بــلاغ صادر عن اجتماع اللجنة المركزية


  عقدت اللجنة المركزية اجتماعها الدوري أوائل شهر شباط 2023. بدأ الاجتماع بالوقوف دقيقة صمت حداداً على أرواح ضحايا الزلزال الذي ضرب الساحل والشمال السوري وجنوب تركيا. ناقشت بعدها جدول أعمالها المتضمن: كارثة الزلزال وانعكاساته على السوريين وقضيتهم، وقضايا سياسية وتنظيمية، وتقرير عن أوضاع منظمات المهجر ولجنتها، وتقررين عن العمل مع القوى الوطنية و”المنتدى الديمقراطي الاجتماعي في العالم العربي “، وتقارير من بعض المحافظات. وتوقفت عند التقرير السياسي الذي يعالج المستجدات الدولية وخاصة الحرب الأوكرانية وانعكاساتها العالمية، وعلى ميزان القوى الدولي والإقليمي الراهن وعلى أزمتي الطاقة والغذاء. كما توقفت عند الأوضاع الداخلية والأزمات التي يعانيها المواطن نتيجة سياسات نظام الأسد التدميرية وانعكاسها على حياة الناس ومعيشتهم. والانعطافة التركية والتطبيع مع نظام الأسد، وتطرقت إلى الوضع العربي والإقليمي وانتفاضة الشعب الإيراني لما لها من انعكاسات على الواقع السوري، وخلصت إلى العديد من الاستنتاجات نعرض بعضها في هذا البلاغ. وسوف يصدر التقرير السياسي كاملاً خلال الأيام القادمة. 

1- طغت تداعيات الزلزال المدَمر وما أحدثه من كوارث وأهوال على كلِ ما عداها من أحداث طوال الأسبوع المنصرم، وبعد أن تكفل مع هزَاته الارتدادية المتكررة بنشر فواجعه ومآسيه في جنوب تركيا ومدن الشمال والساحل السوري ومحافظة حماه، متسبباً بقتل وجرح وإصابة ما يقارب المئة ألف إنسان حتى الآن. وسوف نكتشف كلَ يوم بل كل ساعة أن حجم الكارثة يفوق التوقعات، وأنَ نتائجها وفواجعها ستترك آثاراً عميقة في حياتنا ولسنوات طويلة. أودى الزلزال حتَى الآن بحياة أكثر من35 ألف إنسان، بينهم قرابة 5000 ضحية داخل سورية، عدا عن ألوف الضحايا والمصابين السوريين في تركيا. وسجلت الأمم المتحدة ومؤسساتها المعنية تقصيراً فاضحاً في إيصال الإغاثة لمستحقيها بالوقت المناسب. إذ لم تشهد مدن الشمال السوري المنكوبة أي دورٍ انقاذي أو إغاثي في الأسبوع الأول، مسجِلةً مع المجتمع الدولي فصلاً جديداً من فصول تقاعسهم وتخاذلهم عن حماية حياة السوريين، مقتربةً من حدود التواطؤ بحجَة عدم مخالفتها للقرارات الدولية، بينما وصلت عشرات الطائرات الإغاثية وحطَت رحالها في مطارات دمشق وحلب واللاذقية، وكذلك العديد من الوفود والاتصالات التي تواردت لتعزية الأسد بالضحايا. وهو يعوِل عليها كثيراً مع حلفائه كمنفذٍ لإنهاء عزلته العربية والإقليمية والدولية والمطالبة برفع العقوبات. بينما ملايين السوريين الذين تكدَسوا في المنافي والمخيَمات هرباً من بطشه واجرامه وبراميله المتفجرة، هم أكثر من تلقى نتائج الزلزال المدمِر.

