نفّذت قوّات تابعة للتحالف الدولي الذي تقوده أمريكا يوم الأحد الماضي عمليّة في ريف دير الزور شرق سوريا تشبه في مجرياتها أفلام هوليوود الأمريكية بعناصرها المعروفة التي شاهدناها في عشرات أفلام الإثارة والتمجيد للبطولات الأمريكية أو لانتقادات مخرجيها الكبار للموت الذي ينشره تدخلاتها العسكرية عبر العالم.
مروحيّات الأباتشي الأربع التي انطلقت على الأغلب من قاعدة في شمال شرق سوريا توجّهت إلى قرية الكبر التي يحمل اسمها هالة رمزيّة كونها كانت القرية التي تعرّضت لغارة كوماندوز سابقة استهدفت عام 2007 تدمير ما زُعم أنه «مفاعل نووي» للنظام السوري انكشف أمره بعد هرب نائب لوزير الدفاع الإيراني، الجنرال علي رضا العسكري، إلى الولايات المتحدة الأمريكية وفضحه مشروعا نوويا مشتركا بين سوريا وإيران وكوريا الشمالية.
في التفاصيل التي أذاعتها الوكالات عن العملية الجديدة أن جنوداً يعرفون العربية شاركوا في العملية وطلبوا من المدنيين الابتعاد عن موقع المعركة والبقاء في منازلهم، تمّت خلالها عمليّة إنزال برّي فيما مروحيّتان إضافيتان توفران حماية الجنود المشاركين الذين نصبوا حواجز على الطرق وفي نفس الوقت قام آخرون باستهداف سجن سرّي «يعتقد أن رهائن غربيين كانوا محتجزين فيه» حيث قتلوا، حسب المصادر التي نقلت الخبر، 25 جهاديّاً بينهم قياديّان في تنظيم «الدولة» وأطلقوا سراح رهينتين وأسروا عنصراً أجنبياً.
وزيادة في «التشويق» فقد كان لحلفاء أمريكا الصغار دورهم في إضافة خطوط على الحبكة المثيرة للسيناريو وهكذا صرّح مصدر من «قوّات سوريا الديمقراطية»، وهي قوّات نسيجها الأساسيّ من «وحدات الحماية الكرديّة» التابعة لحزب العمال الكردستاني التركي، أن كتيبة من هذه القوّات (الكتيبة بالمناسبة وحدة عسكرية تتألف من 4 إلى 6 سرايا ويتراوح عدد أفرادها بين 400 إلى 1000 جندي!) «قامت بعملية نوعية قتلت خلالها عشرات من عناصر تنظيم «الدولة» وأسرت أربعة بينهم قيادي»، رغم أن البنتاغون نفسه قال إن حصيلة ال 25 قتيلا من الجهاديين التي اعلنتها منظمة غير حكومية سورية «مبالغ فيها كثيرا».
المشاعر التي تستثيرها عمليات الكوماندوز الأمريكية في سوريا وغيرها تتعدّى أغراض الاعلان والتسويق لعظمة القوّة العسكرية الكبرى في العالم ويدلّ اشتباكها الغرائبيّ مع مجريات الأحداث وتشابهاتها «الهوليوودية» عن صلب أجندتها التي تنتقي من العالم ما يتفق مع رؤيتها السينمائية والاستشراقية له فيما يغيب عنها كلّ شيء آخر.
العمليات العسكرية الأمريكية في العالم العربي، من اليمن إلى سوريا، تجري على توقيت خاصّ بها لا علاقة له أبداً بآمال وآلام الشعوب أو نضالاتها ضد الطغيان والاستبداد والفساد والتوحّش والطائفية، ولم تكترث واشنطن لمئات المجازر التي حصلت أو المدن التي دمّرت أو المناطق التي حوصرت وجوّعت ولكنّها خاضت حرباً هائلة جنّدت فيها كل قوّاتها وقوات حلفائها دفاعاً عن بلدة سورية واحدة فقط هي كوباني فهذه البلدة هي المكان الوحيد المهم في ذلك السيناريو وكل ما عداها باطل.
وقد صوّر أحد الأفلام مشاعر جنديّ أمريكيّ يقوم بتحديد أهداف القتل من مكان بعيد في بلاده ويتابع نتائج قصف الطائرات بدون طيار أو عمليات الكوماندوز التي تخلّف نقاطاً على الأرض هي جثث الناس المقتولة أو البيوت المحروقة فيحتفل المحتفلون هناك بارتفاع حصيلة عدّاد القتلى من «أعداء الولايات المتحدة الأمريكية» بغض النظر عن النتائج على البشر والاجتماع والاقتصاد والسياسة في تلك النقاط الجغرافية البعيدة التي يصادف أنها، في أغلبيتها الساحقة، بلدان تسكنها شعوب مسلمة أو عربية.
نحن في شاشات البنتاغون والسي آي أي لسنا غير فيلم أمريكي لا ينتهي!
رأي القدس
“القدس العربي”