سامر القطريب

ناقوس الخطر يقرع في سوريا مع تحول فيروس كورونا المستجد ومرض “كوفيد-19” إلى وباء عالمي، وتسجيل معظم دول الجوار إصابات بالفيروس، إلا أن النظام السوري كان مصرًا على خلو البلاد المشرعة أمام السياحة الدينية القادمة من إيران والميليشيات الإيرانية، من فيروس كورونا الذي قتل الآلاف في إيران، وأجبر طهران على إطلاق سراح آلاف المعتقلين من سجونها. قبل أن يعلن يوم الأحد عن أول حالة إصابة.
يهدد تفشي الفيروس المعتقلين في سجون نظام الأسد، حيث لم يتخذ النظام أي إجراءات وقائية في معتقلاته المكتظة والتي يموت فيها المعتقلون بأهون الأمراض إن نجوا من عمليات القتل تحت التعذيب، ورغم نكرانه المستمر لوجود أي حالات باستثناء واحدة، أصدر النظام قرارات بإغلاق الجامعات والمدارس والمطاعم وبعض مركز الخدمة، وإلغاء التجمعات والأحداث الثقافية والرياضية.
رئيس فريق منظمة الصحة العالمية للوقاية من الأخطار المعدية عبد النصير أبو بكر، قال إنهم قلقون من عدم إبلاغ نظام الأسد عن إصابات بكورونا، وتوقع “انفجارًا في الحالات”. وأضاف أبو بكر في وقت سابق، في مقابلة مع شبكة CNN الأمريكية، إن “معظم هذه البلدان لديها حالات باستثناء سوريا واليمن، ونحن كمنظمة الصحة العالمية، نشعر بالقلق بعض الشيء، لأن الدول التي قد لا تكون لديها حالات هي ذات (أنظمة) صحة ضعيفة ونظام مراقبة ضعيف”.
وأوضح المسؤول في منظمة الصحة العالمية: “في حالة سوريا.. أنا متأكد من أن الفيروس ينتشر لكنهم لم يكتشفوا الحالات بطريقة أو بأخرى. هذا هو شعوري، لكن ليس لدي أي دليل لإظهاره”، وتابع: “عاجلًا أم آجلًا، قد نتوقع انفجار حالات”، مشيرًا إلى أن “غالبية حالات الإصابة بفيروس كورونا المستجد في الشرق الأوسط تتعلق بالسفر إلى إيران”.
الأمراض تقتل المعتقلين
بحسب قاعدة بيانات الشبكة السورية لحقوق الإنسان فإن هناك ما لا يقل عن 129973 شخصًا لا يزالون قيد الاعتقال أو الاختفاء القسري لدى قوات النظام السوري منذ اندلاع الثورة السورية في آذار/مارس 2011 وحتى كانون الأول/ديسمبر من العام 2019.
وحول التهديد الجديد الذي يشكلة فيروس كورونا المستجد على المعتقلين، يقول فضل عبد الغني مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان لـ “ألترا صوت”، إن “النظام السوري منفصل عن الواقع وهو ينكر وجود إصابات بفيروس كورونا، وذلك جزء من سياسة النظام، الذي يقول إنه لم يقصف المدنيين بالسلاح الكيماوي ولم يعتقل الأطفال، وفيما يخص وباء كورونا يحاول أن لا يكشف أن النظام الصحي في سوريا متهالك”.
ويشدد عبد الغني على أن المعتقلين تحت خطر حقيقي بسبب الفيروس، بسبب اختلاطهم مع عناصر الأمن والضباط الذين يقدمون لهم الطعام، وجميعها تعتبر أدوات لنقل الفيروس، ويتابع قائلًا: “خاصة أن النظام ينكر تسجيل إصابات بالتالي لم يتخذ أي احتياطات، والاحتياطات التي يمكن أن يتخذها تتعلق بحاشيته وقياداته الأمنية وعائلة الأسد، أما المعتقلين فهم آخر ما يهم النظام. في الحال الطبيعية عندما يمرض المعتقل يتعذب وقد يموت تحت المرض”.
ويشير إلى أن نسبة الوفيات بسبب سوء الظروف الصحية في المعتقلات تتجاوز الـ 70 بالمئة، فـ”عندما يمرض معتقل هناك إمكانية لنقل العدوى إلى مئات المعتقلين. وثقنا أسلوب الاكتظاظ في سجون الأسد كأسلوب للتعذيب، حيث لكل معقتل مساحة لا تتجاوز 70 سم للفرد الواحد، وتضم الزنزانة حوالي 25 شخصًا على الأقل، إذا أصيب واحد من المعتقلين فإن النظام لن يحجره صحيًا لأنه لا يكترث. لا يوجد عناية ولا عزل، الخطر سينتقل للمعتقلين، كما أن النظام لن يفرج عن أي معتقل”، رغم أن “النظام الإيراني رغم توحشه مع شعبه فقد أطلق سراح الآلاف”.
