهما امتلكت من أوراق القوة على الأرض السورية – سوى العودة إلى الحل السياسي عبر مسار جنيف وعلى أساس بيان جنيف1 لعام 2012 وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة.
6-التراجع الكوري الشمالي المرتبط بالتخلي عن السلاح النووي سوف يصعب على الإيرانيين التمسك بالاتفاق النووي ، وسيشجع الولايات المتحدة على ممارسة الضغط على إيران وأوربا لتلبية مطالب ترامب الإضافية المطلوب تنفيذها من قبل إيران.
إن المرتكزات السالفة الذكر التي تؤسس ملامح المرحلة القادمة تجعلنا نستقرئ مرحلة التفاهمات الأمريكية-الأوربية بشأن التدخل بشكل واضح في المسألة السورية والتي عبرت عنها الضربة الثلاثية وإصدار وثيقة اللاورقة التي تحدد رؤيتها لتنفيذ القرار 2254، رغم أن العلاقة بين الطرفين تتعرض اليوم لامتحانات بالغة الصعوبة. هذا لا يعني وجود رؤية متكاملة أو استراتيجية واضحة لدى الأمريكان حيال سورية. ذلك أن تركيزهم ما زال منصباً على القضاء على داعش ومحاصرة إيران والتضيق على الروس في محاولة لإفشال المسعى الروسي الخاص في حل الأزمة السورية.
ثانياً- لا نبالغ إذا قلنا إن هناك قراراً دولياً بإنهاء الثورة في الغوطة الشرقية والقلمون الشرقي وبلدات جنوب دمشق آخر معاقل المعارضة في محيط العاصمة. وإن سيطرة الحلف الروسي على هذه المناطق كانت له أضرار فادحة على الثورة توازي أو تفوق فداحة إسقاط حلب ولاسيما بعد ظهور فضائح تسليم السلاح كماً ونوعاً ، والتي تكاد تصل حدّ الخيانة. أنتجتها عوامل عدة منها:
أ-الهمجية الروسية في القصف والقتل والتدمير بضوء أخضر دولي. والتي أخذت شكل حرب إبادة جماعية فاقت جرائم النازية.
ب-عدم وجود إرادة القتال لدى قادة الفصائل بسبب ارتباطهم بالأجندات الدولية والإقليمية. وهذا لا يقلل أو ينال من شجاعة وبسالة المقاتلين الذين سجلوا ملاحم أسطورية في البطولة والتضحية في معارك الغوطة المحاصرة خلال أكثر من ست سنوات .
ج-عدم مناصرة ومؤازرة الفصائل والبلدات والمناطق لبعضها في المعارك ضد النظام. ثم جاء ما سميّ بمناطق خفض التصعيد الذي ساعد النظام على تجميع قواته والاستفراد بالمناطق تباعاً.
د- الصراع على مناطق السيطرة والنفوذ بين الفصائل المقاتلة ما استدعى حالة من الاقتتالات البينيّة والتشرذم بدلاً من التوحد والتنسيق وتشكيل غرف عمليات مشتركة .
هـ-ظهر أن الفصائل كانت مخترقة من قبل النظام وأطراف أخرى ما ساهم في تسريع انهيار بلدات الغوطة الشرقية و”الشيخ الضفدع” كبير شرعيي فيلق الرحمن أنموذجاً.
و-ظهر أن الفصائل كانت أقرب إلى مشاريع سلطة وتسلط منها إلى مشروع الثورة وأهدافها، وكانت تسعى إلى إقامة إمارات إسلامية متناحرة وسلطات تحاكي بنية النظام الأسدي. والكلام عن فشل هذه الفصائل لا يعني الطعن بالثورة أو فشلها. فالذي فشل هو مشروع أسلمتها.
