في ذكرى هزيمة حزيران التي سميت لغرض إيهامي نكسة حزيران، تأخذ المرء الدهشة من هذا التشابه بين وضاعة الدور الذي اضطلع به نظام البعث آنذاك، ووضاعته الأكبر اليوم..

فقبل حرب حزيران ببرهة قصيرة كان عبد الناصر قد صرّح لوفد فلسطيني تصريحًا لا لبس في دلالته بعدم جاهزيته لشن حرب على إسرائيل وقال لهم: ليست لدي خطة لتحرير فلسطين، إن من يقول لكم إن قضيتكم سهلة إنما يخدعكم، إن قضيتكم أعقد قضية في العالم لأن المشكلة في الذي يقف وراء إسرائيل، وليس في إسرائيل.

ولكن المزايدات التي لم تنقطع من قادة نظام البعث في سورية، والتي ما فتئت تتهم عبد الناصر بالتخاذل، والتقصير، وبعدم تحمله مسؤولياته كزعيم للأمة العربية كانت من جملة الأسباب التي عكست توجهه الآنف الذكر، وجعلته يخوض معركته الخاسرة، التي كانت نتيجتها الكارثية إعلانًا عن سقوط المشروع القومي.

والمطلعون على بواطن الأمور في سورية آنذاك يقولون إن وزير الدفاع حافظ الأسد، ومجموعته -وهم من جوقة المزايدين- كانوا يكرهون عبد الناصر أكثر من كراهيتهم لفقد البصر.

وقد أوصل وزير الدفاع السوري حافظ الأسد الهزيمة إلى نهاية أكثر قبحًا عندما سلّم الجولان-كما يؤكد كثير من شهود العيان- وهو ما قبض ثمنه لاحقًا بتسهيل إطاحته برفاق الأمس، واستيلائه على السلطة ثلاثة عقود، ثم توريثها لابنه كما تورث قطعة الأرض المملوكة.

وجه الشبه الذي ذكرناه في البداية في ضعة الدور يكمن في بلوغ الخيانة التي بدأت بالمزايدة على ناصر في عهد بعثيي الـ 67 مبلغًا بعيدًا انتهى بالمزايدة على كل الأنظمة العربية غير الممانعة في عهد بعث بشار الأسد الذي وصف بجرأة غير محسوبة معارضي حرب 2006 بأنصاف الرجال.

ويكمن في أن المساهمة في بيع جزء من سورية في عهد بعث الـ 67 قد بلغ حد بيع سورية كلها إلى الحليف الإيراني والروسي، وتحويلها قاعًا صفصفًا، وتدميرها فوق رؤوس أهلها.

والبعد الآخر للشبه في أن المساهمة في إسقاط المشروع القومي الذي كانت تمثله مصر عبد الناصر في عهد البعث آنذاك قد تحولت إلى مساهمة في جعل المنطقة كلها رهينة لمشاريع إقليمية باستخدام المزايدات نفسها، ولكن بصورة أكثر وقاحة.

إذا كان ما قاله روزفلت صحيحًا، وفحواه أن كل حدث يحدث في عالم السياسة إنما هو عمل فاعلين قاصدين وليس صدفة، فإن إنتاش بذرة الخيانة، والمزاودة، وتحطيم المشروع القومي التي بذرها الأب ورفاقه، إنتاشها نبتة مزايدة أكثر قحة، وخيانة أكثر عهرًا، وتحطيمًا للمنطقة باسرها أكثر فتكًا يمكن أن يسمح لنا بالاعتقاد أن ما يجري في ذكرى ال 67 ليس صدفة، وإنما هو إرادة حكام خفيين للعالم يتقنون صنع الاحداث عن طريق أدوات يستخدمونها، ويتلذذون في التعبير عن براعتهم في تكرار جوهرها بصور مختلفة في التوقيت نفسه.