بــلاغ صادر عن اجتماع اللجنة المركزية


عقدت اللجنة المركزية اجتماعها الدوري أواخر أيلول 2022. ناقشت جدول أعمالها المتضمن قضايا سياسية وتنظيمية، وتقرير عن لجنة ومنظمات المهجر. كما ناقشت التحضيرات لعقد المجلس الوطني للحزب. وتوقفت بعدها عند التقرير السياسي الذي يعالج تطورات الوضع الداخلي والأزمات التي يعانيها المواطن نتيجة سياسات النظام التدميرية وانعكاسها على حياة الناس ومعيشتهم. كما ناقشت الأوضاع الميدانية والسياسية المتعلقة بالشأن السوري، وعرجت على المخططات التركية اتجاه الشمال والشرق السوري، وناقشت أيضاً الأزمة الأوكرانية، وزيارة بايدن إلى الشرق الأوسط وقمة جدة، وكذلك قمة سوتشي بين بوتين وأردوغان، وتطرقت إلى الوضع العربي والإقليمي لما لهما من انعكاسات على الواقع السوري وخلصت إلى العديد من النتائج نعرض بعضها في هذا البلاغ. وسوف نصدر التقرير السياسي كاملاً خلال الأيام القادمة.

1- ما تزال الحرب الأوكرانية مستعرة بلا هوادة، ولقد تطورت إلى أزمة عالمية، تؤثر على معظم دول العالم، وعلى ميزان القوى للنظام الدولي الراهن. فبات الغرب يعتبر أوكرانيا خط دفاعه الأول، والأداة التي يحارب الناتو بها روسيا، وأخذ ينظر إلى الحرب الأوكرانية باعتبارها ساحة إنهاك لروسيا وجيشها ونظام بوتين. ولذلك لا أحدً يمكنه التكهن بقرب نهايتها.

      منذ بداية الغزو كانت تصريحات بوتين تعبر عن أحلامه باستعادة أمجاد الإمبراطورية الروسية، حينما ركز على طمس تاريخية الكيان الأوكراني وعلى “نزع سلاح أوكراني وهزيمة جيشها و”اجتثاث قيادتها النازية”. وإعادتها إلى حظيرة النفوذ الروسي، ولكن المقاومة الأوكرانية، والإمدادات العسكرية الغربية، نجحت في إيقاع خسائر فادحة في القوات الروسية المتقدمة إلى كييف، وكذلك استعادت مؤخراً عشرات البلدات من منطقة خاركوف وطردت القوات الروسية منها. لكن المفاجأة لم تكن في الهزيمة الروسية، بل في انسحاب الجنود الروس بسرعة، وترك أسلحتهم ومعداتهم الضخمة ليستولي عليها الجيش الأوكراني. لقد فشل بوتين إلى حد كبير في تحقيق أهدافه السياسية والعسكرية التي أعلنها وخاض الحرب من أجلها. وهذا ما دفعه إلى التهديد بالأسلحة غير التقليدية. كما أن حزم عقوبات الغرب الاقتصادية والمالية الواسعة الطيف، ستكون على المدى المتوسط والطويل مكلفة وكارثية على الاقتصاد الروسي، نتيجة عزلها عن دوائر التفاعل الاقتصادي والمالي العالمي.

2-انعكست الحرب الروسية على أوكرانيا وتداعياتها على جميع الملفات العالقة بين الجانبين الروسي والأمريكي، لاسيما في منطقة الشرق الأوسط، وخاصة الملف السوري، الذي يعاني من غياب مصداقية وجدية المجتمع الدولي في تنفيذ قرارته المتعلقة بالحل السياسي، وهو ما أبقى الأزمة في حالة جمود واستنقاع. وباتت الآن على عتبة تحولات جديدة من الصعب التكهن باتجاهاتها، وأصبحت سورية اليوم ساحة لمزيد من التوتر بين الأطراف الإقليمية والدولية المتداخلة في الصراع، وحتى التفاهمات فيما بينهم قد تتهدد بالفشل في سوريا، من جراء الصراع الروسي الأوكراني. وبالتأكيد أن الملف السوري وتسخينه مرتبط بتطورات المشهد في أوكرانيا. فضلا عن الأشكال التي يمكن أن تأخذها هذه المواجهة وإلى أين ستصل. إلى جانب ما تنذر به تلك الحرب من تداعيات سياسية واقتصادية وعسكرية على الأزمة السورية. 

3-إن زيارة بايدن للشرق الأوسط تمثل عودة جديدة لاهتمام الولايات المتحدة الأمريكية بالمنطقة وبقضاياها، والتي فرضها الغزو الروسي لأوكرانيا، وتطورات التفاوض في الملف النووي الإيراني. إذا كان هنالك من أهمية لقمة جدة فهي تكمن، في رؤية الولايات المتحدة تنقد وتراجع ذاتها لأول مرة وتعترف بأخطائها بلسان رئيسها، وكذلك في رؤية حلفاءٍ لها يستخدمون بصراحة ووضوح لهجة استقلالية في خطابهم السياسي معها. لقد أعادت القمة التأكيد على أولويات المنطقة، وإمكانية التقارب مع الأولويات الأمريكية ولكن هذه الزيارة في نفس الوقت تمثل فرصة جيدة للحوار العربي-الأمريكي، وإعادة تعزيز الثقة وفتح آفاق جديدة للتعاون بين الطرفين، وبما يحقق مصالحهما المشتركة. ولعل ذلك يسهم في تعزيز الموقف الخليجي والعربي عموماً، وقد يسهم مستقبلاً في خلق قوة عربية مستقلة. 