ثالثاً- منذ بداية الثورة، مارس النظام سياسات التهجير الممنهج، لكنها برزت على السطح بشكل فاضح بعد التدخل الإيراني وميليشيا “حزب الله” كحالة تهجير قسري بهدف التغيير الديموغرافي في سورية الذي بدأ بالقصير وامتد إلى مدينة حمص وحلب الشرقية والزبداني ومضايا وداريا، أما مع بدء جولات استانا فقد جاءت بقرارات مناطق خفض التصعيد لتدخل روسيا على الخط. فقامت بتهجير أهالي وادي بردى والغوطة الشرقية والقلمون الشرقي وبلدات جنوب دمشق وريف حمص الشمالي وريف حماه الجنوبي. وقد استهدف هذا التهجير فئة معينة من الشعب السوري بشكل طائفي تحقيقاً لمشروع ملالي طهران. ومن اللافت أن المجتمع الدولي والأمم المتحدة ظلا ساكتين عن هذه الجريمة، علماً أنها قد صنفت ضمن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانيّة.
فبعد تهجير أغلب أهالي الغوطة الشرقية، واحتجاز الآلاف منهم في سجون سميت بمراكز إيواء! أصدر الأسد “القانون 10 لعام 2018″، والذي هدف من ورائه استكمال جرائم التهجير القسري، القاضي بمنع عودة المهجرين ومصادرة ممتلكاتهم وسلب حقوقهم من خلال الادعاء بإعادة تنظيم المناطق التي هجرّ أهلها، والعمل على بناء أحياء جديدة على أنقاض الأحياء التي ثارت ضد النظام من خلال نص يسقط حقوق ملكية من لم يحضر خلال فترة محددة من البدء بإعادة التنظيم. علماً أن الحقوق المسجلة في السجل العقاري لا يلغيها أي قانون.
رابعاً- تعيش المعارضة السورية حالة مزرية حيث الفوضى والعطالة والضياع والتشرذم وغياب المرجعية الوطنية، هذه الحالة يجب الوقوف عندها وبحث كيفية الخروج منها ، وهذا يضعها أمام تحديات مصيرية. فوجود الائتلاف وهيئة رياض2 لا يعني الشيء الكثير، فهي مؤسسات مسلوبة الإرادة أمام الدول الراعية، ولا تفعل شيئاً غير بعض الزيارات واللقاءات وإصدار البيانات، تخضع لإرادة الآخرين ولا يؤخذ برأيها. فهي حالة ميؤوس منها بنظر الغالبية من نشطاء الثورة وحاضنتها الشعبية. وأمام تعقد الصراع في سوريا وتعدد الدول المتدخلة والمتصارعة فيما بينها، تصبح الحاجة ماسة إلى وجود كتلة وطنية تتمسك بالثورة وأهدافها مستفيدة من مجريات السنوات السبع الماضية لتجاوز الأخطاء والعثرات سورياً وإقليمياً ودولياً. تتقوى بشعبها وتنفتح على جميع السوريين وتتبنى خطاباً وطنياً جامعاً وموحداً للداخل وجاذباً للخارج ومطمئناً للغرب لتحقيق إرادة الشعب بالانتقال السياسي وبناء النظام الوطني الديمقراطي، وسوريا الدولة المدنية التعددية ذات السيادة. كتلة وطنية تعيد طرح قضية الثورة السورية كقضية وطنية لإنقاذ البلاد من الاحتلالات والمتدخلين والميليشيات واستخدام كل الوسائل المتاحة من أجل إخراجهم من البلاد. كتلة وطنية تخرج من لعبة الدول وتحافظ على قرارها الوطني المستقل، وتنسج علاقات مع الدول لخدمة القضية السورية. كتلة وطنية تتمسك بعملية الانتقال السياسي ورحيل بشار الأسد على أساس المرجعيات الأممية للحل السياسي من بيان جنيف1 إلى قراري مجلس الأمن الدولي 2118 و2254 وبقية القرارات ذات الصلة.
دمشق أوائل حزيران 2018
اللجنة المركزية
لحزب الشعب الديمقراطي السوري

[gview file=”http://www.syria-sdpp.org/wp-content/uploads/2018/06/Balagg.pdf”]