مقتل قياديين في حزب الله والحرس الثوري الإيراني في المعارك الدائرة في سورية لا يحتاج إلى تحليل عميق لمعرفة أسبابه المباشرة التي يأتي في مقدمتها مؤشرات الخلاف الروسي الإيراني الذي يدفع الروس إلى عدم التدخل المباشر لدعم هذه القوات في مواجهتها لقوات المعارضة، لأنها ترنو إلى حلّ سياسي لا يروق لنظام الملالي، وهو نتيجة طبيعية لنهج التضحية بالأرواح على مذبح الإيديولوجيا المصمتة. ولكنّ المقاربة التي نسعى إليها ونحن نقترب من فصل يبدو مختلفاً نوعياً من فصول الثورة السورية، هي فهم هذا الانحطاط الأخلاقي لحزب الله صنيع نظام الملالي في إيران بمقارنته بالكيان الصهيوني الذي يعدّ احتلاله لفلسطين قضية أساسية من قضايا النضال لا تقل أهمية عن الأهمية التي يحتلها الصراع مع نظام الاستبداد وحلفائه.

فلا أزال أذكر الرجل العجوز الذي سألته عن رأيه بحزب الله فأجاب بعفوية: إن في الاسم مفارقة غريبة ” هو بينتمي لألله وأنا لأ ”؟ .

ما يستبطنه هذا الجواب البسيط هو الاستنكار لاحتكار الله وما يترتب على هذا الاحتكار من ادعاء حيازة التفوق الأخلاقي على الآخرين، وهو الاستهجان عينه الذي يثيره تعبير ” شعب الله المختار ” الذي يمثل إحدى أركان العقيدة الصهيونية لأنه ينطوي على ديناميكية الإقصاء والاستعلاء.

لا يتغيّا عقد المقارنة بهذا الشكل ادعاء المطابقة، أو افتراض التواطؤ بين ما نعتبرهما كيانين وظيفيين: الكيان الصهيوني وحزب الله، ولكنّ التشابه اللافت للنظر في البنية العميقة لكليهما يأبى إلا أن يفرض نفسه.

فالكيان الصهيوني  كيان وظيفي مسخّر لخدمة المصالح الامبريالية الغربية من حيث الأساس، وحزب الله كيان وظيفي لخدمة مصالح نظام الملالي في إيران.

وكما يعيش الفرد المسكون بالإيديولوجية الصهيونية في غابة من الرموز والأساطير منسلخاً عن واقعه المتعيّن ؛ يعيش المقاتل في حزب الله في بيئة متخيلة تسلخه عن واقعه والسياق التاريخي الذي يحيا فيه ؛ وهو ما تفصح عنه سلوكيات أفراده الذين يقاتلون في سورية وهم يرددون شعار ” لبيك يا حسين “.( وربما تفيد الإشارة هنا إلى أن قاتل الحسين شمر بن جو شن قد شوهد مرة في المسجد -حسب ما يروي الذهبي المحدث الكبير- وهو يخاطب ربه قائلاً إن ما فعله كان تطبيقاً لحديث نبوي يأمر بقتل من يخرج على الأمة وهي مجتمعة كائناً من كان، وهو ما يضعه في أسوأ الأحوال في خانة من اجتهد فاخطأ)

وبالنظر إلى التناظر الذي قد يلحظ بين هذين الكيانين الوظيفيين، فان أوجه الشبه قد تغري بعقد المقارنة بين ديناميات التفاعل الجدلي بين البنيات الفوقية والنحتية لكل منهما.

فبينما تمثل الإيديولوجية الصهيونية البناء الفوقي لثلاث بنى تحتية هي إسرائيل، والغيتوات اليهودية في زمن ماض، والامبريالية الغربية، تمثّل ولاية الفقيه البناء الفوقي لحزب الله الذي يمثّل البنية التحتية الأكثر ديناميكية في التفاعل مع البنية الفوقية تلك، مع الواقع الاقتصادي الاجتماعي الذي كان ثاوياً وراء حركة المحرومين التي مثلت البناء التحتي الثاني في مرحلة أولى، بالإضافة إلى كيان الدولة اللبنانية بكلّ ما يحمل من قابليات الانقسام والصراع والتمزق.

ولأن الحزب كيان وظيفي تمثّل ولاية الفقيه التي لا يمكن لها أن تصنف إلا في خانة الاعتقاد – إن لم يكن في خانة الميثولوجيا التي تتحول إلى اعتقاد بعد ان تستخلص نواها العقلانية – الذي لا يرقى إلى مرتبة المعرفة بنيته الفوقية؛ فإنه من غير المجدي البحث عن نمط إنتاجي في المجتمع الذي يمثله الحزب سوى دوره الوظيفي، ولذلك فإن كلّ ما يصدر عن هذه البنية من أفعال يصبح مفهوماً ومفسّراً.

فإفشال مشروع الدولة في لبنان بخلق دولة داخل الدولة عمل مفهوم؛ لأن مشروع الدولة يقضي على هذا الكيان الوظيفي وهو ما لا يسمح به نظام الملالي في إيران الذي يمدّه بأساليب البقاء.

وارتكاب جريمة بحق لبنان في ال2006 التي ترتبت على تصرف يفتقر إلى الحد الأدنى من الرؤية السياسية السليمة لا يستعصي على الفهم، لأن قيادة هذا الكيان الوظيفي وعناصره لا يتصرفون وفق ما يمليه السياق التاريخي المتعيّن وإنما يفرضون على هذا السياق قوالبهم المسبقة التي شكلتها ميثولوجياهم ودورهم الوظيفي.

والقتال ضد الشعب السوري وثورته رغم قذارة الفعل يأتي في السياق نفسه فحزب ” المقاومة ” لا يجدي معه التذكير بالفضل، ولا تحرك وجدان قياداته كلمة ” يا حيف ” لأنه يستلهم أوامره من الولي الفقيه، وهو إمام معصوم يتربع على عرش القداسة والأخلاق، وهو وحده الكفيل والقادر على تسويغ الأفعال وإعطائها شرعيتها.

بالمقارنة بين الكيانين الوظيفيين، الكيان الاستيطاني الصهيوني وحزب المقاومة، يلفت النظر أولا أن إسرائيل دولة ديمقراطية ومزدهرة وقوية، بينما تسير القرارات في الكيان المناظر وفق تراتب هرمي لا يمكن اختراقه

وإسرائيل ترتكب جرائم بحق أطفال العرب لأن الأخيرين أعداء واضحون يعتبرهم المخيال الجمعي الصهيوني العماليق المذكورين في التوراة، والذين تأمر الأخيرة بإبادتهم، بينما يرتكب حزب الله جرائمه بحق أطفال سورية بدون .مستند واضح

إن معركتنا مع هذا العدو الصريح الذي تتفوق عليه إسرائيل أخلاقياً، معركة تفرضها ليس فقط مواجهة فرضت علينا، بل تلزمنا بها ثنائية الخير والشر وقيم الحداثة ورواسب التخلف.

.وما مقتل العشرات في الآونة الأخيرة من هؤلاء الظلاميين إلا بداية لاندحار الظلام أمام النور، و بشارة بانتصار القيم الإنسانية على الهمجية

رئيس التحرير