لم تكد تمضي ساعات على نشر مقالنا الأخير الذي حذّرنا فيه من مخططات النظام الخبيثة لبثّ الفتنة في السويداء، حتى خرج إعلام الأسد برواية، فيما يبدو هي ذروة محاولاته لتحويل السويداء إلى مسلخ يذبح فيه الدروز بعضهم بعضاً.. إذ اتهم النظام مشايخ الكرامة وحمّلهم مسؤولية خطف ومقتل أمين فرع الحزب ورئيس اللجنة الأمنية في السويداء شبلي جنّود، وساق النظام ادعاءاتٍ نشرها في وكالة سانا.. وساهمت الصفحات الأمنية بالترويج لها، مفادها أن “جنّود” احتُجز في مضافة قائد رجال الكرامة الشيخ رأفت البلعوس في بلدة المزرعة.

أكمل النظام فبركاته، بحبكة شبيهة بما يعرض في السينما الهندية، حيث زعم أنّ الطبيب عاطف ملّاك وهو من أبناء السويداء اعترف بعد اعتقاله على يد أجهزة الأمن، بأنه تردّد إلى مضافة البلعوس لعلاج شبلي جنّود الذي يعاني من مشاكل في القلب، وقد توفى باحتشاء بعد أيام من اعتقاله، وفق ادعاءات النظام.. هنا لا بدّ أن نسأل القارئ: فيما لو فكّر أحدٌ باختطاف شخص ما.. هل يحتجزه في مضافته المعروفة والتي يتردّد عليها الكثير من الناس؟.. أعتقد أنّ مجرّد التفكير بذلك هو ضرب من الحماقة والغباء، لا يقدم عليه إلا أعمى البصيرة.. ناهيك عن أن الحديث هنا هو عن اختطاف أعلى منصب في المحافظة “أمين فرع الحزب ورئيس اللجنة الأمنية”.. إذاً من البديهي، القول أنّ الجاهل فقط هو من يصدّق هذه الأكذوبة.

بالنظر إلى رواية النظام أعلاه، يمكن تبيّن مدى الخطورة في هذا المخطط الخبيث، حيث يسعى النظام، كما يبدو، إلى خلق فتنة “درزية درزية” عبر إثارة النعرات بين عائلات الجبل، وتأليبهم على بعضهم البعض، وهو بذلك يستكمل ما بدأه قبل مدّة قصيرة باتهام وافد أبو ترابة وآخرين بتنفيذ التفجيرين الإرهابيين بتاريخ الرابع من أيلول الفائت، والذين أودى بحياة الشيخ وحيد البلعوس وعشرات المدنيين.. وهنا لا بدّ من الإشارة إلى أنّ البلعوس كان مصدر قلق وإزعاج للنظام بوقوفه في وجه إساءات الأجهزة الأمنية وحواجزها للأهالي في السويداء، فضلاً عن حمايته لشباب الجبل الذي يرفضون الالتحاق بالخدمة العسكرية.. حتى أنّ الرجل تحدّث مرات عدّة عن معرفته بنيّة المخابرات تنفيذ عملية لاغتياله.

لم ينتهي خبث النظام عند هذا الحد، بل هناك ما هو أخطر من ذلك ، فقد سُرّب حديثاً شريطٌ مصورٌ يجمع مشايخ العقل الثلاثة حكمت الهجري ويوسف جربوع وحمّود الحناوي مع رئيس فرع الأمن العسكري وفيق ناصر، في مكتب الأخير، وقد بدا الرجل يتحدّث للمشايخ وكأنه يخاطب عناصره في الفرع.. أخطر ما دار في الحديث هو التفويض العلني والرسمي الذي منحه مشايخ العقل لوفيق ناصر بإطلاق يده في السويداء لفعل ما يشاء.. أي كما قال وفيق ناصر حرفياً اجتثاث رجال الكرامة كمصطلح وقوة مسلّحة على الأرض، بل وأكثر من ذلك إعطاءه ضوءاً أخضر لاعتقال أي شخص مدنياً كان أم متديناً، واقتحام كل منزل.. وإزالة الحواجز التي يتولاها رجال دين دروز وتجريدهم من سلاحهم.. ما يعني أن وفيق ناصر بات اليوم يملك تفويضاً من أعلى سلطة دينية درزية، لاستباحة كرامات وأعراض الدروز في السويداء.. كلام الرجل كان واضحاً.. وفي المقابل كانت ردود الفعل رافضة ومستنكرة، إن كانت على مواقع التواصل الاجتماعي، أو على الأرض، إذ أعلنت جماعات درزيّة مسلّحة -بعضها محسوباً على النظام- أنها لن توجّه سلاحها باتجاه أهلها ولن تسمح لأحد بدخول أي بيت في الجبل..

من الأكاذيب التي سردها وفيق ناصر خلال اجتماعه بمشايخ العقل في فرع الأمن العسكري، أنّه يوم اغتيال البلعوس كان يتجمّع أكثر من 700 مسلّح من قرى درعا القريبة، ويرتدون الزي الدرزي من أجل الدخول إلى الجبل، علماً أنّ الدروز ليسوا ساذجين كي لا يميزوا بين الغريب وابن الدار ، فكيف والحديث عن 700.. السؤال هنا: كيف انطلت هذه الكذبة على من يدّعون أنهم “صفوة العقل” لدى الدروز؟؟!!.

