لقد استطاع الشعب السوري، أن ينجز ثورته العظيمة، بتضحياته الكبرى وشجاعته الأسطورية، خلال عقد ونصف من الزمن، ثمناً لكرامته وحريته. إنها ملحمة العصر وثورة شعب لم تنكسر إرادته، فعرج للعلياء منتصراً، محققاً هدفها الرئيسي في 8/12/ 2024، في اقتلاع المنظومة الأسدية، التي لم يعرف التاريخ مثيلاً لتوحشها، في إهلاك البشر والحجر، وإفساد العقول والنفوس، فكان سقوطها انهياراً لأعتى أنواع أنظمة الاستبداد والاستعباد والفساد في العصر الحديث، فقد صادر القرار الوطني للدولة وقوض أركانها وخنق آفاق مستقبلها وحولها إلى ساحة للنفوذ الاجنبي. وفي سقوطه انفتحت الفرص والآفاق أمام الشعب السوري ليصنع تاريخه لا شاهداً عليه.
لقد استخدمت السلطة البائدة الطائفية أداة لتمزيق النسيج الاجتماعي، وتعفيش الاقتصاد الذي تُوّج بإنشاء إمبراطورية الكبتاغون ابتزازاً للدول وتمويلاً للقمع وإفساداً للعقول. كما رهنت سيادة الوطن للخارج، فأغرقت السوريين في الجحيم، مقابل الحفاظ على كرسيّ الحكم الموروث. هذا الإصرار على البقاء في مستنقع التبعية، واستمرارها في دورها الوظيفي الخادم، هو ما أفضى إلى عدالة الثورة وإسقاطه.
لقد نشا واقع جيوسياسي جديد ومتغير نسبيا نتيجة لصمود السورين، وفضائح النظام حول جرائم الحرب التي يرتكبها، واستخدامه للسلاح الكيماوي، وانفضاح ملف قيصر الذي كان مدواً في العالم. فأخذ يتمزق الصمت الطويل للعالم حول المقتلة السورية، فشرع في اتخاذ مواقف أخرى لم تكن في صالح النظام، وبدأ في عزله اقتصاديا عبر العقوبات و”قانون قيصر. وفي الوقت نفسه، بدأت سلطة القانون الدولي في ملاحقة رموز الإجرام، مؤكّدة أن ملاذهم لم يعد آمناً، وأن العدالة أطول عمراً من الطغاة.
اليوم، في الذكرى الأولى لتحقيق الحلم، الذي أسقط منظومة الأسد الإجرامية، وهزم مشروع ملالي طهران في سورية والمنطقة، ومنع نشوب حرب أهلية في البلاد، وتمكّنت حكومة المرحلة الانتقالية على تموضع سورية دولياً، بالعمل على تصفير الخلافات والعقوبات والانفتاح، مدركة أن استعادة مكانة سورية تبدأ من محيطها الحيوي؛ بدبلوماسية سيادية وندّية، تتحوّل بموجبها من ساحة نفوذ إلى نقطة توازن إقليمي، مع الالتزام باستعادة سورية وحدتها أرضاً وشعباً. ويجب العمل بشكل متزامن ومتوازن ما بين الداخل للدولة وعلاقاتها مع الخارج. فتحصين الأوضاع الداخلية هو جاذب للدول الأخرى والاستثمارات الاقتصادية وغيرها، وعلى هذه الأسس، تقع مسؤولية بناء الدولة، دولة المؤسسات والحريات والمواطنة والقانون والمساواة والعدالة والتنوع الثقافي، دولة تتجاوز المفهوم الأمني إلى الرعاية والخدمة، ومعالجة مكامن الضعف في الحوكمة والإدارة التي أفضت إلى حوادث وجرائم مؤلمة في الساحل والسويداء وغيرهما، ويجب تطبيق العدالة ومحاسبة المجرمين، من أي جهة أمام القانون وهو أولوية.
إن استحقاق النصر، هو إطلاق نهضة تبدأ بـتأسيس منصّة توافق وطني شاملة لإنجاز عقد اجتماعي يرسم سورية دولة المواطنة والحرّية والديمقراطية، ويقوم على التشاركية والمساواة في ظلال دولة القانون. ويتطلّب ذلك تنفيذ اتّفاق “10آذار” كاستحقاق وطني، فتكون الذكرى تكاملاً للفرح والاعتزاز، والمسير على طريق وحدة سورية أرضاً وشعباً. ويجب على الجهات المختصة في الدولة الجديدة تفعيل مسار العدالة الانتقالية لترسي الأمن والاستقرار وتمنع الثأر، وتضمن التحقيق والمحاسبة لمن اقترفوا الانتهاكات والجرائم وحرّضوا عليها، من أي طرف كان وإنصاف الضحايا وجبر الضرر عبر القانون والمؤسسات القانونية. كما تستثمر في كنزها البشري بتأمين العودة الكريمة للاجئين، الذين يمثّلون رأس مالها الحقيقي في البناء، وتستأصل جذور اقتصاد الفساد والكبتاغون لصالح نهضة تعيد الإعمار.
