رئيس التحرير

يتكون محتوى انطباع الجمهور عن السياسي من عدة كتل أهمها الصفات الشخصية التي تتألف من المظهر الخارجي والسلوك والسمات، والأخيرة تقع في عدد محدود من الفئات هي: القيادة، والكفاءة، والنزاهة، والمشاركة الوجدانية. وهذه السمات مصدر يشتق منه استدلالات يعدها الجمهور محورية لفهم سلوك القائد والتنبؤ بسلوكه.
ويسهم في تشكيل هذا المحتوى أيضا المواقف من القضايا العامة.
أما المظهر الخارجي فيسهم في استخلاص السمات؛ حيث خلصت الدراسات التجريبية إلى أن طول القامة يوحي بسمة القيادة، والعيون الكبيرة إضافة إلى الشفاه الغليظة والوجه الدائري توحي بالدفء والأمان اللذين يرتبطان بسمة المشاركة الوجدانية. وهذا المحتوى دينامي متغير وفقا للظروف والسياق رغم ثباته النسبي لدى الأتباع.
أما الموقف من القضايا العامة فيستخدمه الجمهور كجزء من الصورة النمطية عن السياسي والتي تمثل الانطباع في استاتيكيته ومقاومته للتغيير إلا بصعوبة، والمستخدمة بدورها كأدوات للتبسيط الإدراكي؛ بمعنى أن استيعاب الكم الهائل من المعلومات التي يواجه بها المتلقي تضطره الى الاتصاف بما يسمى في أدبيات علم النفس السياسي بـ “الشح الإدراكي”، فيلجأ إلى صورة نمطية عن القائد، ومن مكونات هذه الصورة موقف القائد من القضايا العامة بدون سبر خلفياته ودوافعه وتقصي التغيرات التي تطرأ عليه، ما لم تكن تغيرات صادمة تتجاوز مستوى عتبة الانتباه لدى صاحب الانطباع.
حسن نصر الله في نظر جمهوره قائد يتمتع بسمات الكفاءة والنزاهة والقيادة، ولديه من المخزون الوجداني ما يجعل الجمهور خاصته يعده واحداً منه.
أما سمة القيادة التي يعبر عنها بقوة الشخصية ( إذا صرفنا النظر عن قصر القامة الذي يرتبط بضعف القدرات القيادية) فقد أضحت سمة مشروخة بعد سلسلة الإخفاقات التي مني بها، وأما النزاهة فقد أصبحت محل شك عبّر عنه أفراد ممن كانوا يرون فيه مقدساً؛ لأن للنزاهة شرطاً لا ينفك عنها هو القدر الكافي من استقلالية القرار التي ثبت أنه لا يتمتع بأي قسط منها، والكفاءة التي يعبر عنها بأوصاف الذكاء والمؤهلات صارت أقل قدرة على الإقناع؛ لما صادفته هذه السمة من تشويش بدأ بتصريحه الأحمق بعد انتهاء حرب تموز والذي عبر فيه عن عدم توقعه شن إسرائيل الحرب، وأنه لوكان يعلم لما قام بخطف الجنود. ولا ريب أن هذا التصريح ظل يعتمل في لا وعي بعض مناصريه ووعي البعض الآخر كقرينة على الغباء السياسي. وبدأت المشاركة الوجدانية في التآكل ولم يتبق منها إلا أساطير مشتركة مستوحاة من الأيديولوجيا لا تكفي لمدّ جسور التواصل مع جمهور يزجّ في حروب بدأ يدرك عبثيتها.
الوجه الدائري والشفاه الغليظة والعيون الكبيرة هي ما تبقى لدى السيد لإضفاء الإحساس بالدفء والأمان لدى “الجمهور، وهي إذا عرفنا هامشيتها مقابل ما تضيفه المعلومات لمحتوى الانطباع، والتي تتواتر عن خسائر “السيد وضباطه، وإخلافه لوعوده، وما تساهم فيه المواقف من القضايا العامة -والتي نوهنا أنها جزء من الصورة النمطية-من إغناء له تصبح غير ذات نفع.
فقد تحولت البندقية من العدو الوجودي إلى وجهة أخرى وهو تغير في الموقف من القضايا العامة يجعل الصورة النمطية التي تمثل واجهة الانطباع الأساسية وحالته الأكثر دواماً “لسيد الممانعة” قابلة لإعادة النظر، وتجعل ما يخصفه عليها من ورق الأيديولوجيا غير قادر على ستر عورته.
لعلّ العدة الباقية لدى “السيد”، والمتمثّلة في مواصفات وجهه هي الوحيدة القابلة للاستثمار، فإذا استعان بمن يرقّق شفتيه ويجعل وجهه ذا زوايا حادة -ولا أدري إذا كان لدى خبراء هذا الفن حلّ لتصغير عينيه-فربما يحافظ لوقت قصير على محتوى الانطباع الذي في خيال جمهوره عنه. وهيهات أن يستطيع خداعه مرة أخرى كائناً من كان خبير التجميل الذي سيعبث في وجهه إلا لعشية أو ضحاها.