أظهرت وثائق أبرمها كل من موسكو وأنقرة مع فصائل المعارضة السورية من جهة والحكومة السورية من جهة ثانية، وحصلت «الحياة» على نصها، استعجالاً روسياً في تثبت وقف النار ونشر مراقبين روس وأتراك ونقاط تفتيش قرب مناطق الاشتباك السورية وتحقيق اختراق سياسي في مفاوضات آستانة وفق برنامج زمني، وشرعنة نتائج المفاوضات برعاية دولية في جنيف.
لكن التحديات أمام إنجاز هذا البرنامج الطموح لا تزال قائمة، بينها مدى التزام طهران ودمشق اتفاق وقف النار، باعتبار أن العمليات الهجومية لا تزال قائمة إلى أمس في وادي بردى وغوطة دمشق ومدى قدرة فصائل إسلامية على الابتعاد عن «جبهة فتح الشام» (النصرة سابقاً)، خصوصاً أن «حركة أحرار الشام» وزعت مذكرة داخلية تضمنت انتقاداً شديداً لوقف النار ومفاوضات آستانة، إضافة إلى هشاشة آليات الرقابة على وقف النار والعقاب على خروقه.
وتوصلت موسكو وأنقرة إلى أربع وثائق حصلت «الحياة» على نصها، وهي: الاولى، «إعلان» تشكيل الوفود للبدء بالمفاوضات حول التسوية السياسية لحل شامل للأزمة بطرق سلمية بين الحكومة الروسية والجيش السوري. الثانية، «اتفاقية» بين روسيا وفصائل إسلامية معارضة بضمانة موسكو وأنقرة. الثالثة، «بيان» حول اتفاق وقف العمليات القتالية. الرابعة، «اتفاق» حول آليات تسجيل خروق وقف العمليات القتالية والعقوبات ضد من يخرقها. ويُعتقد بوجود وثيقة خامسة سرية بين موسكو وأنقرة تضمنت برنامجاً زمنياً لابتعاد فصائل المعارضة عن «فتح الشام» وربط ذلك بقيام مجالس محلية وضمان تدفق البضائع بدعم روسي- تركي.
ونصت الوثيقة الأولى الموقعة من اللواء شوقي أحمد يوسف نائب رئيس هيئة الأركان في الجيش السوري ومن ضابط رفيع المستوى في الجيش الروسي في قاعدة اللاذقية بحميميم، تأكيداً على «عدم وجود بديل من الحل السياسي الشامل للأزمة وضرورة بدء العملية السياسية مسترشدين بالقرار ٢٢٥٤» وعلى «الاحترام الكامل لسيادة ووحدة أراضي الجمهورية العربية السورية وتأمين مصالح الشعب السوري ووضع حد لإراقة الدماء وصون الاستقلال الوطني وسعياً لتأمين الاستقرار العاجل بالتنسيق مع ممثلي روسيا الاتحادية، التي تسمى بالضامن»، فإن الحكومة السورية «تلتزم تشكيل وفد في موعد حتى ٣١ كانون الأول (ديسمبر) في ٢٠١٦ (يوم أمس)لإجراء مفاوضات تتعلق بالتسوية السياسية وتحدد أعضاء الوفد بصورة مستقلة» على أن يبدأ هذا الوفد بالعمل مع «الطرف المعارض موعد أقصاه ١٥ كانون الثاني (يناير) في مدينة آستانة بمساهمة منظمة الأمم المتحدة».
ونصت الفقرة الثالثة على أنه «بحسب نتائج العمل المشترك كلها، وفي موعد أقصاه … في ٢٠١٦، سيتم وضع خريطة طريق لتسوية الأزمة السياسية في سورية، وسيجر عمل الفريقين بـ «تأييد الضامنين». ولم تتضمن تواريخ الجدول الزمني، لكن يعتقد أن الحديث يجري عن ثلاثة أو أربعة أشهر. لكنها تتضمن تأكيد مرة ثانية على «بدء المفاوضات لتسوية سياسية للوصول إلى حل شامل للأزمة بطرق سلمية».
