لم تكن الثورة السورية عسكرية في البدء. كانت تطالب بالحرية وبوطن يحمل على عاتقه هموم السوريين وأوجاعهم. هذه بضع أحلام ترسخت في عقول الثوار. وعقب تدخلات النظام العسكرية، واقتحامه مدنا وبلدات خرجت تطالب بالحرية، كان لا بد من ظهور قوة عسكرية، تدافع عن السوريين، وتؤمن حقوقهم وتحافظ على أرضهم من انتهاك الأعداء.
في السنة الأولى للثورة، كانت الحرية ترفرف على أبواب السوريين، قبل اندلاع المواجهات العسكرية، التي أجبرت المعارضة على ترك الحراك السلمي، والتوجه إلى الحراك العسكري، إذ لم يكتف النظام بحقده، بل توسع بانتهاكاته في السنة الثانية من الثورة السورية، إذ دمر وفتك بآلاته العسكرية الأبنية السكنية وقتل السوريين بجنوده وشبيحته.
وصلت الثورة السورية، في إحدى مراحلها، إلى مكاسب كبيرة جداً، ولم يرض هذا الأمر حلفاء نظام الأسد، إذ توسعت مناطق المعارضة في كل البقاع السورية، وكانت مناطق النظام تضيق أكثر فأكثر، وكان لا بد للأسد أن يستدعي قتلة بدم بارد، قتلة استباحوا دم الشعب السوري، وذلك حين استنجد بمليشيا حزب الله اللبناني الذي حطم الثورة في القصير، ثم بمليشيات إيرانية وأفغانية وأخرى عراقية، يدافعون، كما يدعون، عن مقام السيدة زينب في دمشق، على الرغم من أن آلاتهم العسكرية وصلت إلى حلب في الشمال السوري وغيرها من المناطق.. تعدّدت الحجج والغرض واحد، وهو القضاء على ثورة شعب دفع الغالي والنفيس ثمن حرية طالب بها.
الحقد الذي انتهجه النظام السوري من خلال آلته التدميرية لم يكن أمرا سهلا على السوريين الذين توقعوا رداً غير هذا، إذ استعان نظام الأسد بالروس الذين جرّبوا جميع معداتهم العسكرية على رؤوس السوريين، والذين استباحوا دم السوريين خلال صمت عالمي ودولي وعربي إسلامي، إذ لم يبقوا حجراً على آخر، ولا عائلة سلمت من تهجير ونزوح وتشريد وقتل وفقدان أب أو أخ أو أم.
خسرت الثورة في الأعوام الماضية أعداداً هائلة من الثوار والمدنيين في ظل تحالف دولي استباح الدم السوري بشكل بارد، وانتشر القتل في كل البقاع السورية، والألم يزداد بالجرح السوري.
لا يمكننا القول إن الثورة انتهت، فحرية السوريين ما زالت تحلّق في نفوسهم لأن طموحهم إسقاط حكم الذي قتل آلاف السوريين وشرد الملايين خارج البلاد، رغم الخسارات المتتالية.
منذ عام ونيف، خسرت المعارضة حلب، بعد حصار دام شهورا، وقتل وتجويع وقصف وتدمير انتهجته الطائرات الروسية على أحياء المدينة ومليشيات شيعية من جنسيات مختلفة، قتلت أحلام كثيرين ودمرتها، لكن قلب السوريين ما زال يفيض بالحرية وينبض بعبق النصر.
في السنة السابعة، تزيد الأوجاع والحرية تضيق على السوريين ومناطق الأحرار تصغر أكثر فأكثر، واليوم نودع غوطتنا التي سكبنا من أجلها الغالي والنفيس. ست سنوات من الحصار والغوطة صابرة، على الرغم من القتل والتدمير والتجويع.
لا لم نخسر، نحن السوريون، لكننا تعلمنا من جديد أن ليس لنا ناصر إلا الله، وما زال الإصرار يحيك أملنا بنصر يغيّر المستحيل، لا بد لكل ثورة من تضحية، والخسارة اليوم هي النصر غداً، فالتغيرات تلوح بالأفق، نحو جيل سيبنى على الحرية ويقضي على الفساد الذي حل بالمجتمع والنظام وغيره، لم يكن هدف الثورة إلا حرية وبضع مطالب جوبهت بمذبحة بشعة بحق السوريين، لكننا سنبني جيلاً يحقق لنا ما خسرناه خلال السنوات الماضية.
لن نحيد ولن تموت ثورة كرامة، سيسقط الأسد مهما طال حكمه، ولن نرضى بحاكم أذل السوريين، ولن ننسى جرحانا وشهداءنا ومعتقلينا.
الثورة مستمرة وعبق الحرية يفيض عطره على كل سوري بذل دمه فداء لشعبٍ نادى بالكرامة والديموقراطية.