بــلاغ!

  عقدت اللجنة المركزية اجتماعها الدوري أواسط كانون الأول 2021. ناقشت جدول أعمالها المتضمن قضايا سياسية وتنظيمية ونشاط الرفاق في المهجر. والتحضيرات لعقد مؤتمر منظمات المهجر. كما بحثت موضوع عقد المجلس الوطني للحزب والتحضير له. وتوقفت بعدها عند تطورات الوضع الداخلي والأزمات التي يعانيها المواطن نتيجة سياسات النظام التدميرية، وانعكاس ذلك على حياة الناس ومعيشتهم. كما ناقشت الأوضاع الميدانية والسياسية المتعلقة بالشأن السوري، والنشاطات الدولية والإقليمية في ظل عدم اهتمام إدارة بايدن بالملف السوري. كما تطرقت إلى الوضع العربي والإقليمي لما لهما من انعكاسات على الواقع السوري وخلصت إلى النتائج التالية: 

1-بعد أكثر من عشر سنوات من التدهور الاقتصادي المتسارع لنظام الأسد، والذي ينعكس اليوم بصور مأساوية على حياة السوريين ولقمة عيشهم ومعيشتهم عموماً. يبدو أن الأسد وحلفاءه ماضون بشكل ممنهج لدفع البلاد نحو التدمير الشامل على كافة الصعد والمستويات، من خلال افقار الناس وتجويعهم وحصارهم اقتصادياً ومعيشياً عبر مافياته التي تسيطر وتحتكر تجارة المواد الأساسية للمواطنين. وكذلك الرفع المستمر لأسعار المواد الغذائية والخدمات والغاز والمازوت والبنزين. إن مفاعيل هذا النهج على السوريين لم يعد يقتصر على ولادة طوابير الانتظار سعياً وراء قوت يومهم، ولا على انسحاق مداخيلهم أمام توحش الأسعار وموجاتها المتكررة في الارتفاع، وازدهار السوق السوداء التي تبسط هيمنتها على توفير السلع والتحكم بأسعارها، ولا على سقوط 92% منهم تحت خط الفقر والعوز، ونسبة بطالة 50%، ولا ارتفاع الضرائب. بل تعدته لتصبح مقدرات وأرزاق السوريين تحت رحمة قرارات الأسد وإجراءاته المافيوية، بدءاً من القانون رقم (15) لتنظيم استيفاء ضريبة البيوع العقارية، وقرارات الحجز الاحتياطي الكيدية على ممتلكات تجار وحرفيين وصناعيين ورجال أعمال وشركات شملت أكثر من 2000 قرار في دمشق و 650 في حلب، وإجراءات أخرى لا مجال لحصرها، لكن هدفها واحد وهو الاستيلاء المنظم والقانوني على أموال السوريين وأملاكهم لدعم خزينة الدولة الخاوية، في حين تواصل الجمارك وحماية المستهلك وعناصر المكتب السرِّي التابع للأسد تنفيذ حملات تستهدف المصانع وورشات العمل ومخازن التجار ومحلاتهم في عدد من المناطق الصناعية في دمشق و حلب مما دفع بعشرات الآلاف من التجار والصناعيين لإغلاق محالهم ومغادرة البلاد.

تتعمق أزمة نظام الأسد في ظل انعدام الموارد المالية لدية، ويعيش حالة من الاهتراء والتمزق في صفوفه وصفوف الموالين له. فتتصاعد الصراعات بين مراكز القوى وزعماء الميليشيات المحسوبة عليه، بالتزامن مع استمرار في انهيار الليرة السورية أمام العملات الأجنبية، التي وصلت إلى حدود 3500 ليرة سوريا للدولار الأمريكي. حيث فقدت 95% من قيمتها، ووصلت نسبة التضخم إلى أكثر من 750%، وانخفاض القدرة الشرائية لدى أكثرية السوريين، الذين يقفون اليوم عاجزين عن تلبية الحد الأدنى من مستلزمات العيش. أن مؤشرات الواقع المعيشي للسوريين باتت خارج قدرة الناس على التحمل أكثر. وهذا ما ينذر بتداعيات اجتماعية مأسوية إن لم نقل كارثية، في ظل إصرار النظام على تدمير حياة السوريين، ومستقبل أبنائهم ورهن البلاد لقوى الاحتلال كي يستمر في السلطة.

