مرّت ثلاثة أشهر على مقتل قائد “فيلق القدس” التابع لـ “الحرس الثوري الإيراني”، قاسم سليماني، بضربة جوية للقوات الأمريكية، أصابته برفقة قائد ميليشيا “الحشد الشعبي” العراقي، أبو مهدي المهندس، وعدد من القادة الإيرانيين والعراقيين، عند عودتهم من دمشق في محيط مطار بغداد الدولي في 3 من كانون الثاني الماضي.
ومنذ اللحظات الأولى لمقتله تنبأ كثيرون بحدوث تغيرات على الساحتين السورية والعراقية، لأن سليماني كان يلعب دورًا مهمًا في إدارة شؤون إيران في المنطقة لسنوات طويلة، إذ يعتبر الرجل مهندس التمدد الإيراني في عواصم دول عربية هي دمشق وبغداد وبيروت.
سوريا.. ثلاث مراحل
الباحث في الشؤون العسكرية ومدير وحدة المعلومات في مركز عمران للدراسات، نوار شعبان، لخص في حديث لعنب بلدي، اليوم، الأحد 5 من نيسان، أثر الفترة التي مضت على مقتل سليماني بثلاثة مراحل، في سوريا.
وقال إن المرحلة الأولى بدأت منذ لحظة مقتله، إذ لوحظ أثر كبير على الميليشيات الإيرانية والتشكيلات الأجنبية الموالية لطهران الموجودة في شرق سوريا في منطقة دير الزور وفي ريفي حلب الشرقي والجنوبي.
ولفت إلى أنه تم رصد قيام هذه الميليشيات بإعادة تموضعها في أماكن وجودها على الفور، خشية من استهدافها من قبل الغارات الأمريكية، التي كانت تنشط في تلك المرحلة في استهداف مواقع الميليشيات الإيرانية في سوريا والعراق.
وأضاف أن إعادة التموضع هذه جاءت بالتزامن مع التصعيد الكلامي من الجانب الإيراني الذي حمل لهجة الوعيد والتهديد للانتقام لمقتل سليماني ورفاقه.
وقال شعبان إن من جملة إعادة التموضع هذه، شهدت قاعدة النيرب العسكرية في ريف حلب عملية إفراغ من قبل الميليشيات الإيرانية، كما أخليت نقطة عسكرية مهمة لميليشيا “زينبيون” عند محطة “ت2” في ريف دير الزور، وأحل مكانها عناصر من “القوة 313” وهي قوة محلية تابعة لميليشيا “الدفاع الوطني”.
واتبعت إيران سياسة إبعاد الميليشيات الأجنبية التابعة لها في سوريا، عن عدة قواعد واستعاضت عنها بقوة محلية، تجنبًا للاستهدافات الأمريكية التي كانت متوقعة في هذه المرحلة، بحسب الباحث.
أما المرحلة الثانية، وفق شعبان، فقد بدأت بعد نحو شهر من مقتل سليماني، حيث أصبح الوضع شبه مطمئن لتلك الميليشيات بالنظر إلى التهديدات الأمريكية.
وقال إن الميليشيات الإيرانية عادت إلى قواعدها التي غادرتها في المرحلة الأولى، ولكن ليس بالصورة التي كانت عليها سابقًا، وفق تقديره.
المرحلة الثالثة فهي تحدث الآن، بحسب شعبان، الذي ربطها بجائحة فيروس “كورونا” (كوفيد -19)، قائلًا إن الميليشيات الإيرانية تعمل في هذه المرحلة على إبراز جانبها المدني والطبي أمام الناس، من خلال تقديم المساعدات للتغلغل أكثر في بنية المجتمع.
العراق.. انتهاء دور الوكلاء
في الشق العراقي المتعلق بتأثير موت سليماني، رأى الخبير في العلاقات الدولية الدكتور العراقي عمر عبد الستار، في حديث لعنب بلدي، اليوم الأحد، أن غياب سليماني عن المشهد العراقي يُقرأ على أنه نهاية عصر الوكلاء في المنطقة، الذي كان سليماني هو قائده.
واعتبر أن التخلص من سليماني يعني التخلص من عهد “الأعدقاء” (نصف عدو ونصف صديق) وفق وصف عبد الستار.
وقال، “في الأساس مقتل سليماني كان رسالة إلى كل من رئيس النظام السوري بشار الأسد والرئيس اللبناني ميشال عون ورئيس الوزراء العراقي السابق عادل عبدالمهدي”.
بغياب سليماني، فإن جميع التكتيكات الإيرانية في المنطقة لم تعد نافعة، بحسب عبد الستار، وتساءل “هل بانتهاء زمن الوكلاء سيبدأ زمن الأصلاء؟”.
وقال إن هناك مؤشرات على أن إيران تريد التدخل مباشرة في العراق، وقد نجد “الحرس الثوري” في العراق قريبًا، وفق قوله.
وأوضح رأيه بالقول، إن دور إيران كوكيلة في العراق انتهى، ويوضح ذلك عدة متغيرات على الأرض، منها عدم قدرة العراق إلى الوصول إلى تشكيل حكومة جديدة تقود البلاد، إذا تريد إيران أن تكون الكتلة الشيعية الأكبر في البرلمان هي من تشكل الحكومة وهذا غير متاح، كما عطلت إيران التحالفات الشيعية- الكردية، لعرقلة أي تشكيل.
ولفت عبد الستار إلى أن كلمة وكلاء إيران في العراق باتت متفرقة، مشيرًا إلى القياديين الشيعيين مقتدى الصدر ونوري المالكي.
وختم حديثه بالإشارة إلى أن العراق شهد بعد مقتل سليماني قيام إيران بانشاء فصائل جديدة استعدادًا للبدء بما يسمى “المقاومة الإسلامية في العراق” ضد الوجود الأجنبي، مشيرًا إلى أن هذه الفصائل تجمع بين السنة والشيعة.