بلاغ
  صادر عن اجتماع اللجنة المركزية لحزب الشعب الديمقراطي السوري

   عقدت اللجنة المركزية في أواخر تشرين الثاني 2020 ، اجتماعاً عالجت فيه عدداً من القضايا التنظيمية . ونشاط مكتب الاعلام المركزي، كما ناقشت مشروع الوثيقة البرنامجية وبحثت في آلية اقرارها واصدارها. وتوقفت بعدها عند التطورات الميدانية والسياسية المتعلقة بالشأن السوري وتطورات الأوضاع الداخلية، وتدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في البلاد ، كما عالجت الأوضاع العربية الساخنة، والوضعين الإقليمي والدولي، وخلصت إلى الملاحظات والاستنتاجات التالية .  

   1- تشهد البلاد تطورات ميدانية وسياسية متعددة خاصة في ادلب والمنطقة الشرقية ومناطق الجنوب، لعل أبرزها التصعيد الناري والدموي في ادلب من قبل الروس ليكشف عمق أزمتهم مع تركيا، وعمق مأزقهم في سورية أيضا. كما تدلل مع التطورات الأخرى على أننا في مرحلة مفتوحة على كلّ الاحتمالات من الصراع الدولي والإقليمي في سورية وعليها، وأصبحت بموجبها الأزمة السورية بالغة التعقيد والتشابك بسبب تضارب المصالح الدولية والإقليمية، وأصبح هذا الصراع يفرز وسيفرز مزيداً من الاحتدام بين الدول المتدخلة، وإن صدور قانون قيصر جعل القضية السورية في دائرة الاهتمام الأميركي،  وقد خلق حالة من الإرباك لدى الروس، وأنهى حلمهم بالقدرة على الاستفراد بالحل السياسي وتقرير مستقبل ومصير سورية، وإعادة تأهيل الأسد، وإن سوريا أصبحت مشكلة دولية تفرض على الروس عدم الاستهتار بالمواقف الدولية، ولا مخرج أمامها -مهما امتلكت من أوراق القوة في السورية- سوى العودة إلى الحل السياسي عبر مسار جنيف وعلى أساس بيان جنيف1 لعام 2012 وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة. وبالتالي دفعتهم لإعادة حساباتهم، خوفاً من ضياع مكتسباتهم وأخرى بانتظار الوصول إليها، ذلك أن الصراع الدائر في سوريا بكامل تعقيداته وتعدد أطرافه، ما زال مفتوحًا ومستمراً، ومن الصعب التكهن بمآلاته. وليس هنالك من طرف يستطيع فرض أجنداته ونفوذه. وأن الحل مرهون بحل أزمات المنطقة، وتفاهم الأطرف الدولية والإقليمية على الحل السياسي، وهذا غير متوفر إلى الأن . مما يعني لا حل يلوح في الأفق للمأساة السورية. أما إقليمياً فقد أصبح الملف السوري مرتبط على نحو كبير بمجمل ملفات المنطقة وبالصراع الدائر فيها، وبضغوط الولايات المتحدة وإسرائيل لاستكمال موجة التطبيع مع الأنظمة باعتباره شرطاً لإعادة الاستقرار للمنطقة. وأضحت الأزمة السورية إضافة لارتهان حلها بالتوافق الدولي مرهونةً بتسوية الأوضاع الإقليمية، وبات الحل السياسي المنتظر جزءاً من حل أشمل لمجمل قضاياها. 

   2-تسود مناطق سيطرة النظام حالة من الفوضى والفلتان الأمني الظاهر للعيان بعد وقوعها فريسةً لسطوة الميليشيات المتصارعة. وترتفع فيها معدلات جرائم الخطف والقتل والسطو المسلح والاغتصاب وأعمال النهب والسرقة، خاصة في دمشق وريفها، وطرطوس واللاذقية. وينتشر فيها الكثير من حوادث السرقة والنصب والاحتيال، والسمسرة  وتجنيد الجنود المرتزقة. وقد صنفت سوريا في المركز العاشر عالمياً، بأبحاث الجريمة ومعدلاتها. وما تزال تداعيات الصراع الداخلي ضمن الحلقة الضيقة للسلطة، تلقي بثقلها في عموم المناطق الساحلية، بسبب مظاهر الانتشار المسلح والأمني الكثيف، وحدوث عدد من المواجهات الغامضة على خلفية هذا الصراع. لكن الصراع الأهم هو بين مراكز القوى الموالية لإيران من جهة والقوى الموالية للروس من جهة أخرى، وخاصة في الجنوب السوري وتتركز في درعا، حيث الاغتيالات والتصفيات والتفجيرات، والمواجهات المسلحة، كما جرى ويجري بين الفرقة الرابعة الموالية لإيران والفيلق الخامس الموالي للروس.