2- ما يزال التلاعب الدولي والإقليمي بمصير سوريا وشعبها مستمر خدمة لأجندات الدول المتدخلة فيها، وجعلها ساحةً للتنافس والصراع وحروب لتقاسم النفوذ وتصفية الحسابات على حساب السوريين ووطنهم ومستقبلهم، والضرب عرض الحائط بمصالحهم في السيادة والاستقلال والحرية وبناء دولتهم الحديثة القائمة على المواطنة المتساوية. 

3-ما يزال الملف السوري معلقاً منذ تولي إدارة بايدن السلطة في البيت الأبيض، وسياستها غير واضحة حياله، رغم أن واشنطن ما تزال متمسكة بمواقفها المعلنة، وملتزمة نظرياً بالتوصل إلى حل سياسي وفق قرار مجلس الأمن 2254، ورفضها تمرير الحل السياسي الروسي في سورية. ولكن لا تبذل مساعٍ دبلوماسية وسياسية جادة لترجمة مواقفها إلى إجراءات عملية واضحة وملموسة. لأن أولوياتها في منطقة الشرق الأوسط تتمثل في مفاوضات فيينا والتوصل إلى اتفاق جديد مع إيران حول ملفها النووي وملحقاته، وهذا يعني أنّ سورية ليست أولوية لإدارة بايدن، وإنما تقع ضمن حلّ أزمات منطقة الشرق الأوسط. يبدو أن إدارة بايدن في الآونة الأخيرة، قد أخذت تبلور أهدافها في سورية. حيث تحدث وزير الخارجية الأمريكي، بلنكين، عن سورية، قالاً: إنّ واشنطن سوف تسعى إلى “…المضي نحو تسوية سياسية أوسع للصراع السوري، تتماشى مع قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254”. مع التأكيد على أن “ما لم نفعله وما لا ننوي فعله هو التعبير عن أي دعم لجهود تطبيع العلاقات أو إعادة تأهيل الأسد، أو رفع أيّ عقوبة مفروضة على نظامه، أو تغيير موقفنا لمعارضة إعادة إعمار سورية قبل إحراز تقدّم لا رجوع فيه، نحو حلّ سياسي نعتبره ضرورياً وحيويّاً. وفي مؤتمر بروكسل أكد المبعوث الأميركي للملف السوري، أن واشنطن «لن ترفع العقوبات عن دمشق»، و«لن تطبع» معها، و«لن ترسل إشارات خاطئة» لها. ومؤخراً تحدث مسؤولون أميركيون في جلسات مغلقة؛ عن انتهاء المؤسسات الأميركية من مراجعة سياساتها بشأن سوريا، والوصول لصيغة نهائية لأولويات واشنطن فيها، وتتضمن خمسة أهدافٍ أساسية، لا تشمل إخراج إيران من سوريا، يبدو أنّ هذا هدف تكفلت به إسرائيل بالتنسيق مع الروس. والأهداف هي، أولاً: الإبقاء على الوجود العسكري في شمال شرقي سورية ومنطقة التنف، واستمرار محاربة داعش والمجموعات الإرهابية الأخرى حتى هزيمتها. ثانياً: توسيع وصول المساعدات الإنسانية عبر الحدود. ثالثاً: وقف إطلاق النار شامل. رابعاً: دعم محاسبة النظام السوري على جرائمه، والحفاظ على المعايير الدولية فيما يتعلق بحقوق الإنسان، وتجريده من أسلحة الدمار الشامل. خامساً: دفع مسار التسوية السياسية وفق قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254. مع حرص واشنطن على دعم واستقرار الدول المجاورة لسورية وتعني إسرائيل والأردن. والخلاصة؛ لا تطبيع مع الأسد، ولا لإعادة تأهيله، كما يسعى الروس وحلفاؤهم ويروجون له. لكن لا توجد مساعٍ جادة من جانب واشنطن، لترجمة مواقفها المعلنة إلى إجراءات عملية ملموسة، توقف المأساة السورية، وهذا ما يدل على أنه لا حلّ سياسيّ للقضية السورية، يلوح في الأفق. 

