يتزايد، يوماً بعد يوم عدد الدول العربية الفاشلة التي يتصارع اللاعبون الإقليميون والدوليون على اقتسام السيطرة والنفوذ فيها. نسمع منذ الخمسينيات وإلى اليوم عن “الصراع على سورية”، ولكن في الوقت الراهن نرى صراعاً على ليبيا وصراعاً على اليمن وصراعاً على لبنان وصراعاً على العراق، ولا نعرف ماهي الدولة القادمة التي سيحتدم الصراع عليها.

وفي جردة سريعة للعالم العربي، نرى بكل وضوح أن كل الدول التي تدور الصراعات عليها، تفتقد لوجود الدولة السيدة الواحدة، وتقع تحت وطأة الدويلات الموازية التي هي عبارة عن ميليشيات مسلحة موازية لجيش الدولة وتعمل لصالح دول أجنبية. وإذا نظرنا إلى العراق الآن نرى أنه تنطبق عليه كل هذه المواصفات. فالحشد الشعبي وخلفه العراب الإيراني يهيمن على الدولة الرسمية كما هو الحال في لبنان بالنسبة إلى حزب الله الذي يسيطر على الدولة اللبنانية تماماً.

لقد عانى شعب العراق وما زال يعاني منذ عام 2003 من سيطرة نظام فاشل قائم على المحاصصة الطائفية والفساد والنهب، ولم يستطع أن يؤمن أية فترة من الاستقرار للشعب العراقي، ولا يمكن هنا نسيان دور الولايات المتحدة في هذا الفشل منذ أيام بريمر ودستوره السيء الصيت. وكان للأميركيين دور كبير في الهيمنة الإيرانية على العراق.  وجاء دخول داعش إلى المحافظات العراقية الغربية، في عهد حكومة نوري المالكي وبتواطؤ منه ليشكل ذريعة لإيران لكي تعمق نفوذها أكثر في العراق بحجة مكافحة الإرهاب. لقد بنيت الاستراتيجية الخمينية منذ عام 1979 على تأسيس الجيش الموازي لتقزيم الجيش الإيراني وتهميش الدولة، وكانت هذه مهمة ودور الحرس الثوري. وفي إطار هذا المضمون تشكلت الميليشيات الشيعية التي تتلقى أوامرها ومهامها من طهران مباشرة. وما زاد الطين بلة ضم الحشد الشعبي إلى ملاك القوات المسلحة العراقية. والمأساة تكمن في كونه يتمول من خزينة الدولة، ولكنه يعمل خارج تعليماتها وأوامرها. ولكن ما كان هذا الوضع ليستمر لولا القوى المسيطرة على الحكومة العراقية التي كانت تتواطأ مع سياسة إيران. وبالإضافة إلى ذلك فقد تحول العراق في عهد نوري المالكي ليس فقط إلى منطقة أمنية تحت النفوذ الإيراني، وإنما أيضاً تحول إلى احتياط اقتصادي ومالي ليساهم في تمويل نفقات مشاريع إيران الدعوية المذهبية وأذرعها الأمنية في منطقة الشرق الأوسط والعالم العربي.

وكان من أهم نتائج الهيمنة الإيرانية على العراق اندلاع انتفاضة الأول من تشرين الأول من العام الماضي في المحافظات الوسطى والجنوبية ذات الأكثرية الشيعية، التي استطاعت أن تزعزع بنيان كل نظام ما بعد عام 2003، وأن تسقط حكومة عادل عبد المهدي. ويبدو أن ملالي إيران قد استوعبوا أن الانتفاضة الشيعية في وسط العراق وجنوبه كانت ضدهم مباشرة هم وأعوانهم من العراقيين، وتلمسوا مدى خسارتهم لحاضنتهم الشعبية، فاستنفروا كل قواهم لقمعها وإعادة الأمور إلى ما كانت عليها. هنا بدأت جولات قاسم سليماني المكوكية إلى العراق لإصلاح ذات البين في داخل البيت الشيعي، ولاختيار بديل عن عادل عبد المهدي يكون مثله مواليًا لطهران، ولكن كل جهود سليماني فشلت والحكومة العراقية لا تزال ضائعة في الكواليس.

وجاء مقتل العراب الإيراني ومعه أبو بكر المهندس بالقرب من مطار بغداد ليغير قواعد اللعبة بين الأميركيين والإيرانيين في العراق. جاء الرد من طهران بصواريخ على قاعدة عين الأسد. وبعد فترة هدوء جاء علي شمخاني رئيس مجلس الأمن القومي مع وفد رسمي إلى العراق واتصل بكل الجهات الرسمية العراقية وغير الرسمية، ولكن يبدو أنه قد فشل أيضاً في إقناع الكتل الشيعية بإعادة الحياة لحكومة عبد المهدي أو اختيار شبيه له. ويبدو أنه بعد فشل شمخاني في بغداد أعطي الضوء الأخضر للميليشيات الشيعية الأكثر تشدداً والأقوى ارتباطًا بطهران مثل ميليشيات حزب الله وفصائل النجباء وعصائب أهل الحق لكي يقصفوا القواعد العسكرية التي يتواجد فيها عسكريو الولايات المتحدة والتحالف الدولي. وتقصف قاعدة التاجي شمال بغداد ويموت ثلاثة جنود أميركيين وجندي بريطاني، ويأتي الرد سريعاً من الأميركيين وتقصف قوات حزب الله العراقي في جنوب مدينة البو كمال في سورية وكذلك تقصف مقرات لهذا الحزب في واسط وكربلاء، ومن ثم تقصف قاعدة التاجي مرة ثانية.. وباب الكباش الناري بين واشنطن وطهران مفتوح الآن على مصراعيه…