لم يعد النظام الإيراني يدعم بشار الأسد من خلال إرسال قواته العسكرية فقط بل أصبح يبني دولته داخل الدولة السورية نفسها حيث يقوم الإيرانيون اليوم بشراء الأراضي السورية وبفتح المدارس الدينية وبأداء المهام القتالية بالإضافة لإزاحة كل من هم مقربون من النظام السوري.
إن خوف بشار الأسد من أعدائه كان السبب الرئيس لطلبه النجدة من موسكو، لكن خوفه من أصدقائه لعب دوراً في ذلك كما يقول مسؤول روسي عمل لفترة طويلة في السفارة الروسية بدمشق، وقد عنى المسؤول الروسي بكلمة الأصدقاء إيران التي كانت فيما مضى الحامي الأساسي للنظام السوري.
يكمل المسؤول الروسي: ” إن الأسد ومن يحيط به يخافون من الإيرانيين، وتعتريهم حالة من الغصب إزاء الغطرسة الإيرانية التي جعلتهم يعاملون سوريا وكأنها مستعمرة لهم!”، النظام السوري كان يعرف ذلك منذ البداية ولكن الأهم من غطرسة الإيرانيين وغضب السوريين هو عدم ثقة رجال النظام السوري في أهداف طهران التي لم يعد للأسد فيها أي دور أو رأي، ولذلك أصبح النظام السوري يريد أن يتواجد الروس في بلاده.
ما يصفه الدبلوماسي الروسي، الذي يريد أن يبقى اسمه مجهولاً, يبدو لأول وهلة مثيراً للغضب، إن دعم الجماعات الشيعية القادمة من إيران وأفغانستان وباكستان والعراق ولبنان والتي تنظم جميعاً من قبل الحرس الثوري الإيراني لنظام الأسد سيساهم في إطالة مدة هيمنة الأسد، لكن هناك العديد من التفاصيل التي يجب إيضاحها حول النزاع على السلطة الذي يجري خلف الكواليس وهو ما يجعل الأمور بالخفاء تختلف كلياً عن الصورة الظاهرة لعلاقة الأسد بإيران.
الحرس الثوري الإيراني قام بالتخطيط لعدد من العمليات لمصلحة النظام السوري ونفذها وكانت هذه الهجمات ناجحة مؤقتاً في حلب شمال سوريا ودرعا جنوبها عام 2013 وقتها كانت هذه الهجمات في كل تفاصيلها من عمل الحرس الثوري، من ينتمي للحرس الثوري الإيراني هم أولئك الذين يرغبون في مواصلة الثورة الإسلامية وانتصار الشيعة على السنة، وهم يشكلون دولة داخل دولة في إيران بالإضافة لحصتهم الاقتصادية الخاصة بهم، حتى أن زعيم الثورة الإسلامية علي خامنئي والرئيس حسن روحاني ليس لديهم ما يملونه عليهم، في الواقع لا تقتصر أهداف الحرس الثوري الإيراني إلى مجرد إعادة الوضع لما كان عليه في سوريا قبل عام 2011.
في أوائل عام 2013 أعلن مهدي طالب أحد مخططي الالتزام الإيراني – السوري: ”سوريا هي المحافظة رقم 35 لإيران والمحافظة الإستراتيجية بالنسبة لنا” لسنوات عدة كان التحالف مريحا بين بيت الأسد وإيران من الناحية السياسية وخاصة ضد الحكم الطويل لصدام حسين في العراق. ولكن اليوم أصبحت سلطة الأسد مرهونة بالدعم الإيراني وهو ما يستغله الإيرانيون عسكريا ومدنيا، حيث تسعى إيران لخلق موطئ قدم لها في سوريا،
على المستوى العسكري يسعى الإيرانيون إلى تعزيز نفوذ حزب الله الشيعي اللبناني في جميع أنحاء سوريا وتحقيقا لهذه الغاية تم إنشاء قوات الدفاع الوطني التي تم تدريب عشرات الآلاف من عناصرها في إيران لتشكيل القوات السورية التابعة لإيران لتتواجد على الأرض السورية مع الجيش النظامي، وقوات الدفاع الوطني تنقسم إلى ميليشيات مافيا محلية تفقد الحكومة السورية السيطرة عليها كلياً بشكل سريع، أما على الصعيد المدني فهناك تحول بعيد المدى يجري الآن فالمدارس الحسينية الشيعية تفتح بشكل مستمر في العاصمة دمشق ومدن أخرى كاللاذقية وجبلة من أجل تحويل السنة وحتى طائفة الأسد العلوية إلى الطائفة الشيعية “الحقة”، فمع تواجد الخطب والمنح الدراسية يمكن دفع السنة والعلويين باتجاه التحول إلى الشيعة الجعفرية أي الطائفة الحاكمة في إيران.