يبقى من حقِ المنكوبين أن تحتضنهم فرق الإنقاذ الأممية والدولية -ولو وصلت متأخرة- بتوفير مراكز إيواء تجمع مشرديهم وتقيهم غوائل البرد والجوع، وتعالج المصابين منهم، كي لا يبقى المنكوبون ضحية الخذلان ونظام الأسد مرتين. لأن السوريين خبروا هذا النظام ولم يكن موقفه وسلوكه مفاجئاً لهم، اذ كيف يسعى لإنقاذهم بعد أن قتلهم ببراميله وسلاحه الكيماوي، ودمَر منازلهم فوق رؤوسهم وشرَدهم في كلِ أصقاع الارض!

 في هذه المحنة السوداء التي ألمَت بشعبنا السوري لا بد لنا أن نرى عظمة هذا الشعب في مقاومة ثقافة الموت وحب الحياة عبر جهود وتضحيات منظمة الخوذ البيضاء لما قدمه رجالها من عمل وطني وبطولي، ومعهم مئات المتطوعين من الشباب السوري، بالرغم من قلة الإمكانيات والظروف الشَاقة، وكذلك الروح الوطنية الخالصة التي تجلت في مبادرات التضامن الأهلي والأخوي بين السوريين بكلِ ما انطوت عليه من نبلٍ وشهامة.

2- أصبحت الحرب الأوكرانية ذات طابع وتأثير دوليين، ورغم أن إيران باتت جزءاً من هذه الحرب بمسيَراتها وصواريخها، إلا أنها إلى الآن غير قابلة للتوسع بسبب قوة الردع النووي المتوفر لدى الطرفين، ومن الواضح أن طرفي الصراع يتجنبانه لأنه يعني دماراً شاملاً لن يكون لمصلحة أحد. من جانب أخر لا نرى جهات أخرى لديها الرغبة بالتدخل في الصراع الدائر بين الطرفين بما فيها الدول الكبرى، وخاصة الداعمة للطرف الأوكراني. كما يمكن القول إن الحرب مرشحة للاستمرار بمعركة عض الأصابع الدامية لصعوبة الخيارات المطروحة. وستبقى في المرحلة الراهنة جرحاً مفتوحاً على كل الاحتمالات. تراكم الضحايا البشرية واللاجئين، وتستنزف الخسائر في الاقتصاد والبنى التحتية، وستبقى مستأثرة باهتمام العالم على حساب القضايا الأخرى ومنها قضيتنا السورية. لكن يبقى الاستنتاج الجوهري، يكمن في أن من رحم هذه الحرب يولد عالم جديد.  عالم يتراجع فيه الدور الروسي على كثيرٍ من الصعد. فلقد تضاءل نفوذها الدولي وأدوارها الإقليمية وتقلصت شراكاتها. وكذلك انتفاضة الشعب الإيراني على نظام الملالي الفاشي في طهران وإرهاصات تراجع نفوذها في الشرق الأوسط، ليبدو انهيار القوة الروسية، وتراجع إيران الاستراتيجي، وقائع على الطريق. 

3-يتصدر ملف التقارب بين أنقرة ونظام الأسد واجهة التطورات السياسية. رغم وصوله لمستوى اللقاء الثلاثي الذي عقد في موسكو برعاية وإدارة روسية كخطوة على طريق اجتماع وزيري الخارجية تمهيداً لقمة تجمع الرؤساء. ولا نرى أن هذه الخطوة مفروشة طريقها بالورود، نظراً لطبيعة الصراع وحجم التناقضات بين الطرفين، مع رفض واشنطن والأوربيين لأي تطبيع مع نظام الأسد قبل الوصول لحل سياسي وفق قرار مجلس الأمن 2254. خاصة وأن الأجندة الروسية هي من تقف وراء هذا الملف لمواصلة جذب تركيا إلى جانبها طمعاً في توطيد الشراكة معها وبناء القواسم المشتركة، في محاولة لتخفيف وطأة الحصار والعقوبات.

