بعد أن أعلن المشاركون في قتالها – دولاً وميليشيات – هزيمتها النكراء، واحتفلوا بصناعة أمجاد من رمل، تبارك انتصاراتهم على الإرهاب ومنظمته الأشهر والأخطر والأشد كرهًا على الصعيد العالمي، ها هم يستعيدون حضورها في المنطقة من جديد، ويقدمونها بوجه جديد على صورة مهرب دولي للمخدرات كلي القدرة وعابر للحدود، ويلبسونها ثوباً جديداً لا تعجزهم تفصيلاته وتفاصيله؛ لأن (جسمها لبِّيس) ويمكنها أن تقوم بأي ارتكابات وتنفذ أبشع المهمات. والناس تصدق كل ما ينسب إليها من جرائم ومخالفات وموبقات. فبعد استعراضات قطع الرؤوس البربرية والمتوحشة، وإحراق الناس وهم على قيد الحياة، وتجنيد الأطفال وانتهاك الحرمات، ها هي تظهر على شكل مافيا التهريب، التي تعبر الحدود بين الدول بالسهولة والأمان والسلاسة التي ظهر فيها التنظيم على يد البغدادي، وتعزز بقدرات مالية وعسكرية أسطورية.

  لم ينس الناس بعد أن نوري المالكي أهداها مئات الملايين من دولارات المصرف المركزي العراقي، مع عدة وعتاد وأسلحة حديثة فتاكة تعود لثلاث فرق عسكرية عراقية عندما أمر الجيش العراقي بالانسحاب أمامها، وسلمها الموصل. ومشاهد الباصات المكيفة لا زالت في الأرشيف وبحدود الذاكرة، تلك التي وفرها حزب الله اللبناني مع خالص التحية والأمان والرعاية؛ لتنقل مقاتلي داعش الإرهابيين عبر الأراضي السورية بين الحدود مع لبنان والعراق في وضح النهار وتحت أنظار طائرات الدول واستخباراتها. والكل يعرف من أفسح المجال لعصابات داعش في اقتحامها السويداء، وما فعلته من أعمال التنكيل بأهلها؛ بغية تطويع جبل العرب واستزلام رجاله.

الأربعاء الموافق 1 / 7 / 2020 ضبطت الأجهزة الإيطالية عملية تهريب ضخمة في ميناء ساليرنو لتهريب 84 مليون حبة كبتاغون ضمن ثلاث حاويات موزعة على ثلاث سفن، وتقدر قيمتها بمليار دولار. وصفت العملية بأنها أكبر عملية تهريب في العالم. وسبق أن ضبطت كل من اليونان ومصر والسعودية والإمارات شحنات مخدرات مماثلة، وجميعها كانت قادمة من الموانىء السورية في طرطوس واللاذقية.

بعد هذه الوقائع هل يحق لأحد أن يتساءل عن دور النظام السوري في هذه العمليات؟ وهو الحليف العضوي لنوري المالكي وحزب الله. خاصة بعد ورود اسم سامر كمال الأسد (ابن عم بشار) كشريك في هذه الأنشطة، وهويمتلك معملاً لإنتاج الكبتاغون في قرية البصة من محافظة اللاذقية. 

صارت الصورة واضحة؛ حزب حسن نصر الله يشرف على زراعة المخدرات في سهل البقاع اللبناني ويحميها، ويقوم بنقلها إلى الداخل السوري، وهناك تتولى عصابة الحكم الأسدية واستطالاتها تصنيعه وتوضيبه للتهريب. وبعدها تقوم الأجهزة الرسمية في سلطة بشار بتمرير المخدرات عبر الموانىء بشكل خاص وبشهادات تصدير نظامية. وإذا كانت المضبوطات من هذه الشحنات الفضيحة خلال الأشهر القليلة الماضية بهذا الحجم، فلنا أن نتخيل حجم الارتكابات في هذه التجارة التي يقف خلفها نظام الأسد وحلفاؤه، وما تنتجه من تخريب يطال كامل المنطقة وحتى حدود اليمن، وما تورثه من سمعة سيئة عن الموانئ السورية التي مرت بها أو صدَّرتها. بعد هذا هل بقي موقع لتساؤل سائل عمن اخترع داعش ورعاها ووظفها، واستفاد ويستفيد منها؟!