منذ حوالي العام تقرر بموجب مرسوم حكومي إدخال تدريس المذهب الشيعي الجعفري في مدارس الدولة السورية الدينية، كل ذلك يحدث وسط انزعاج العلويين الذين يعبرون علنا عن ذلك فقد اشتكى بعضهم على صفحة أخبار جبلة على فيسبوك قائلين: “إنهم يعودون بنا آلاف السنين، نحن لا نرتدي الحجاب أبدا ولسنا شيعة”. وحدث في خطبة جمعة في مسجد شيعي في اللاذقية أن قال الخطيب: “نحن لسنا بحاجة لكم, بل بحاجة أطفالكم وأحفادكم”.
بالإضافة إلى ذلك يقوم الإيرانيون بشكل مباشر أو عن طريق وسطاء سوريين بشراء أراض ومباني في دمشق كان من ضمنها الحي اليهودي السابق بشكل كامل, ويحاولون بالمقابل جلب الشيعة من بلدان مختلفة وتوطينهم فيها.
طالب إبراهيم, علوي شيوعي من مصياف فر إلى هولندا منذ عدة سنوات يلخص الأمر بقوله: “الأسد يريد الإيرانيين فقط كمقاتلين على الأرض ولكنهم لا يتوقفوا عن إقحام أنفسهم بشكل إيديولوجي في الشؤون الداخلية السورية على عكس الروس، بالتالي لجأ الأسد الآن إلى الدعم العسكري من الروس الذي يطمئن لهم من الناحية الدينية والذين دخلوا تحت ذريعة محاربة “الدولة الإسلامية ” وقاموا بإنزال قواتهم في قاعدتهم العسكرية في شمال سوريا اللاذقية”.
وفي يوم الأربعاء نهاية شهر أيلول الماضي قام الروس بأولى الضربات الجوية ولكن على المناطق التي يسيطر عليها الثوار وليس على مناطق إرهابيي “الدولة الإسلامية”، انه لأمر مشكوك به ما إذا كان ذلك التدخل الروسي سيساعد حقاً على الحد من النفوذ الإيراني.
وبما يتعلق بالمشروع الإيراني في سوريا فيكفي الإطلاع على غرض المفاوضات التي جرت حول مدينة الزبداني ليوضح ماهية هذا المشروع، فمنذ ثلاث سنوات والزبداني غرب دمشق محاصرة من قبل النظام وحزب الله لأهميتها الإستراتيجية عند حزب الله، يسيطر الثوار على الزبداني وهي تعد آخر العقبات في خطة حزب الله للسيطرة على كامل المنطقة الحدودية السورية حول لبنان، في أوائل شهر تموز الماضي بدأ حزب الله هجوما واسعاً على الزبداني , وفي المقابل حاصر الثوار في إدلب قريتي الفوعة وكفريا اللتين يعيش فيهما أكثر من عشرة آلاف من الشيعة، فكانت خطوة طهران التفاوض مباشرة مع الثوار بمن فيهم جبهة النصرة ولم تكن القيادة في دمشق شريكا في المفاوضات على الإطلاق.