وإذا كان من جملة أسباب الاستجابة التركية هي الحفاظ على مصالح كثيرة باتت تربط أنقرة بموسكو، فإن هاجس الأمن القومي وضرورة وضع حد للتهديدات القوى الكردية الانفصالية إلى جانب ضرورة التخفيف من أعباء اللاجئين السوريين، يشكّلان مركز الثقل في مواجهة الاستحقاق الانتخابي التركي، بعد أن أدرك بوتين أن فوز أردوغان يصب في مصلحته. أما الأسد الذي ينصاع لرغبة حليفه الروسي، فهو يتعطش لجرعة إنعاش تنقذ نظامه المتهالك تحت وطأة الانهيار الاقتصادي والعزلة السياسية، ويبحث باستماتة عن كل ما يجنبه المصير المحتوم بعد أن رفض الروس والايرانيون مده بما يخفف من وطأة أزماته الاقتصادية والمعاشية الخانقة، بسبب انشغال كل منهما بأزماته الخاصة.

  وإذا كان من الطبيعي أن تحتشد تظاهرات السوريين في مختلف مدن الشمال للتعبير عن غضبتهم إزاء مشروع المصالحة مع النظام، ويستشعرون الخطر جراء هذا التقارب ليقينهم أنه لابد أن يكون على حساب قضيتهم، وأنه سيرمي عرض الحائط بتضحياتهم وآلامهم وآمالهم، وهم يتذكرون أن مسيرة الانعطاف التركي ليست جديدة بل سبقتها صفقة حلب الشرقية وصولاً إلى مسارَي أستانا وسوتشي، وانزلاقها الى الحل الروسي الإيراني رغم معرفة الجميع بأن الحل السياسي يستوجب رحيل نظام الأسد المتوحش. 

4-بغزو أوكرانيا، انهارت التوافقات السابقة في سوتشي والقدس وتفويضات الولايات المتحدة لروسيا بالشأن السوري، بل أصبحت هزيمة بوتين، هدفاً للولايات المتحدة. تضغط على دول الإقليم، بما فيها إسرائيل، لحسم التحالفات الإقليمية وتكون الأولوية للولايات المتحدة. فـ”إما معنا أو ضدنا”.  كما أدى انسداد الأفق أمام المَخرَج العسكري المشرّف لبوتين إلى إضعاف القوة الروسية بشكل استراتيجي. فلم تعد روسيا تملك القدرة على دعم نظام الأسد في أزمته الاقتصادية، مما يخلق فراغاً استراتيجياً. يغري أردوغان للتفكير بما بعد روسيا، وتحضر إسرائيل لتصعيد إقليمي أبوابه العربية مفتوحة. وعلى إيقاع هزيمة الروس تتحرك القوى الدولية. 

  أمام هذا الواقع، لا تزال سياسة إدارة بايدن، تجاه القضية السورية غامضة. فباستثناء البيانات والنوايا الحسنة، لا نجد لديها حتى الآن أي خطة أو رؤية تجاه هذه القضية. وقد ألحق التردد والتقلب الأميركي الطويل، ضرراً كبيراً بالسوريين وقضيتهم وبالمنطقة وحتى بأميركا ومصداقيتها. وهي تترك العنان للتفاعلات الإقليمية والسورية، لعل حراك الوقائع يفرز جديداً يمكن البناء عليه.  

  صحيح أن لا حرب في سورية من دون القوى المحتلة، وأن لا سلام فيها، من دون السوريين. لكن السوريين هم الحلقة الغائبة في الصراع، وفي ظل استمرار غيابهم، تبقى قضيتهم على رف القضايا المؤجلة. أو تعمد القوى الدولية لخياطة الجرح السوري بقيحه، وبعيداً عن مصالحهم وطموحاتهم بالحرية والكرامة والعدالة، وهذا يعني عودة الصراع إلى المربع الأول، لتعاود دورة العنف والتفكك من جديد. ومع ذلك، يبقى السوريون هم الغائب الحاضر، وقبل فوات الآوان، يحتاج السوريون إلى بديل وطني. يتمسك بقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، ويتمسك بأهداف الثورة والقرار الوطني المستقل وصياغة عقد اجتماعي جديد للشعب السوري. 

دمشق أواسط شباط 2023

                                                                                اللجنة المركزية 

                                                       لحزب الشعب الديمقراطي السوري