مراهنة في دمشق على تأجيل تطبيق “سيزر”… وموسكو قلقة من انتشار كورونا في سوريا

وليد شقير

اندبندنت عربية:30/3/2020

كما في أزمات عالمية ومحلية كثيرة، حيث بات وباء كورونا حجة أو مناسبة لمواقف أو تحولات أو مناورات سياسية، لا يشذ الوضع في سوريا عن هذه القاعدة.

يختلط القلق من تفشي الفيروس في بلاد الشام نتيجة انهيار القطاع الصحي فيها بسبب الحرب التي تخطت تسع سنوات دُمّرت خلالها مئات المستشفيات والمستوصفات، لا سيما في المناطق التي أريد لها أن تخضع وتستسلم جراء القصف الأعمى للنظام السوري والطيران الروسي، مع اغتنام المناسبة لتبرير قدر من الانفتاح السياسي على الرئيس بشار الأسد تحت عنوان تقديم مساعدات إنسانية لمواجهة الوباء القاتل.

وبدافع مساعدة سوريا على مواجهة كورونا فُسّر اتصال ولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان بالرئيس السوري بشار الأسد في 27 مارس (آذار) 2020، حيث نقل عنه تأكيده أن سوريا لن تكون وحدها في هذه الظروف الدقيقة والحرجة.

وفيما أعطى وزير الدولة للشؤون الخارجية في الإمارات الدكتور أنور قرقاش الاتصال بعده الإنساني، أردف مؤكداً أنه “يتجاوز الحسابات السياسية الضيقة، و”يرسخ توجه الإمارات نحو الدول العربية”.

ومع أن المقربين من النظام السوري رأوا في هذا الاتصال تطوراً جوهرياً في الانفتاح السياسي العربي عليه، يمهد لتسويات بين محور عربي وآخر، لأن أبو ظبي لم تكن لتقوم بهذه الخطوة من دون تفاهم عربي خليجي، فإن مراقبين آخرين دعوا إلى انتظار وترقب التطورات في الموقف من النظام السوري، من دون إهمال الطابع السياسي لهذا الاتصال.

لكن بعض الأوساط السورية وبعض المتابعين للأوضاع الاجتماعية والصحية في سوريا من المنظمات الدولية، يدعون إلى عدم التقليل من خطورة تفشي كورونا في البلد، على الرغم من شح المعلومات عن انتشاره بسبب السياسة التقليدية للنظام وأجهزته في التعاطي مع حالة من هذا النوع. فالصليب الأحمر الدولي حذر من تفشي الوباء في مناطق النزاع العسكري، وسوريا منها.

ويلاحظ سوريون معنيون بمتابعة مدى انتشار الفيروس أنه قبل أن يعترف النظام بوجود إصابات بكورونا في 14 مارس 2020، ثم إعلان أول وفاة لمريضة الأحد الماضي، كان الوباء بدأ ينتشر.

ويلفت هؤلاء إلى أنه في اليوم نفسه الذي أعلن وزير الصحة السوري نزار يازجي مطلع مارس أن لا إصابات في الفيروس، كانت باكستان تعلن إصابة 6 قادمين إليها من سوريا بالفيروس، ما يعني أن المرض كان تفشى قبل ذلك، فلم تعلن عنه السلطات السورية، إلا في اليوم نفسه لتأجيلها الانتخابات التشريعية في 14 مارس، لتكر بعدها سبحة الإعلان عن إصابات… في حين أن المعلومات عن الإصابات في دمشق وطرطوس واللاذقية وحمص تسربت في 10 مارس بالتزامن مع أنباء عن مشاهدة قلة من المواطنين في القامشلي يرتدون الكمامات.

وبعد 4 أيام، أعلن في باكستان عن إصابة 14 وافداً من سوريا بالفيروس. وإن دل ذلك على شيء، في ظل تستر النظام، فعلى أن سوريا ستحتاج إلى مساعدات طبية كبيرة، خصوصاً أن الحكومة أتبعت تأجيل الانتخابات بخطوات تدريجية قضت بتعطيل المدارس والجامعات وإقفال الحدود ووقف وسائل النقل العامة، ومنع التجول ليلاً ومن ثم تعليق دخول المواطنين من 11 دولة عربية و15 دولة أجنبية بما فيها إيران، لمدة شهرين… وسط أزمة اقتصادية خانقة وفقدان مواد غذائية أساسية أهمها الخبز وارتفاع جنوني للأسعار. وكانت الدول المحيطة (العراق، الأردن، لبنان) سبقت دمشق بأيام في إقفال الحدود معها.

شويغو وإدلب وكورونا

خلال الزيارة المفاجئة إلى سوريا من قبل وزير الدفاع الروسي للبحث مع الرئيس بشار الأسد (في 22 مارس) في تثبيت وقف النار في إدلب الذي كان توصل إليه الرئيس فلاديمير بوتين مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان (في 5 مارس) في موسكو، كان الهدف الرئيس إبلاغ الرئيس السوري بأن موسكو جدية في تطبيق هذا الاتفاق وبأنها لا تستسيغ المحاولات من قبل تشكيلات النظام العسكرية، بالتعاون مع التشكيلات الإيرانية العسكرية لإفشاله عبر الهجمات على الدوريات التركية التي شملت الطريق بين حلب واللاذقية، التي يصر النظام على استعادة السيطرة عليها.

فموسكو تريد لهذا الاتفاق أن يصمد حتى إشعار آخر، نظراً إلى التقديرات بأنها لا تريد لأنقرة أن تعيد توثيق علاقتها مع واشنطن وحلف الناتو بعد تضامنهما معها إثر تعرض قواتها لخسائر في إدلب جراء القصف السوري والروسي.

