على وقع قصف الطائرات الروسية 83 موقعاً «إرهابياً» في خمس محافظات سورية، استقبل العالم نبأ الزيارة المفاجئة للرئيس السوري بشار الأسد إلى موسكو ولقائه نظيره الروسي فلاديمير بوتين وهو ما اعتبر حدثا جديداً لافتاً في الأزمة السورية.
غير أن أهمية الحدث وجدّته لم تعكسا مظاهر احتفال كان يمكن لوسائل الإعلام السورية (المنهمكة حالياً ببثّ الأغاني الروسية) أن تطنطن بها، فقد بدا الأسد في وسائل الإعلام الروسية التي بثت مقاطع من لقائه ببوتين أشبه بموظّف يستدعى من قبل رئيسه لتبليغه قراراً، فكان وحيداً من دون أركان نظامه، ولم يراع الروس حتى بروتوكول رفع علم سوريّ صغير قرب الرئيس، وهي إشارات ذات دلالة حول طبيعة «الاستدعاء».
يضاف إلى هذه الدلالات المهمّة أن بوتين قام باتصالين هاتفيين بعد لقائه الأسد، الأول للرئيس التركي رجب طيب إردوغان، والثاني للملك السعودي سلمان بن عبد العزيز، وهما الطرفان الخصمان الرئيسيان للأسد، واللذان سيحضر وزيرا خارجيتهما لقاء مع نظيريهما الأمريكي والروسي في فيينا الجمعة للتباحث في شأن ما قال الروس أنه «عملية سياسية»، كما دعت موسكو علي لاريجاني، رئيس مجلس الشورى الإيراني وكبير المفاوضين فيما يتعلق بالأمن القومي، لزيارتها، واتصلت بالملك الأردني عبد الله الثاني والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.
روسيا سرّبت «أفكاراً» حول الحل السياسي الذي تريده ويتمّ على ثلاث مراحل يتم خلالها عقد انتخابات برلمانية في مناطق النظام فقط، ثم إقامة انتخابات رئاسية تعيد تعويم الأسد، ومن ثم تشكيل حكومة موسعة تضم شخصيات سورية موالية لموسكو.
تعتمد روسيا لتفعيل خطتها على تواجدها العسكري في سوريا، والذي يمكن أن يعمل باتجاهين: الأول هو تعزيز سلطات النظام السوري، والثاني هو فرض حل سياسيّ عليه، وهو الأمر الذي لم يكن ممكناً قبل تدخلها العسكري الحالي، وكان مبعث انزعاج روسي مكتوم بعد مؤتمراتها الفاشلة للجمع بين النظام ووجوه من المعارضة في موسكو.
وبما أن الطاولة صارت مفتوحة لـ«المفاوضات»، فقد بدأت الأطراف الأخرى بالتعامل مع روسيا بالطريقة التي تفهمها، فقد وصلت 12 طائرة أمريكية من طراز «ايه 10 ثاندربولت»، وهي طائرات تستهدف الدبابات (وتنظيم «الدولة الإسلامية» لا يملك كتائب دبابات)، فيما صرّح وزير الخارجية القطري خالد العطية إن قطر قد تتدخل عسكريا بعد تدخل روسيا لدعم الأسد.
وترافقت أخبار عدم حصول اختراق كبير يذكر لقوات النظام السوري في 10 جبهات قتال رغم الحملة الجوية الروسية التي أدت لمقتل أكثر من 1300 سوري مع أنباء أخرى عن قرب تسلّم المعارضة السورية المسلحة لأسلحة نوعية، وهو أمر قد يكون سبباً في تعجيل الكرملين في استدعاء الأسد، ورفع سقف التوقّعات في المفاوضات مع الأطراف المعنيّة بالأزمة السورية.
يبني السلوك السياسي والعسكري الروسي في سوريا على حضوره المهم خلال مفاوضات الدول الكبرى مع إيران التي نجحت في إقرار آلية لإسقاط العقوبات العالمية ضدها، وهو أمر يشغل الكرملين بالتأكيد بعد إثقاله بعقوبات بعد إلحاقه شبه جزيرة القرم وتدخله في شرق أوكرانيا، كما يبني على تجارب استخدام الأقليات الروسية في بلدان الاتحاد السوفييتي السابق، وعلى دروس تدخلاته العسكرية في الشيشان وجورجيا وغيرهما، ولكنّ كل هذه التجارب لا يمكن قصّها ولصقها على الوضع السوري، فالحرب المعلنة على «الدولة الإسلامية» تكشّفت عن حرب على كل الأطراف المعارضة للنظام السوري وهي معادلة معقّدة محلّيا وإقليمياً ودولياً، فقد اعتبرت تحالفاً إقليمياً لروسيا مع إيران والشيعة ضد تركيا ودول الخليج السنّية وشعوب المنطقة.
إذا كان القصد من التدخل الروسي إسقاط العقوبات عن روسيا وتمكين بشار الأسد، فالواضح أن هذه النقلة قد تعثّرت، وهو ما سرّع في زيارة الأسد لموسكو وطلب روسيا للتفاوض على حلّ سياسيّ كبديل من إمكانيات الغرق الطويل في المستنقع السوري.

رأي القدس