ما يثير استغراب الكثيرين اليوم، هو مدى الإذلال والخنوع الذي تبدو فيه مشيخة العقل الدرزية، وهي تتآمر، من حيث تدري أو لا تدري، مع غرباء لطالما أرادوا الشر للطائفة، فكما هو معلوم يتحمّل وفيق ناصر مسؤولية مقتل أكثر من 40 شاباً درزياً تحت التعذيب في المعتقلات، ويتذكّر أهالي السويداء حادثة المرأة الدرزية التي أرغمها أتباع وفيق ناصر على الرقص حاملةً صورة بشار الأسد وهي ترتدي الزي الديني، قبل أن يتدخل رجال الكرامة ويضعوا حداً لتلك الإهانة. ولا بدّ هنا من ذكر التهديد الذي أطلقته لونا الشبل مستشارة الأسد الإعلامية خلال لقائها مع عددٍ من شباب الجبل، عندما قالت لهم حرفياً: إذا لم تلتحقوا بالجيش سنسلّط داعش على السويداء.. أيضاً لا يمكن تجاهل حادثة “حاجز الجوية” عندما شتم عناصر الحاجز عدداً من الأهالي وقاموا بإطلاق النار على الحالفة التي تقلّهم، وحينها تدخّل رجال الكرامة وأزالوا الحاجز رداً على تلك الإهانة أيضاً..

حوادث كثيرة يمكن ذكرها كذلك الأمر، مثل النداء الذي وجهه حكمت الهجري لشباب السويداء باسم غيرة الدين والنخوة العربية ليلتحقوا بالجيش.. ووقتها أدرك الشباب الفخ الذي وقعوا به بعد أن تجمعوا في ثكنة سدّ العيّن، عندما عرفوا أنهم سيساقون إلى خارج المحافظة، فما كان منهم إلا أن غادروا ولجؤوا إلى مضافة البلعوس، والذي قام باستقبالهم وتعهّد بحمايتهم. وقد قال الرجل وفعل آنذاك.. هنا نتذكّر كيف عوّض النظام أهالي قتلى الجيش في السويداء برأسي ماعز وقام بنشر صور الأمهات مع الماعز في إعلامه، في مشهدٍ أزعج الجميع لما يحمله من امتهان لكرامة الدروز.

لطالما اتبع رجال الكرامة سياسةً تعتمد على الحكمة والتعقّل وضبط النفس، في التعامل مع كل الاستفزازات التي تعرضوا لها، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، الحرم الديني الذي أصدره مشايخ العقل، بإيعاز من العميد وفيق ناصر، على الشيخ الشهيد وحيد البلعوس، حيث قبل الرجل حينها قرار المشايخ احتراماً لهم ولمكانتهم الدينية.. ورغم ذلك استمرت الإساءات بحق رجال الكرامة ومحاولة الأجهزة الأمنية الإيقاع بهم وجرّهم لمواجهة مع أبناء طائفتهم.. بينما حافظت الجماعة على خطّها العقلاني.. وإن توهّم البعض أن قوتها تراجعت بعد اغتيال قائدها.. إلا أنها في الواقع، فضّلت التسامي على الجروح حفاظاً على السلم الأهلي في المحافظة.

السويداء اليوم في وضع خطيرٍ للغاية، فمن جهةٍ تشهد المحافظة حركة هجرة هائلة على مستوى العائلات والشباب بسبب الفقر والبطالة، والوضع الاقتصادي والخدمي يتّجه للتدهور أكثر فأكثر، حتى أن الخبز الذي تبيعه أفران ما يسمّى الدولة لا يصلح من اسوداده ورداءته علفاً للحيوانات.. أما الآن وقد بات وفيق ناصر، يستعدّ لاستباحة منازل الدروز وأعراضهم في السويداء، بتفويضٍ من مشيخة العقل!، بالتزامن مع معلومات كشف عنها مصدر لبناني للمعارض ماهر شرف الدين، تفيد بأنّ عشرات العناصر المدرّبين من “حزب الله” وصلوا إلى السويداء للمشاركة في العملية الدموية التي يعدّ لها النظام لتصفية الشيخ رأفت البلعوس وبقية مشايخ الكرامة، وسيرتدي هؤلاء المرتزقة، وفق ما كشف المصدر، لباس رجال الدين الدروز للمشاركة مع بعض فصائل الشبيحة الدروز “المتعلونين” في الهجوم، فتبدو الجريمة وكأنها فتنة درزية – درزية… في حين أنها ستكون مجزرة طائفية صرفة..

إذا ما مضى النظام بمخطّطه، فإنه وفق معلوماتنا الدقيقة، يمكن القول أن “شرب فنجان” وفيق ناصر.. بل “فنجان النظام” في السويداء، بات قاب قوسين أو أدنى”.. على يد أهلها باختلاف توجهاتهم..

أورينت نيوز