أما الوثيقة الثانية المتعلقة بوفد المعارضة، فنصت على المبادئ السياسية ذاتها الواردة في الوثيقة السابقة مع إضافة عبارة «ضمان الدولة المستقـــلة التي تمثـــل الشعب السوري بكامله» وعلى خمــسة بنود، فيها مواعيد مختلفة عن الوثيقة الحكومية، ما دل إلى استعجال سورية. وأكدت البنـــود «التزام المعارضة تشكيل وفد من أجل إجراء المفــاوضات الخاصة بالحل السياسي الهادف إلى حـــل شامـــل للأزمة السورية من طريق سلمي لغاية 16 كانـــون الثاني بمشاركة الضامنين، على أن تحدد المعـــارضة تشكيل وفدها بمفردها»، إضافة إلى أن يبــدأ «الــوفــد بالعمل المشترك مع وفد الطرف المختلف بدءاً من 23 كانون الثاني في آستانة بمشاركة الأمم المتحدة». ونتيجة للعمل المشترك «يقوم الوفدان (النظام والمعارضة) بإعداد خريطة طــريق من أجل حل الأزمة السورية في أقصر وقت وأن يعمل الوفدان برعاية الضامنين (تركيا وروسيا)».
وفي هذه الوثيقة ملحق تضمن تفويضاً من ١٣ فصيلاً معارضًا شخصين لتشكيل الوفدين. وكان بين الموقعين «فيلق الشام» و«فرقة السلطان مراد» و«صقور الشام» و«الجبهة الشامية» و«جيش العزة» و«الفرقة الأولى الساحلية» و«لواء شهداء الإسلام» و «جبهة أهل الشام» و«جيش إدلب الحر» و«فيلق الرحمن» و«تجمع فاستقم» و«جيش النصر» و«جيش الإسلام».
«أحرار الشام»
وأعلن الجانب الروسي، أن سبع كتل عسكرية وافقت على الاتفاق، وهي: «فيلق الشام» ويضم أربعة آلاف مقاتل في ١٩ فصيلاً و «أحرار الشام» وتضم 80 فصيلاً و 16 ألف شخص و«جيش الإسلام» ويضم 64 فصيلة و 12 ألفاً و«ثوار الشام» ويضم 8 كتائب و2500 مقاتل، و«جيش المجاهدين» من 13 فصيلاً وثمانية آلاف مقاتل و«جيش إدلب الحر» ويضم ثلاث تنظيمات وستة آلاف مقاتل، إضافة إلى «الجبهة الشامية» التي تضم خمسة تنظيمات وثلاثة آلاف مقاتل.
لكن «أحرار الشام» أعلنت أنها ليست جزءاً من الاتفاق، بل انتقدت الاتفاق في مذكرة داخلية حصلت «الحياة» على نصها. وقالت: «بعد جولات من التفاوض والمباحثات وعروض عدة قدمها العدو الروسي وتم عرضها على الفصائل -عبر الضامن التركي- وقُوبلت بالرفض أو التعديل، الذي قابلته روسيا بدورها بالرفض، قام العدو الروسي بتقدم صيغة جديدة بالتشاور مع الجانب التركي ليتم عرضها علينا كفصائل وجماعات مقاتلة في اجتماع (أول) أمس في أنقرة. وافق إخواننا من ممثلي الفصائل الثورية المشاركة على الاتفاق واعتذرت الحركة عن عدم التوقيع».
