عقدت اللجنة المركزية اجتماعها الدَّوري على جلستين: الأولى أوائل تشرين الثاني، والثانية في منتصفه. ناقشتْ في الجلسة الأولى محاور التَّقرير السياسي المقدَّم من أمانتها، والذي تضمَّن العدوان على غزة وتأثيراته على المنطقة وعلى القضية السورية، كما توقفت عند الأوضاع الداخلية الكارثية والأزمات التي يعانيها السوريون نتيجة الاستمرار الممنهج لسياسات عصابات الأسد التدميرية وانعكاساتها على حياة الناس ومعيشتهم. وبحث الاجتماع تطورات انتفاضة السويداء ونجاحاتها في الاستمرار في حمل راية الثورة السورية والتمسك بأهدافها، واستشراف آفاقها والتحدِّيات التي تواجهها، وكذلك العدوان الروسي الأسدي المتواصل على الشمال السوري، إضافة لقضية اللجوء السوري، وتطورات العمل الوطني وآفاقه نحو بناء الحامل السياسي المعبِّر عن تطلعات السوريين.

وفي الجلسة الثانية: استعرض الاجتماع التطورات العربية والإقليمية في ضوء الحرب على غزة وتردي الأوضاع في معظم البلدان العربية، ومواقف الحكام العرب من الدورين الاسرائيلي والايراني. كما ناقشت التقرير المقدَّم لها عن أوضاع منظمات المهجر ولجنتها. وقبل اختتام الجلسة، اتَّخذت اللجنة المركزية -بعد نقاش مستفيض- قرارها بالإجماع بعقد المؤتمر الوطني السابع للحزب خلال العام 2024، مع تأكيدها على ضرورة البدء بإطلاق التحضيرات اللازمة، من وثائق وتشكيل لجان وتوزيع مهام. وقد خَلُصَ الاجتماع الى عدد من الاستنتاجات، نعرض بعضها في هذا البلاغ، على أن تعكس الرسالة السياسية الصادرة عنه صورة متكاملة عن مجمل أعماله خلال الأيام القادمة.

في الحرب على غزة:

– لئن كان المشهد المأساوي في غزَّة، بعد خمسين يوماً من القتل والتدمير، قد كشف أمام الملأ حجم الإجرام الإسرائيلي الذي فاق كل تصوُّر، فإن إمعانه في ارتكاب كل جرائم الحرب وأخرى ضد الانسانية بحق المدنيين من نساء واطفال، واستهداف المشافي وقوافل النازحين، وقطع كل مقومات الحياة عنهم، كان يفضح في كل لحظة نوازع الانتقام والعنصرية والتطرف، تعويضاً عن الفشل وطمعاً في استرداد هيبة وردع مفقودين، ويفتح الباب للتساؤل عن حقيقة الدوافع الإسرائيلية، وعن سرَّ هذا الحشد الدولي غير المسبوق تأييداً لجرائمه، وبأن أهدافه تتجاوز القضاء على حماس لتتَّجه نحو إفراغ المناطق الفلسطينية من أهلها وتشريدهم في أصقاع الأرض، وصولاً إلى دفن كل محاولة لبعث القضية الفلسطينية من جديد.

– مع إيماننا المطلق بعدالة القضية الفلسطينية ومشروعيتها بوصفها قضية وطنية عربية، وإقرارنا بحق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال لتحرير أرضه وتقرير مصيره، لكننا أمام سوداوية المشهد، وبعدما يقرب من خمسين ألف ضحية بين شهيد وجريح، وتهجير نصف سكان غزة وتدمير عمرانها، يحق لنا أن نتساءل عن حجم المكاسب التي حققها هذا الشعب الذي يدفع الثمن قتلاً وتدميراً وتشريداً، في وقت يتزايد فيه القلق على المستقبل، وتنهض أمامه أسئلة المصير، بعد أن أبدى العرب كل أشكال التخاذل والتخلِّي عن المسؤولية، وتنكَّر له دعاة المقاومة وأصحاب فيلق القدس، وتركوه فريسة لآلة القتل الإسرائيلية، وتكشفت أمامه أُكذوبة وحدة الساحات، بعد أن دفع الحفاظ على المصالح أصحابها للإعلان عن براءتهم وحيادهم استجابة للطلب الأمريكي والإسرائيلي.

– على الرغم من أن القضية الآن لم تعد محصورة في حق حماس أو غيرها في الإقدام على عمل عسكري ضد الاحتلال لكسر حصاره وإعادة الاعتبار لقضية طال تجاهلها، فإننا لا نخفي نقدنا لحماس في تفردها بالقرار وتكريس الانقسام الفلسطيني، كما يدفعنا حرصنا وكذلك مخاوفنا من مغبة التفريط بالقرار الوطني المستقل، وألَّا يصبح مصير الشعب الفلسطيني رهناً لتصرف وقرار هذه الجهة أو تلك بعيداً عن الإجماع الوطني وعن إرادة هذا الشعب بكل أطيافه، أو أن تترك قضية بهذا الحجم من المشروعية والعدالة ورقة للاستثمار لصالح أطراف خارجية، أو إدخالها في لعبة صراع المشاريع الإقليمية تحقيقاً لبعض المصالح الضيقة على حساب كفاح الشعب الفلسطيني.

