ترسم تطورات المحادثات الروسية-الإسرائيلية، التي أجراها وزير الأمن الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، الخميس مع وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، بموازاة الاتصال الهاتفي بين رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، معالم تفاهم روسي-إسرائيلي لجهة تمكين نظام بشار الأسد من شنّ هجومه المرتقب على معاقل قوات المعارضة في جنوب غرب سورية، شرط أن يكون هذا الهجوم بلا قيادة ولا مشاركة إيرانية، مع تسريب مصادر روسية رسمية واستخبارية، من خلال موقع “سبوتنيك” المعروف بقربه من الاستخبارات الروسية، أن الاتفاق يشمل “تسليم السيطرة على منطقة تخفيض التصعيد الجنوبية السورية إلى الحكومة السورية والشرطة العسكرية الروسية، بعد أن يلقي المسلحون المحليون الأسلحة الثقيلة، وعلى منع الوجود الإيراني في المنطقة”. ولا تزال مسافة ابتعاد القوات الإيرانية والمليشيات الحليفة لها عن المنطقة، موضع نقاش، وتتراوح المسافة بين 20 و60 كيلومتراً من خط الهدنة المرسوم بعد حرب 1973. ويفترض أن يتم إنجاز التفاهم بالكامل في الاجتماع الثلاثي الأميركي ــ الروسي ــ الأردني في عمّان على مستوى نواب وزراء الخارجية الأسبوع المقبل.
ولا تبتعد النقاشات الروسية-الإسرائيلية عن “مستقبل سورية” بشكل عام بعد التسوية السياسية، عن إبعاد مطلق للقوات الإيرانية والمليشيات الموالية لها عن هذا البلد. وفي هذا السياق على ما يبدو، جاءت تصريحات رئيس النظام بشار الأسد في مقابلته الأخيرة مع قناة “روسيا اليوم”، وقال فيها إنه لا توجد على الأراضي السورية قوات إيرانية، بل فقط “ضباط إيرانيون يساعدون الجيش”، كتمهيد لتبرير خضوع النظام للشروط الإسرائيلية لبقائه في الحكم، وإعادة نشر قواته في الجنوب وعند مثلث الحدود الأردنية الإسرائيلية السورية المطلة على الجولان السوري المحتل، بما يمكّنه لاحقاً من تفادي حرج “التضحية بالحليف الإيراني” وإخراجه من سورية، لا سيما أن ليبرمان كان أعلن قبل شهر تقريباً أن إسرائيل لن تمانع بقاء مستشارين إيرانيين في سورية، ولكن ليس قوات عسكرية.
وبحسب ما نشرته الصحف الإسرائيلية مساء الخميس وصباح أمس الجمعة، فإن التفاصيل الأولية التي رشحت عن لقاء شويغو- ليبرمان والاتصال الهاتفي بين نتنياهو وبوتين، تفيد بوجود احتمال لموافقة إسرائيلية “صامتة” على عودة قوات النظام إلى الحدود مع الجولان المحتل، بما يبدو وكأنه رد على موافقة مبدئية روسية وأخرى ضمنية سورية لإخراج القوات الإيرانية والمليشيات التابعة لها من سورية، وإبعادها في المرحلة الحالية عن نقاط الحدود الإسرائيلية، سواء لـ45 كيلومتراً وفق المطلب الإسرائيلي في العام الماضي، أو لما وراء طريق دمشق-درعا وحتى ما وراء خط دمشق-السويداء، وفق المطالب الحالية.
ولفت معلّقان إسرائيليان على الأقل، هما رون بن يشاي (في موقع يديعوت أحرونوت) وعاموس هرئيل (في هآرتس)، إلى أن هناك موافقة مبدئية بشأن موضوع تمكين الأسد من شن الهجوم العسكري على معاقل المعارضة في الجنوب، وهو الموضوع الذي ناقشه ليبرمان مع شويغو، وطرح فيه مطلب سحب القوات الإيرانية والمليشيات الموالية لها إلى ما وراء خط دمشق-السويداء. كما أن الاجتماع ناقش أيضاً، بحسب ما نُشر في الإعلام الإسرائيلي، موضوع بقاء القوات الإيرانية على الأرض السورية، إذ توافق روسيا على المطلب الإسرائيلي القاضي بإخراج إيران و”حزب الله” مبدئياً، لكنها ترى أن ذلك سيكون ممكناً فقط بعد الوصول إلى التسوية الدائمة في سورية، بينما تطالب إسرائيل بتطبيق ذلك اليوم، وهو ما ناقشه نتنياهو مع بوتين في اتصالهما الهاتفي مساء الخميس أيضاً.
وبحسب رون بن يشاي، فقد زود نتنياهو الرئيس الروسي بمعلومات جديدة وصلت إلى الاحتلال بشأن تمركز القوات الإيرانية. كما أبلغه أنه حتى لو وافقت إسرائيل على تسوية موضعية بشأن جنوب غرب سورية، فإنها لن تكتفي بأن تبقى القوات الإيرانية والمليشيات الموالية لها، بما فيها “حزب الله”، على الأراضي السورية، ولا حتى وراء طريق دمشق-السويداء.