وشملت «تحفظاتنا» الخطية أن «الربط بين وقف النار وتشكيل وفد من المعارضة لبدء عملية سياسية انطلاقاً من منصة آستانة هو إشكال جوهري، ذلك أن العملية التفاوضية في آستانة لا تلزم العدو الروسي والنظام باستبعاد معارضة (منصات) موسكو والقاهرة وحميميم، وأن إطلاق عملية سياسية بهذا الظرف الثوري يعني أننا نقدم انتصاراً سياسياً للنظام من خلال تراجعنا العسكري»، إضافة إلى «عدم وجود نظام واضح لوقف إطلاق النار وغياب آليات المراقبة الواضحة»، إضافة إلى أن «العدو الروسي كطرف ضامن للنظام وميليشياته لا يمكن التعويل عليه مطلقاً لضمان سلوك العدو الإيراني على الأرض والفشل الروسي في اتفاق حلب الأول خير دليل على ذلك، حيث لم يستطع الروس ضبط ميليشيات إيران الرافضية، خاصة وأن إيران هي من يتحكم بالميدان عسكرياً على الأرض». وزادت: «إننا في حركة أحرار الشام الإسلامية نؤمن أن الحل في سورية هو حل سياسي يحفظ لأهل السنة في بلدنا هويتهم وسلاحهم».
ويعتقد أن هذا الموقف له علاقة برغبة الحركة الحفاظ على تماسكها باعتبار أن هناك تداخلاً بين مناطقها ومناطق «النصرة» خصوصاً، وسط انتقاد الأخيرة الاتفاق ووجود أنباء عن نية «النصرة» تشكيل تكتل كبير من فصائل إسلامية لتوفير «درع حماية لها».
كما أن «الهيئة التفاوضية العليا» المعارضة برئاسة منسقها رياض حجاب لم تكن مرتاحة للاتفاق، لعدم ثقتها بـ «قدرة روسيا على الضغط على إيران ووقف العمليات العسكرية»، إضافة إلى القلق من تشكيل الوفد المعارض وترك الأمر إلى قرار الفصائل واحتمال مشاركة ممثلي من المعارضة من قوى أخرى وعدم الاقتصار على حصرية رئاسة «الهيئة» للوفد المعارض. ومن المقرر أن تجتمع «الهيئة» في التاسع من كانون الثاني لاتخاذ قرار نهائي مع إجراء حجاب اتصالات مع دول غربية للقيام بتحرك يستعيد مرجعية «بيان جنيف» ويضغط على موسكو لتنفيذه مع القرار ٢٢٥٤. لكن بعد ضغوط تركية وللحفاظ على العلاقة مع أنقرة، أعلنت في بيان أمس «الترحيب باتفاق الهدنة، وتعلن دعمها الجهود المخلصة لوقف نزيف الدم السوري ورفع المعاناة عن المدنيين»، إضافة إلى استعدادها لتقديم «دعمها الكامل للفصائل، واستعدادها لتوفير الخبرات والدعم الفني، لتتمنى أن تقوم هذه المفاوضات على أجندة واضحة تتضمن وضع آليات ناجعة لمراقبة وقف الأعمال القتالية وضمان التزام سائر الأطراف بها، وأن تساهم في تحقيق البنود الإنسانية 12 و13 و14 من قرار مجلس الأمن 2254، وأن تتم تحت مظلة أممية وضمانات دولية تمهد لمفاوضات الانتقال السياسي المزمع عقدها في جنيف».
«معالجة الخروقات»
تناولت الوثيقة الثالثة، آليات تسجيل خروقات اتفاق وقف العمليات القتالية في سورية بدءاً من ٣٠ كانون الأول ونظام معاقبة من يخرق الاتفاق، في اتفاق بين روسيا وتركيا، باعتبارهما الضامنين. ونص على أنه بناء على الاتفاق بين فصائل المعارضة المسلحة السورية والمعارضة، فإن الطرفين يتفقان على أن الضامنين سيؤسسان هيئة مشتركة للتعاطي مع جميع القضايا المتعلقة بخروقات وقف النار و «ستدير نشاطات نقاط التفتيش لمراقبة التزام اتفاق وقف العمليات القتالية لكل الأطراف في سورية للأزمة السورية. وستقدم مقترحات للأطراف المعنية لمحاسبة الأشخاص المسؤولين عن الخروق ومقترحات للضامنين لاتخاذ آليات عقابية».