4-تؤكد كل المؤشرات، أن الاقتصاد السوري باتَ اليوم في حالة انهيار كامل وتلاش حقيقي. فبعدَ أن خسرت سوريا مواردها البشرية قتلاً واعتقالاً وتهجيراً ولجوءاً ونزوحاً، خَسِرَت أيضاً مواردها المادية وبناها التحتية، وفرط الأسد بأصولها ومقدراتها، للأنفاق على آلة الحرب والتدمير العسكرية. كما استولت الجيوش والميليشيات الأجنبية المحتلة، على ما تبقى من خيراتها. خسرت سورية حتى الآن ما بين (700-800) مليار دولار من ناتج دخلها القومي، معطوفاً على خسارة احتياطها النقدي المقدر (17) مليار دولار الذي أُنفقَ على العسكرة، وخَسِرَت أيضاً نفطها الذي كان يسهم بثلث الناتج القومي، إضافةً إلى (72%) من قمحها، و (52%) من قطنها. وقد تحولت الآن إلى الدولة رقم (187) بالنسبة إلى مستوى دخل الفرد، والدولة رقم (178) في قائمة الدول الأكثر فساداً في الأرض من أصل (180) دولة. فباتَ من الطبيعي أن تصبح أفقر دولة في العالم.

ومن أهم المؤشرات الاقتصادية، تدهور قيمة الليرة السورية، وتلاشي قيمة دخول ورواتب90 % من الشعب السوري، وارتفاع معدلات التضخم التي تجاوز متوسطها (200%)، وحجم البطالة التقديري الذي تجاوز (80%)، ومؤشر النشاط الاقتصادي الذي لا يعادل سوى (15%-18%) مما كان عليه في 2011، وهبوط مستوى الدخل الشهري للفرد من (275) دولار عام 2011 إلى (18) دولار عام 2022. عدا عن تردّي الخدمات الأساسية من ماء وكهرباء ووقود وخبز، إلى غياب الخدمات الصحية والطبية والدوائية والبيئية مع تراجع خطير في مستويات التعليم وتهالك في البنى التحتية. كما أن حيثيات الواقع المعاش لا تكتفي بتأكيد هذه الأرقام بل تزيد عليها، فالشلل يعم كافة مناحي الانتاج بالتزامن مع شبه انعدام للصادرات. ورغم كل محاولات التلاعب والإجراءات الأمنية والتسول التي لن تجدي نفعاً، ما دفع نظام الأسد لإجراءات الانسحاب التدريجي عن دعم المواد الأساسية، ورفع أسعار السلع والوقود والمواصلات وغيرها، ووقف تمويل المستوردات الأساسية، مع العلم بأن ديون إيران على الأسد بلغت (30-40) مليار دولار، والديون الروسية (40-60) مليار دولار، مما يعني استحالة حدوث أي تحسن في المدى المنظور على حياة السوريين التي وصلت إلى الفقر والجوع، وأي مستقبل أسود ينتظرهم في ظل استمرار الأسد والأسدية. 

5- يزداد المشهد السوري مأساوية وبؤساً وتعقيداً وتهميشاً على كل المستويات، وأصبحت سوريا مرتعاً لجيوش وميليشيات دول الاحتلال، وميداناً لتصفية الحسابات وحروب الوكالة في المنطقة والعالم، وساحة حرب مفتوحة بين القوى المتدخلة، إلَّا أن الأخطر هو تحويلها إلى مادة للصفقات والمقايضات وخاصةً في صراع الغرب مع روسيا في اوكرانيا، ومادةً للتنازلات في مفاوضات الاتفاق النووي مع إيران. في الوقت الذي تتصاعد فيه المواقف الأمريكية حدةً من النظام الأسد وجرائمه بحق الشعب السوري، وتتوعده بالمحاسبة ورفض التطبيع معه، لكنها لا تُتَرجم هذه المواقف إلى أفعال. ولم نشهد أي تحرك، سياسي أو دبلوماسي أو غيرهما، ضد نظام الأسد والاحتلال الروسي. والأزمة السورية ما تزال خارج التداول في مفاوضات “فيينا” حتى التوصل إلى اتفاق يصب في المصلحة الأميركية والإسرائيلية.

 6-عكست موجة التظاهرات الشعبية، التي انطلقت مؤخراً في أكثر من (25) مدينة وبلدة في الشمال السوري موجة، من الاحتقان ورفضاً لتصريحات بعض المسؤولين الأتراك، مردَّدة شعار (لن نصالح) وقد شاركها النداء عدة مدن في درعا والسويداء، كان لهذه لانتفاضة تأثير إيجابي هام على المعارضة السورية، فالحاجة صارت أكثر من ضرورية لولادة حامل سياسي، يعبر عن أفكار الثورة وأهدافها، ويستعيد زمام المبادرة لرسم معالم الحراك الوطني في هذه المرحلة. 

دمشق أواخر أيلول 2022 

                                                                                      اللجنة المركزية 

                                                              لحزب الشعب الديمقراطي السوري