وفي هذا السياق، تقترح روسيا، بحسب بن يشاي، على إسرائيل أن تبقى القوات الموالية لإيران بما في ذلك “حزب الله” على مسافة 60 إلى 70 كيلومتراً شرقي خط وقف إطلاق النار في الجولان، وأن تتمركز هذه القوات وراء طريق دمشق-السويداء.
ويبدو أن التقدّم في المباحثات الإسرائيلية الروسية جاء بعد تسليم موسكو والنظام السوري بالمعادلة الإسرائيلية، ومفادها أن استمرار الوجود العسكري الإيراني في سورية قد يدفع بإسرائيل إلى وقف حالة “عدم التدخّل” لتتحوّل إلى “تدخّل نشط” لإسقاط النظام كلياً، بما يعني ضياع كل الإنجازات التي حققتها روسيا بما فيها وصولها لمياه المتوسط.
كما يرتبط هذا التقدّم أيضاً بإبلاغ إسرائيل الحكومة الفرنسية بأنه لا مشكلة لدى إسرائيل ببقاء بشار الأسد في الحكم، وبأنها تعارض بقاء القوات الإيرانية والمليشيات الموالية لها على الأراضي السورية، بحسب ما أوردت مساء الخميس القناة الإسرائيلية العاشرة. ولفتت القناة إلى أن مستشار الأمن القومي الإسرائيلي، مئير بن شابات، أبلغ نظيره الفرنسي فيليب إتيان، بهذا الموقف مطلع الأسبوع، خلال تواجد الأخير يوم الأحد الماضي في القدس المحتلة. وفي السياق، من المقرر أن يلتقي نتنياهو الأسبوع المقبل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، خلال جولة يقوم بها إلى ألمانيا وفرنسا وبريطانيا.
وبحسب عاموس هرئيل في “هآرتس”، فإن إسرائيل ترصد في الفترة الأخيرة وجود فرصة (أو نافذة فرص كما يسميها هرئيل) لإبعاد إيران من دون التورط في مواجهة عسكرية وحرب مع القوات الإيرانية و”حزب الله”. ويشير هذا التقدير إلى أسباب التفاؤل التي كان قد أعرب عنها ليبرمان أخيراً حول قبول روسيا بمطالب إسرائيل بشأن إخراج القوات الإيرانية من سورية. ويقوم هذا التفاؤل على استغلال الأهمية التي يوليها نظام الأسد لإعادة سيطرته على جنوب غرب سورية، وصولاً إلى الحدود مع هضبة الجولان المحتل، من جهة، والحدود مع الأردن واستعادة معبر نصيب وإيراداته المالية الضخمة من جهة ثانية، وتصميم بوتين على تمكين الأسد من تحقيق ذلك.
من جهته، قال رون بن يشاي، إن روسيا تريد من إسرائيل ألا تعرقل أو تشوش نيّة الأسد وقوات النظام بالتوجّه نحو استعادة السيطرة على المنطقة الحدودية الجنوبية الغربية وصولاً إلى بسط السيطرة التامة على الشطر الشرقي من الجولان. في المقابل، فإن بوتين مستعد لأن يضمن لتل أبيب ألا تبقى قوات الحرس الثوري الإيراني والمليشيات الموالية لإيران في المناطق التي سيعيد النظام احتلالها.
وبحسب الصفقة، أو المقترحات الروسية، تقترح روسيا على إسرائيل ألا تمنع الأخيرة قوات النظام من “النزول إلى تلك المنطقة”. وفي حال حدث “انزلاق” للقتال والنيران من قوات النظام تحت قيادة الأسد، فتمتنع إسرائيل عن الرد ولا تخرب الجهد الحربي لقوات النظام، ولا تمسّ بالمستشارين الروس الذين يرافقون قوات الأسد.
ويبدو أن الاحتلال يميل إلى قبول المطلب الروسي، لكنه يريد ضمانات بألا ترافق قوات إيرانية أو موالية لإيران بما فيها “حزب الله”، العمليات الحربية لقوات النظام السوري، مع الفرقة الخامسة مثلاً، التي ترافقها وحدة تنشط برعاية إيران، ناهيك عن “لواء القدس” الفلسطيني الموالي على ما يبدو لإيران.
وبحسب بن يشاي، فإسرائيل “غير مستعدة لأن ترافق هذه المليشيات والقوات الإيرانية، قوات النظام المتجهة نحو الجنوب، وتقترب من الحدود مع إسرائيل، وهو ما تقوله الأخيرة لروسيا علانية”. ويضع هذا الأمر روسيا أمام معضلة، لأن قوات الأسد لوحدها غير قادرة على مواجهة قوات المعارضة من دون مساعدة عناصر المليشيات الإيرانية. ولحل هذه المعضلة، يبدي الروس استعداداً لضمان مغادرة الإيرانيين والعناصر الموالية لهم، فور انتهاء القتال في الجنوب وبسط قوات الأسد سيطرتها على المنطقة، وأن يتراجع الإيرانيون إلى ما وراء طريق دمشق-السويداء. وتطالب إسرائيل أيضاً بألا تتواجد القوات الإيرانية في كافة المنطقة الممتدة من جنوب دمشق وضواحيها وليس فقط شرقي طريق دمشق-السويداء.