ويضيف عبد الغني أن الشبكة السورية لحقوق الإنسان طالبت كما هو مذكور في تقرير الذكرى السنوية للثورة السورية، بإطلاق سراح المعتقلين وخاصة معتقلي الرأي والموقوفين الذين لم تصدر أحكام بحقهم وهم بالآلاف، ويلفت إلى أنه أحد مطالبهم الأساسية، كما طالبت الشبكة بزيارة اللجنة الدولية للصليب الأحمر للمعتقلات، وبعد بضعة أيام أصدرت منظمة هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية بيانًا حول ذلك. ويشير عبد الغني إلى أنه “يعتقد أن المطالبات لن تؤدي لنتيجة لأن النظام لا يكترث بها وبعلاقته مع القانون والمجتمع الدولي”. ويتساءل: “هل الروس والإيرانيون سيمارسون ضغوطًا؟ لا أتوقع، ينتظر المعتقلون مصيرًا أسود وتهديدًا حقيقيًا للآلاف منهم. نحن مع بقية المنظمات الدولية نحمل المسؤولية للنظام وروسيا التي تحميه وعلى المجتمع الدولي، وندعو لضغط دولي لمنع انتشار كورونا في سوريا، الذي يعني انتشاره في المنطقة/ لذا نأمل بتحرك قريب”.
إما إطلاق سراح المعتقلين أو إجراءات وقائية
ما زال ملف المعتقلين عقدة صعبة الحل، في جميع الاجتماعات والاتفاقات الدولية والإقليمية حول سوريا، إذ يستغل نظام الأسد الملف لاستخدامه في أي مفاوضات مقبلة. وتوضح فدوى محمود عضو “عائلات لأجل الحرية” في حديثها لـ “ألترا صوت”، أنه إما أن يطلق النظام سراح المعتقلين تعسفيًا في سجونه أو أن يتخذ إجراءات حقيقية لمنع انتشار الفيروس بينهم. وتضيف أن “فيروس كورونا كارثة تنتظر حدوثها لآلاف المعتقلين، وأكثر من 100.000 شخص اختفوا قسرًا هم عرضة للخطر، وكثير منهم محتجزون في زنازين تحت الأرض وفي مراكز الاحتجاز التابعة للنظام، حيث يحتاج المعتقلون إلى التناوب على النوم لأنه لا توجد مساحة كافية للجميع للاستلقاء دفعة واحدة”.
وتبين أنه “قد تم بالفعل توثيق مجموعة من المشاكل الصحية على نطاق واسع بسبب الظروف المروعة، بما في ذلك السل والجرب. مما لا شك فيه أن المعتقلين يعانون من سوء التغذية وأنهم يتعرضون للتعذيب بانتظام. كما أن الأطباء والمنظمات الطبية لا يمكنهم الوصول إلى مراكز الاحتجاز هذه”.
يصر نظام الأسد على أنه لا توجد إصابات بكورونا باستثناء واحدة في سوريا، على الرغم من وجود الآلاف من المليشيات الأجنبية وحضورها الكثيف في مناطق سيطرته، وعلى الرغم من بيان رسمي من لبنان يؤكد أنه في 2 من آذار/مارس الجاري، تم منع دخول حافلة قادمة من سوريا للاشتباه في أن بعض ركابها مصابون بالفيروس.
وقالت هيومن رايتس ووتش إن عشرات آلاف المحتجزين يقبعون في السجون السورية. اعتُقل الكثير منهم تعسفيًا بسبب مشاركتهم في احتجاجات سلمية، أو بسبب التعبير عن رأي سياسي معارض. وأضافت أن التعذيب والإعدامات يتسببان بمقتل الآلاف من المحتجزين لدى النظام السوري، لكن السجناء يموتون أيضًا بسبب الظروف المروّعة في السجون. وقد قابلت “هيومن رايتس ووتش” محتجزين سابقين وصفوا ظروفًا في زنازينهم انتهكت حقوقهم في الصحة والحياة وارتقت إلى حد المعاملة اللاإنسانية أو المهينة.
وأشارت المنظمة إلى أن بقية دول العالم تتخذ إجراءات وقائية واسعة النطاق لمنع انتشار الفيروس. ورغم إعلان النظام اتخاذ عدد من الإجراءات التي تهدف إلى أن تكون وقائية، لكن بالطبع لا تصل هذه التدابير إلى الأشخاص الأكثر عرضة، بحسب المنظمة.
وأصدر نظام الأسد مؤخرًا قرارًا بإغلاق الأسواق والأنشطة التجارية والخدمية والثقافية والاجتماعية باستثناء مراكز ومحلات بيع المواد الغذائية والتموينية والصيدليات والمراكز الصحية الخاصة والمنشآت الخدمية، وقبل ذلك أعلنت حكومة النظام تعليق الدوام في الجامعات والمدارس، وتأجيل انتخابات “مجلس الشعب” ومنع دخول القادمين من الأردن ودول الجوار.
كما أعلن النظام إيقاف حافلات النقل الداخلي في حلب وحمص واللاذقية وطرطوس حتى إشعار آخر، وهي محافظات تنتشر فيها الميليشيات الإيرانية واللبنانية وكلا البلدين يشهدان تفشيًا لفيروس كورونا وفقدان للسيطرة عليه.
بحسب قاعدة بيانات الشبكة السورية لحقوق الإنسان فإن هناك ما لا يقل عن 129973 شخصًا لا يزالون قيد الاعتقال أو الاختفاء القسري لدى قوات النظام السوري منذ اندلاع الثورة السورية
وكانت وكالة سمارت قد نقلت عن مصادر طبية خاصة الجمعة، أن 33 شخصًا بينهم طبيب وممرض وممرضة أصيبوا بـ فيروس “كورونا” في مدينة حلب، وسط تكتم من حكومة النظام وإجراءات أمنية مشددة، وذلك بعد علاجهم وتعاملهم مع عناصر من الميليشيات الإيرانية.