4- تقع سورية في أولويات روسيا، الشرق أوسطية، التي ترتبط ارتباطاً مباشراً بجهودها لاستعادة مكانتها في النظام الدولي. واستخدمت سورية إلى حدٍ بعيد لخدمة أهداف سياستها الخارجية، وخاصة في علاقاتها المضطربة مع الغرب، وهي الآن الورقة الهامة بيد موسكو فلو خسرت نظام الأسد؛ فسيعني ذلك فشلها في سورية، لذلك فهي تبذل كلّ ما لديها من إمكانات سياسية ودبلوماسية وعسكرية كي تبقيه على قيد الحياة، حتى لو كانت البلاد مدمرة واقتصادها منهار. 

ليس هناك من تغيير جوهري في سياسة الاحتلال الروسي اتجاه الملف السوري، لكن هناك تغيّر في الآليات لتمرير مخططاته، وفرض أجنداته، ورؤيته للحلّ السياسي. فموسكو لا تزال ملتزمة بحماية الأسد، وحافظت على سياسة ثابتة اتجاهه، وتبذل ومن خلفها إسرائيل؛ جهوداً كبيرة لإعادة تأهيل الأسد ونظامه؛ عربياً كمدخل لإعادة تأهيله دولياً. كما يطمح الروس إلى حلّ سياسي يضمن بقاء نظام الأسد مع إصلاحات شكلية لا تلبي أدنى مطالب السوريين بالتغيير. ومن ذلك ما طرحته مؤخراً على “الائتلاف” لتشكيل حكومة وحدة وطنية
مناصفة مع النظام؛ برئاسة شخصية معارضة؛ ويبقى الأسد رئيساَ بصلاحيات محدودة. روسيا اليوم أمام واقع جديد، فهي تعاني من مأزق كبير في سورية، ونظام الأسد منبوذٌ داخلياً ودولياً، ويعاني من الانهيار؛ اقتصادياً واجتماعياً، وعاجزٌ عن تأمين رغيف الخبر للسوريين، وأن المراوغة والألاعيب الروسية أصبحت مكشوفة ومبتذلة، وصار لزاماً عليها التفاهم مع القوى الدولية والإقليمية؛ على عملية إنهاء حكم الأسد الذي أصبح من الماضي، وأن تعمل على تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 بشكل كامل، والذي سبق لها أن صوتت هي بنفسها لصالحه.

5-بعد كل ما تعرض له السوريون من كوارث على مدار عقد كامل، ما زلنا نرى العديد من القوى والأحزاب والتيارات السياسية تتصارع حول عناوين هامشية، لتزيد من عمق المأساة السورية، حول علمنة المجتمع السوري أو أسلمته وغيرها، دون أن يدرك هؤلاء أن جهودهم تعمل على تبديد طاقة السوريين، وإشغالهم عن المهمة المركزية، وتعميق حدة الانقسام في صفوفهم، وأن العمل السياسي الوطني اليوم ينطلق من فكرة أننا جميعاً نعيش مرحلة التحرر الوطني في ظل وجود دول احتلال تستثمر في بقاء النظام، وتحتل الأرض وتنهب الثروات، وتحمي عصابة مجرمة تقتل السوريين وتهجيرهم وتصادر حرياتهم وتمنعهم من الانخراط في العمل الوطني. إن المهمة المركزية الآن تجميع طاقات السوريين في تكتل وطني عريض نحو هدف مشترك، وهو الخلاص نظام الإبادة والتوحش الأسدي، وتحرير الأرض السورية منه ومن أعوانه، للخروج بسوريا من النفق المظلم بعد أن باتت معاناة السوريين من غوائل الفقر والجوع والتشرد لها الأولوية وليس الانشغال بشكل الدولة السورية القادمة، أو التنافس على الأيديولوجيات التي ستحكم سورية ومستقبلها. 

دمشق أواسط كانون الأول 2021  

                                                                                                     اللجنة المركزية                                        

                                                                                             لحزب الشعب الديمقراطي السوري