كثرت في الآونة الأخيرة المقالات والدراسات والتصريحات الإعلامية الروسية، التي تتعرض للنظام السوري وبنيته وشخوصه عبر مقاربة مختلفة عما سبق ولغة جديدة وغير مألوفة من الروسي لحليفه، تتناوله بالنقد والتشريح وصولاً إلى الفضح والاستنكار والكشف عن حقائق في الوضع السوري معروفة للجميع، طالما تجاهلها الروس، وساهموا في تغطيتها وتبريرها واستثمارها، منتقلين من مرحلة السكوت عن الحليف وتغطيته إلى فضحه والتشهير به. فبعد أن أظهروا – وبأشكال مختلفة – استهانتهم بشخص رأس النظام وبطانته السلطوية إلى حد الإذلال، عبر تسريب المشاهد المهينة والمعاملة الدونية التي يتلقاها بحضرة القادة الروس سياسيين وعسكرين. ها هم اليوم ينتقلون لفضح النظام بكليته، أو ما تبقى منه، وإعلان عدم أهليته للاستمرار كنظام حكم، وانعدام قدرته على القيام بالمهام المطلوبة.

  فقد نددت وكالة الأنباء الروسية بتصرف رأس النظام وزوجته عبر ” شراء لوحة بعشرات الملايين من الدولارات في وقت يعيش فيه 80% من السوريين تحت خط الفقر “. ووصف المجلس الروسي للشؤون الدولية البيانات والخطابات الصادرة عن أعلى مستوى في هرم السلطة بأنها ” منفصلة عن الواقع “. كما كشف منتدى فالداي للحوار وبشكل لاذع عن ” الفساد المستشري في السلطة ” و ” العنف الذي تمارسه الحكومة ضد مناوئيها “، مشيراً إلى أنه ” لا منظومة حكومية تحد من الفساد والجريمة “، وأن ” الحكومة السورية تعتقد بأنها انتصرت “. ووصل الأمر بالمحلل السياسي يفجيني سيدروف أن يقول: ” ثقة روسيا ببشار الأسد تتلاشى “، وأن ” روسيا تنظر لمستقبل سورية لما بعد بشار الأسد “.

يبدو أن الروس يميلون اليوم لأن يبقوا على مسافة ما من النظام، أو أن يظهروا كذلك. بعد أن فشلوا في مساعيهم الحثيثة لإعادته إلى ” الأسرة العربية “، وفي استدعاء استثمارات أوروبية منقذة تحت عنوان ” إعادة الإعمار “. خاصة بعد صدور قانون العقوبات الأمريكي ” قيصر ” الذي تبدأ مفاعيله عند منتصف حزيران القادم. مترافقاً مع تقرير منظمة حظر الأسلحة الكيماوية، الذي أدان النظام وجرَّمه بشكل واضح ومباشر باستخدام هذا السلاح وقتل السوريين في العديد من المواقع. مع صدور المواقف الحاسمة لبعض الدول الأوروبية (بريطانيا، ألمانيا) التي تجرِّم أفعال النظام السوري وتدعو لمحاكمته.

وليس بدون دلالة الزيارة السريعة والمفاجئة التي قام بها وزير الخارجية الإيرانية إلى دمشق – في ظروف الحجر الكوروني في كلا البلدين – كاستجابة ضرورية لهذه المعطيات والمجريات التي يواجهها النظام واستطالاتهم الميليشياوية الأمنية والعسكرية ومخططاتهم الاستراتيجية على الأرض السورية.

ويبقى السؤال المشروع معلقاً: هل كان الروس مخدوعين بطبيعة النظام السوري، واكتشفوا متأخرين حقيقته وبنيته وأهدافه وأساليب عمله؟ أم أصبح بحمولته المزرية من جرائم وفضائح وانتهاكات عبئاً على السياسة الروسية إقليمياً ودولياً؟ وهل آن أوان البيع والشراء للأغراض التي انتهت صلاحيتها؟ أم أنها رسالة تبعثها السياسة الروسية إلى المعنيين، من حلفاء وخصوم، هنا في الإقليم وهناك على امتداد العالم؟

دمشق في 22 نيسان 2020