  3- لكن الكارثة الأكبر هي في تدهور الأوضاع المعيشية للمواطنين وتفاقم معدلات الفقر إلى مستويات غير مسبوقة وارتفاع معدلات التضخم، وانخفاض كبير في معدلات الدخل، وغلاء فاحش للأسعار، بسبب انهيار قيمة الليرة السورية، ويُتوقع أن تتدهور قيمتها بشكلٍ كبير حيث وصلت في هذا الشهر 3000 ل.س مقابل الدولار الواحد. بينما بقيت الأجور في مستواها دون قدرة على زيادتها، بل بدأ النظام يقلص دعمه للسلع الأساسية، ويرفع من أسعارها كالخبز والسكر والوقود والطاقة والخدمات. بالإضافة إلى سياساته الاقتصادية المجحفة، والتي أدت مؤخراً إلى انعدام مقومات الحياة البسيطة، فربطة الخبز أصبحت تتطلب من المواطن جهاداً كبيراً للحصول عليها، وتباع بأسعار مضاعفة في السوق السوداء (500-1000ليرة)، واسطوانة الغاز وصل سعرها إلى 25 ألف ليرة، وليتر المازوت إلى ألف ليرة، وأسعار الأدوية تضاعفت 500%، عدا عن فقدانها، واستمرار انقطاع التيار الكهربائي لأكثر من 16 ساعة يومياً.

   لقد سلطنت السوق السوداء، التي تسيطر عليها مافيات النظام، على الكثير من الحاجات اليومية مثل السكر والرز البنزين والمازوت، والسجاير الوطنية التي قفز سعر العلبة من 300 ليرة إلى 1500 ل.س بعد أن تم تعفيشها من قبل ماهر الأسد وعصابات الفرقة الرابعة، فوضعوا يدهم على الإنتاج ويبيعونه في السوق السوداء. فمعركة المواطنين أصبحت قاسية جداً في تأمين اثمان حاجياتهم وفواتيرهم من دخلهم، الذي لا يكاد يكفي لبضعة ايام. لذلك فقد حرم معظم السوريين من غالبية متطلباتهم الحيوية: من اللحوم والدواجن والبيض والأجبان وحليب الاطفال والادوية وغيرها. هنالك انخفاض غير مسبوق في مداخيل الناس ومعظمها يتراوح بين (10-15-25 دولار شهرياً). وتشمل دائرة تحت خط الفقر حوالي (90%-83%) من السوريين. وأصبحت معاناة السوريين مركبة ومعقدة وتنطوي على كل ألوان الإذلال وسفح الكرامات والتسول والاستعطاء. ويتزامن كل هذا البؤس في سورية جنباً إلى جنب مع اتساع جائحة الكورونا، والحرائق المستعرة التي تلتهم الأحراج والغابات والأراضي الزراعية على يد تجار الحروب والسماسرة وعملاء الاحتلال المقربين من السلطة. وأدت هذه الأوضاع الكارثية إلى رفع صوت الاحتجاجات عالياً كما حدث في السويداء وبعض مناطق ريف دمشق، وقطع الطرق في الساحل، وانتشارها عبر شبكات التواصل الاجتماعي، وخصوصاً من قبل المؤيدين بسبب ضنك العيش، وتحميل المسؤوليته للنظام وعجزه عن تلبية حاجات الناس الأساسية، والتي لا تزيد عن تأمين رغيف الخبز والمازوت والغاز والكهرباء والدواء وغيرها. وبدأ يظهر بشكل جلي أمام الناس انسداد الأفق بالسلام والاستقرار وفرص العمل والإنتاج، بسبب نهج النظام االقائم على الأمساك بالسلطة الكاملة أولاً وأخيراً أو لا شيء، ويرفض الاعتراف بأنّه أفلس وأصبح من الماضي، ولا أمل في إعادة تأهيله، وأن الرهان على إيران أحيانا، وعلى بهلوانيات روسيا في أحيان أخرى، والتي كان أخرها “مؤتمر عودة اللاجئين”،  لن يفيده في شيء. فالأزمة مستمرة بل ستزداد تفاقماً. فبدون رحيل هذه العصابة المتوحشة، وإيجاد حلٍ سياسي وفق قرارات الشرعية الدولية وخاصة قرار مجلس الأمن الدولي 2254،  لا مخرج ولا علاج للكارثة السورية. 

دمشق أواخر تشرين الثاني 2020

                                                                                                            اللجنة المركزية 

                                                                                                 لحزب الشعب الديمقراطي السوري