نحن في حزب الشعب الديمقراطي السوري، نشهد اليوم ولادة سورية الجديدة نحو المستقبل ونحو الحرية التي دونها عوائق وعقبات وانتكاسات، كأي وضع جديد بعد عقود من الاستبداد والاستعباد والدماء والدمار والسلب والنهب لمقدرات الشعب والدولة، وندرك تأثير الأوضاع الإقليمية والدولية على البلاد، وما يحاك من قبل العدوان الإسرائيلي، وأذنابه عليها. وهذا يتطلب من السلطة القائمة العمل على تحصين أوضاعنا الداخلية وتعزيز الخطاب الوطني الجامع لكل السوريين. وأن يتحمل الجميع مسؤوليتهم الوطنية، وكذلك تأمين مقومات الحياة الأساسية للسوريين من معيشة لائقة وخدمات ميسرة، بعد أن عانوا طويلاً من الفقر والجوع والحرمان. وتوفير الأمن والاستقرار واعتماد لغة الحوار والتشاركية. ونركز على حيادية الدولة اتجاه المكونات والأديان والمذاهب والأحزاب، وتقف على مسافة واحدة من الجميع، وأن تعمل على تبديد مخاوف المكونات الوطنية، والتصدي بحزم لكلِّ أشكال التحريض والتجييش الطائفي عبر منعه وتجريمه، لما قد يجرُّه من مخاطر على السلم الأهلي والعيش المشترك، وعلى وحدة البلاد.
كما نرفض كل أعمال الانتقام والثأر، ونؤكّد مجدداً أن دم السوري على السوري حرام، كما نرفض التطاول أو العبث بالرموز الوطنية وأيّ تعدٍّ على حياة الناس وكراماتهم. وإن سورية واحدةٌ، أرضاً وشعباً، ونؤكد الحفاظ على وحدة البلاد ومستقبلها وعلى الأمن والاستقرار والسيادة على أراضيها.
نؤكد ايضاً أنّ الدولة وحدها ـــ كما في كلّ دول العالم ـــ هي من يحقُّ لها احتكار السلاح وأدوات القوة والأمن وإنفاذ القانون. لذا فإنّ مهمتها الأولى؛ هي حل جميع الفصائل وجمع السلاح من أيدي الجميع دون استثناء.
إن نظام اللامركزية الإدارية يجب أن يطبق في جميع المحافظات السورية، وهي التي تعزز الديمقراطية والتشاركية، حيث يدير أبناء كل محافظة شؤونهم الإدارية والخدمية، وهم منتخبون من قبل مجتمعاتهم بدأً من المحافظ إلى مجالس القرى.
لقد أغلقت سورية الجديدة صفحة الدمار بانتصار الإرادة ليبدأ عصر البناء بمشاركة الجميع، لتنهض، وتعود إلى أهلها وسوريتها، فشمس الحرية لا تكتمل إلا بتضافر إرادة الشعب في دولة وطنية لا تتسامح مع التمييز، ولا تقبل الارتهان، ولا تتنازل عن العدالة، وتوفر الأمن والحياة الكريمة، والحياة الدستورية والحرية والديمقراطية وسيادة القانون والمواطنة لجميع السوريين، وأن يكون الفضاء السوري حراً ومفتوحاً للعمل والسياسة وللحريات والصحافة والحياة المدنية والسياسية والحزبية المشروعة والمقوننة، وهي جيدة وواسعة، وندعو لاستثمارها والحرص عليها وقوننتها، لتصبح سورية أيقونة ومنارة ترشد الأجيال للتمسّك بالسيادة التي لا تُمنح بل تُصنع، فتكون بانتصارها ورشة بناء البلد لا مزرعة عصابات الأسد، عندها تكون سورية قد تحرّرت بتضحيات الجميع. وطوينا الصفحة السوداء للأسدية وفلولها من تاريخها إلى الأبد، والسير بها نحو المستقبل لتأخذ مكانها الطبيعية تحت الشمس.
دمشق 8 / 12 / 2025 اللجنة المركزية
لحزب الشعب الديمقراطي السوري
حزب الشعب الديمقراطي السوري Political, opposition, the Syrian Democratic People's Party, Syria, Syria, Riad al-Turk, political yard Segns, political lawn Segns political campaign signs, cheap political signs. political sign,