ونتج عن المفاوضات اتفاق الهدنة الذي لم يسبق أن حدث بين الثوار ونظام الأسد ولكنه يحمل بين طياته خطرا كبيرا على نظام الأسد إذ انه يعني أحدى أمرين: إما أن الإيرانيين لم يعد عندهم أي إيمان بانتصار الأسد أو أن تقسيم البلاد قد بدأ بما في ذلك التطهير الطائفي، إن خطة الهدنة تنص على أن ينزح جميع السنة في الزبداني إلى إدلب وفي المقابل يتم توطين أهالي الفوعة وكفريا جنوباً. ووقف إطلاق النار سيشمل سلسلة من الأماكن المحيطة بالفوعة وكفريا والزبداني بما في ذلك نطاقها الجوي الذي أصبح محرما على الطائرات ومروحيات سلاح الجو السوري أي أن هذه المناطق أصبحت كمنطقة حظر جوي وهذا ما يشكل تدخلاً في استقلالية النظام وبناء على ذلك يؤخر تنفيذ اتفاق الهدنة والذي يتضمن أيضا الإفراج عن 500 معتقل لدى النظام.
ظاهريا لا يبدو لنا ما هي الآثار السلبية التي يؤدي إليها هذا التدخل الإيراني على نخبة النظام السوري من آل الأسد، لكن من الأكيد انه تم بظل الظروف المتقلبة اختفاء أكثر شخصيات النظام قوة على مر عقود بالإضافة إلى أولئك الذين عارضوا التدخل الإيراني، ففي كانون الأول الماضي ظهر رستم غزالة, رئيس الأمن السياسي جنوب دمشق أمام الكاميرات في فيديو على الانترنت مترافقا بموسيقا وهو يعبر عن ولائه للأسد، وفي وقت لاحق, تعرض للضرب حتى الموت على يد شبيحة أجهزة المخابرات السورية ومن بينهم إيرانيان. وكان سبب ذلك أن غزالي وقف في وجه الميليشيات الشيعية ورفض كل أشكال التعاون وعلى ما يبدو أن الإيرانيين حاولوا استخدام ممتلكاته كمقر لهم ولكن قبل أن يأتوا فضل رب المنزل أن يدعه يحترق كما شاهد الجميع صور حرق المبنى على الأنترنت.
في تموز الماضي وصل الأمر إلى الجنرال ذو الهمة شاليش , قائد الحرس الرئاسي من عقود والمقرب جدا من العائلة الحاكمة, حيث أعلنت وسائل الإعلام الحكومية إقالته المفاجئة بحجة انه كان متورطا بقضايا فساد. الأمر الذي كان غريبا جدا , فشاليش لم يكن فقط مجرد شخص فاسد, بل كان مثالا للفساد حيث كان تاجرا للعقارات والسلاح والمخدرات لسنوات عديدة وبمثابة عراب التهريب لصدام حسين في ظل الحصار الاقتصادي عليه فقد بلغت تجارة الأسلحة والأجهزة الإلكترونية التي يديرها شاليش مئات ملايين الدولارات حيث كان يصدر هذه البضائع عبر سوريا إلى بغداد ومن ثم تم اكتشاف الأمر من قبل الأميركيين في أوائل عام 2003، وكاد ذلك أن يودي بالنظام السوري إلى السقوط بيد الأمريكيين.
في ذلك الوقت لم تزعج أعمال شاليش اللاشرعية أحدا، لذلك فان سقوطه مؤخراً لم يكن بسبب تجاراته الفاسده, بل على الارجح بسبب دوره كرئيس للحرس الرئاسي، هذه الأمثلة من الجنرالات تظهر مدى تعرض الأسد للضغوط من قبل الإيرانيين, لدرجة أنه لم يعد قادرا على حماية المقربين منه, الأمر الذي يشكل خطرا كبيراً عليه.
يقول دبلوماسي أوروبي كانت له صلات سابقة في دمشق: “منذ رحيل شاليش, تمكن الإيرانيون من الوصول بشكل فعلي ومباشر إلى بشار الأسد، الأسد الآن يخضع لحراسة من قبل الإيرانيين، وهم قادرون على إسقاطها عندما يشاؤون، ومع إرسال موسكو قواتها إلى سوريا أصبح الأسد أكثر راحة قليلا, فهو يستطيع الآن أن يلعب على الحبلين الإيراني والروسي وبنفس الوقت يتمكن من مواصلة حملته العسكرية على سوريا، الأسد وفق المعطيات الحالية لن يفوز لكنه لن يفقد شيء مؤقتاً”.
كريستوف رويتر – ترجمة الغربال: راما البدرة عن مجلة “ديرشبيغل” الألمانية