انتفاضة السويداء : بعد أكثر من مائة يوم على انطلاقتها، تواصل انتفاضة السويداء فعالياتها بمزيد من التنوِّع والزخم الشعبي، وتشهَد ساحة الكرامة -حيث التجمع المركزي للثوار- إضافة للمظاهرات والاعتصامات المسائية في جميع القرى والبلدات، مستويات متزايدة من المشاركة المجتمعية من الشباب والنساء ومن تجمعات المحامين والمهندسين والمعلمين والمدرسين والأدباء ورجال الدين و أبناء العشائر ومن العاملين في حقل الصحافة والإعلام إلى جانب الفعاليات الاقتصادية، وسط إجماع شعبي كبير بأن لا تراجع عن الانتفاضة حتى تحقيق أهدافها في الحرية والكرامة وإسقاط النظام، والتأكيد على أولوية الانتقال السياسي وتطبيق القرار الدولي 2254 . ولا تزال تصريحات ومواقف الشيخ حكمت الهجري، والدور الذي يضطلع به الشيخ الحناوي في مواجهة التحديات والتصدي لمحاولات إثارة الفتنة، تعطي المزيد من الزخم والتلاحم في أوساط الناشطين، بعد أن تحولت مضافاتهما إلى معقل وطني لاستقبال مختلف الوفود والفعاليات.

في الحالة الوطنية العامة:

ما تزال الأوساط الاجتماعية والسياسية والثقافية في مجمل حواضن الثورة، تعاني على نحو متزايد، حالة من التبدد والانقسام في الداخل والخارج. وتبدو الأوضاع الداخلية متجهة نحو مزيد من الاهتراء والتآكل على كل المستويات، ومع كل الكوارث الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية التي يتخبط بها السوريون في جميع مناطق سلطات الأمر الواقع، حيث تسود الفوضى وسلطة المافيات مع غياب كامل للدولة والقانون، ومع عدم توَّفر الحد الأدنى من الأمن والكفاية والاستقرار، ربما كان أسوؤها في مناطق النظام. أما القضية السورية فما تزال مركونة على رفِّ القضايا المؤجلة دولياً، وتحرص القوى العسكرية الدولية وملحقاتها على ضبط التصعيد بينها، والاكتفاء بتبادل الرسائل السياسية بالسلاح، مما يرسِّخ حالة الاستنقاع للأزمة مع بقاء حلِّها مرهوناً بالتوافقات الدولية أو في تقاطع مصالحها. وحده الملف القانوني يقع تحت دائرة الضوء، ويلقى بعض الاهتمام من الأوساط الدولية والمنظمات الحقوقية. صحيح أن انتفاضة السويداء التي جاءت بالتزامن مع فشل المبادرة العربية قد أذَّنتْ بقرب نهاية النظام، وبأن استمراره بات مرهوناً بجهود الخارج، إلا أن هذه الانتفاضة وضعت إصبع الشعب المنتفض في عيون النخب الثقافية والسياسية، وكأن لسان حالها يقول (نحن نفعل ما علينا، فماذا أنتم فاعلون؟!).

في تطورات العمل الوطني وآفاقه:

كشفت الحالة المزرية التي تلفُّ مؤسسات المعارضة الرسمية من (ائتلاف، وهيئة تفاوض، وحكومة مؤقته) ما تعانيه من هزالة وتهافت، إن كان من حيث بنيتها أو علاقاتها أو أدوارها، عن عطب بنيوي غير قابل للإصلاح فحالة الرفض الشعبي الصارخ والعزلة الشعبية، وانعدام الثقة وفقدان الوزن لم تكن سوى نتيجة طبيعية لحالة التهاون والتفريط والفساد وسوء الإدارة، الأمر الذي حوَّلها إلى مجرد منصات إعلامية وسياسية للدول المضيفة. كما تنشط في ساحة العمل الوطني منذ أعوام، العشرات من محاولات ومشاريع لبناء الجسم السياسي، لكنها ما تزال في حالة حراك دون نتائج، ويكاد التماثل في المشاريع والأهداف والبرامج يصل حد التطابق، لكن الخلافات تدور حول مهام المستقبل وعلى الأدوار الفردية والفئوية بعيداً عن المهام الجوهرية الراهنة. هذا الواقع المؤلم ما زال يؤشر نحو الثقب الأسود، وهو استمرار غياب مظلة سياسية جامعة تعكس إرادة السوريين، وحامل سياسي يعبر عن تطلعاتهم، ويتمسك بأهداف الثورة وينال ثقتهم، ويشكل رأياً عاماً وطنياً يلتفون حوله. ويستطيع الاستثمار في المتغيرات الدولية والإقليمية، لدرجة أن البعض اعتبرَ غيابه هو الوجه الآخر للتخلي والتواطؤ الدوليين.

دمشق أواخر تشرين الثاني 2023

اللجنة المركزية

لحزب الشعب الديمقراطي السوري