وتابعت: «مكاتب روسيا وتركيا للهيئة المشتركة ستقام في موسكو وأنقرة، وسيقيم الضامنان خطوط اتصالات مباشرة بين المكتبين»، في اختلاف على مسودة أولى لهذه الوثيقة كانت تقع في سبع صفحات وتضمنت تشكيل مركز إعلامي وفتح مكتب يحظى بالحصانة الديبلوماسية في دمشق.
ونصت الفقرة الثانية على موضوع «نقاط التفتيش»، حيث إنه «آخذين في الاعتبار تسجيل خروقات الأطراف لوقف العمليات القتالية، فإن الضامنين سيقيمان نقاط تفتيش في مناطق مسكونة قرب خطوط الاتصال بين الأطراف لضمان التزام اتفاق وقف العمليات القتالية من الأطراف»، علماً أن مسودة الوثيقة نصت على «أن يقوم الطرفان الضامنان في النقاط المأهولة قرب خط التماس بتشكيل نقاط إشراف على مراقبة نظام وقف إطلاق النار… مع خرائط لانتشارها… ويشمل ذلك الحصانات والامتيازات» في اتفاقية فيينا للحصانة الديبلوماسية.
وتناولت الفقرة الثالثة أن الضامنين سيتخذان «كل الإجراءات الممكنة لحل الخلافات بين الأطراف لدى خرق الاتفاق… وعندما تفشل الأطراف بالوصول إلى اتفاق، فإن الهيئة المشتركة سترسل طلباً للطرف الذي يخرق الاتفاق بوقف خرقه والتعويض عن الضرر اللاحق من تصرفه. وفي حال لم تتم تلبية الطلبين، فإن الضامنين سيطبقان إجراءات تنفيذية ضد من يخرق الاتفاق».
وفي الفقرة الرابعة إشارة إلى أن استمرار الاتفاق قائم إلى حين استمرار اتفاق وقف العمليات القتالية بدءاً من توقيع الاتفاق في أنقرة في ٢٩ كانون الأول. وهذه الفقرات فيها تطور عن اتفاق وقف العمليات القتالية بين روسيا وأميركا في شباط (فبراير) الماضي.
ولا شك في أن نشر مراقبين ونقاط تفتيش في سورية أمر لافت. ويعتقد أن هذا سيشمل ريف حلب ومحافظة إدلب خصوصاً إذا ما ربط هذا باتفاق آخر لم ينشر، تناول برنامج زمني لعزل «النصرة» وإقامة مجالس محلية في مناطق المعارضة بدعم من موسكو وأنقرة.
ونصت الوثيقة الرابعة على اتفاق وقف العمليات القتالية في أراضي سورية، حيث إنه «بهدف خلق ظروف تأسيس حوار سياسي مباشر بين الأطراف السورية وخفض العنف ومنع سقوط ضحايا بين المدنيين وتقديم مساعدات إنسانية، فإن روسيا وبناء على نصوص القرار ٢٢٥٤ تقترح وقفاً للعمليات القتالية في كل سورية، عدا محاربة تنظيم داعش وجبهة النصرة الإرهابيين»، بحيث يجري وقف جميع العمليات القتالية من جميع الأطراف والفرقاء الداعمين ما يشمل الآتي: «وقف القيام بعمليات هجومية بأي نوع من أنواع السلاح (…) وعدم كسب أراض أو العمل على كسب أراض تحت سيطرة الطرف الآخر واستخدام الحد الأدنى من القوى في حالة الدفاع عن النفس». لذلك، فإن موسكو طلبت من الحكومة السورية وفصائل المعارضة دعم حل سلمي للصراع وعدم وضع نفسيهما ضمن إطار التنظيمات الإرهابية وممارسة النفوذ على حلفائهما لقبول اتفاق وقف العمليات القتالية.
ابراهيم حميدي – الحياة