لكن ما لفت مراقبين أن بيان وزارة الدفاع الروسية عن الاجتماع أكد أنه “تم التطرق إلى المساعدة الإنسانية الروسية لسكان سوريا، الذين يعانون من العقوبات المفروضة من قبل الدول الغربية”.

ويرى زوار موسكو والمتصلون بالمسؤولين فيها، أن المقصود مكافحة جائحة كورونا في ظل الصعوبات الاقتصادية التي تعاني منها دمشق، لا سيما أنه من الطبيعي أن تقلق موسكو من إصابة جنودها الذين توسع انتشارهم في ظل الدوريات التي يسيرونها مع الدوريات التركية استناداً إلى اتفاق موسكو، بالفيروس، بالتزامن مع تسريبات بأنها قد تسحب جزءاً من قواتها مؤقتاً من بعض المناطق تحسباً لانتشار الوباء.

ويشير الذين يترددون إلى العاصمة الروسية إلى أنه إضافة إلى الجنود الروس في قاعدة حميميم وطرطوس، والذين يقدرون بـ 5 آلاف جندي وضابط، يجري تبديلهم بين الفينة والأخرى بحيث وصل عدد الذين شاركوا في العمليات القتالية منذ 2015 إلى 65 ألفاً، فإن عدد الخبراء المدنيين الروس ورجال الأعمال لا يستهان به. وهذا يعني أن لدى موسكو سبباً جوهرياً للقلق من انتشار الفيروس في سوريا. بل أن موسكو دعت دمشق إلى وقف عملية التستر على انتشاره.

المعارضة السورية والمخاوف من انتشار الوباء

وفي ظل اختلاط التطورات العسكرية السياسية مع تداعيات كورونا، لا بد من تسجيل اتخاذ قوى المعارضة السورية على اختلاف ألوانها وولاءاتها إجراءات لمكافحة انتشار الوباء بحسب إمكاناتها.

ورفع أكثر من تنظيم وجمعية الصوت عالياً بالتحذير من الكارثة إذا انتشر الوباء في السجون المكتظة التابعة للنظام. وعليه صدر بيان عن الائتلاف الوطني للمعارضة السورية تلاه رئيسه أنس العبدة أعلن فيه عن إجراء الائتلاف “جملة اتصالات مع الأمين العام للأمم المتحدة، ومنظمة الصحة العالمية، واللجنة الدولية للصليب الأحمر والدول الفاعلة، حول الوضع الصحي في سورية… خصوصاً الخطر المحدق بالمناطق المحررة وضرورة الإسراع بتطبيق الخطط المتفق عليها، والمتعلقة بالتصدي لخطر تفشي الفيروس”.

ودعا العبدة إلى “الإفراج الفوري عن المعتقلين في سجون النظام، ونحن مستمرون بالضغط بكل الوسائل المتاحة لوضع الأطراف الدولية أمام مسؤولياتها”.

وتوجه إلى “السوريين في مناطق سيطرة النظام، قائلاً “كان الله في عونكم أيضاً، فهذا النظام الذي قتل خلال 9 سنوات ما يزيد على مليون، وشرّد وهجّر أكثر من 12 مليوناً لن يهتم بحمايتكم”، ودعاهم إلى “الاعتماد على أنفسهم بتطبيق وسائل الحماية الصحية”.

دور موسكو مع الخليج … والخصومة مع تركيا

وبالعودة إلى التواصل بين دولة الإمارات ودمشق، تشير المعطيات إلى أن الدول الخليجية أبدت تعاطفاً مع حكومة الأسد إبان المواجهات التي جرت بينها وبين الجيش التركي في إدلب قبل شهرين، بحكم الخصومة مع رجب طيب أردوغان وطموحاته لتوسيع دوره ودعم “الإخوان المسلمين” في عدد من الدول العربية، وفي ليبيا.

وفي وقت تلعب دولة الإمارات الدور المتقدم بين دول الخليج، في التواصل مع حكومة الأسد منذ إعادة فتح قنصليتها في دمشق منذ عام 2018 ، فإنها أظهرت أكثر من التعاطف مع دمشق في صدامها مع الوجود التركي على الأراضي السورية.

وعليه ترى أوساط سورية مواكبة لتطور العلاقة بين نظام الأسد وبين أبو ظبي أن التواصل بينهما والاتصال الذي أجراه الشيخ محمد بن زايد لم يكن مفاجئاً.

ويذهب بعض المتصلين مع موسكو في شكل منتظم، إلى القول إنها لعبت دوراً في تشجيع الدول الخليجية على التواصل مع الأسد، لا سيما من أجل تقديم المساعدة في مواجهة كورونا.

ولدى هذه الأوساط معطيات بأن اتصالات دولة الإمارات مع بعض فصائل المعارضة السورية شملت في الآونة الأخيرة محاولة لإقناع بعض فصائلها بمغادرة تركيا للانتقال إلى مصر بحيث تنضم إلى منصة القاهرة، بدل البقاء تحت نفوذ أنقرة التي استخدمت جزءاً من المقاتلين السوريين في تدخلها في ليبيا.

وعلمت “اندبندت عربية” في هذا المجال، أن هناك مراهنة في دمشق على أن تلعب دولة الإمارات دوراً مع واشنطن في خفض العقوبات الأميركية على النظام السوري تحت عنوان الأسباب الإنسانية، في ظل الضائقة الاقتصادية الكبرى التي تعانيها، وأن هذه المراهنة تشمل تأجيل تطبيق قانون “سيزر” للعقوبات، الذي يبدأ تنفيذه في يونيو (حزيران) المقبل، إذ يُخضع الشركات التي تعمل في سوريا وفي إعادة الإعمار، لإجراءات قاسية في أصولها وفي حركة أموالها.