بيروت – لندن: «الشرق الأوسط»
تأرجحت مواقف نازحين سوريين من ريف درعا إزاء العودة بين رجوع نحو 20 ألفاً إلى منازلهم وخوف آخرين من عدم وفاء روسيا والنظام بتعهداتهما بموجب اتفاق الجنوب الذي أُنجز، أول من أمس.
وقال «المرصد السوري لحقوق الإنسان» إن «آلاف النازحين داخل محافظة درعا يرفضون العودة إلى قراهم وبلداتهم التي سيطرت عليها قوات النظام خلال العملية العسكرية التي نفّذتها قوات النظام والمسلحين الموالين لها بدعم روسي منذ 19 من الشهر الماضي، إذ إنهم يخشون من عدم التزام روسيا بضماناتها تجاه الأهالي وعدم اعتقالهم، إضافة إلى خشيتهم من تعمد قوات النظام تجاهل الضمانات الروسية تجاه الاتفاق الذي جرى بين ممثلي محافظة درعا والجانب الروسي، وسط مخاوف من اعتقال أبنائهم والشبان المتخلفين عن خدمة التجنيد الإجباري، وسوقهم لأداء الخدمة في مقرات وثكنات وقواعد النظام العسكرية».
في المقابل، أشار «المرصد» إلى أن «أكثر من 20 ألف من النازحين عادوا إلى كل من بلدات وقرى بصرى الشام وغصم والطيبة وأم المياذن ونصيب ومعربا وخربا والسهوة وجبيب والجيزة وأم ولد والمسيفرة والغارية الشرقية، في حين يرفض الأهالي النازحين من العودة إلى كل من بلدات الحراك والنعيمة وبصر الحرير وصيدا والصورة وناحتة وكحيل، والتي تشهد عمليات تعفيش من قبل قوات النظام والمسلحين الموالين لها، إذ يخشى الأهالي من سيناريو مشابه لسيناريو الغوطة الشرقية، حين تجاهلت قوات النظام الضمانات الروسية وقامت باعتقال واقتياد مئات الشبان من مدن وبلدات غوطة دمشق الشرقية ومراكز الإيواء إلى صفوف جيشها».
وبدأت قوات النظام بدعم روسي في 19 الشهر الماضي عملية عسكرية كبيرة ضد الفصائل المعارضة في محافظة درعا؛ ما دفع بأكثر من 320 ألف مدني للنزوح من منازلهم، وفق الأمم المتحدة، وتوجه عدد كبير منهم إلى الحدود مع الأردن.
وقال مدير «المرصد» رامي عبد الرحمن لوكالة الصحافة الفرنسية: «بدأ آلاف النازحين بالعودة منذ عصر الجمعة من المنطقة الحدودية مع الأردن إلى قرى وبلدات في ريف درعا الجنوبي الشرقي، مستفيدين من الهدوء الذي تزامن مع وضع النقاط الأخيرة لاتفاق» وقف إطلاق النار.
وإثر مفاوضات قادتها روسيا مع الفصائل المعارضة في محافظة درعا، تم التوصل مساء الجمعة إلى اتفاق لوقف إطلاق النار يتضمن إجلاء المقاتلين والمدنيين الرافضين للتسوية إلى مناطق تسيطر عليها الفصائل المعارضة في شمال البلاد.
كما يتضمن الاتفاق، وفق وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) «تسلم الدولة السورية كل نقاط المراقبة على طول الحدود السورية الأردنية» على أن يعود النازحون إلى بلداتهم ومؤسسات الدولة إلى ممارسة عملها. وتتواصل السبت حركة النازحين باتجاه قرى وبلدات يشملها الاتفاق، وفق عبد الرحمن، الذي أشار إلى أنه «في المقابل، يخشى البعض العودة إلى مناطق دخلتها قوات النظام خوفاً من الاعتقالات».
وأبقى الأردن، الذي يستضيف أكثر من مليون لاجئ سوري، حدوده مغلقة قائلاً، إنه لا يستوعب موجة جديدة من النازحين. إلا أن منظمات دولية وإنسانية طالبته بفتح حدوده أمام الفارين من العنف.
وفي منطقة زراعية نزح إليها جنوب مدينة درعا، قال أسامة الحمصي (26 عاماً) لوكالة الصحافة الفرنسية «أؤيد الاتفاق لوقف القتال والدم، يكفي قتلاً وتهجيراً، أطفالنا ونساؤنا تشردوا عند الحدود».
وأضاف: «حين نتأكد من صحة وقف إطلاق النار، إذا ضمنا أن أحداً لن يلاحقنا وحصلنا على ضمان حتى لو بسيط، نريد أن نعود إلى بيوتنا بدلاً من أن نبقى مشردين في المزارع». وخلال العامين الأخيرين، شهدت مناطق سورية عدة اتفاقيات مماثلة تسميها دمشق اتفاقيات «مصالحة»، آخرها في الغوطة الشرقية قرب دمشق، وتم بموجبها إجلاء عشرات آلاف المقاتلين والمدنيين إلى شمال البلاد.
وتزامناً مع جلسة التفاوض الأخيرة الجمعة، استكملت قوات النظام سيطرتها على كامل الشريط الحدودي مع الأردن، ووصلت إلى معبر نصيب الحدودي الذي كانت الفصائل تسيطر عليه منذ مطلع أبريل (نيسان) 2015.
وأفاد عبد الرحمن، بأن «قوات النظام أرسلت السبت المزيد من التعزيزات العسكرية إلى المعبر الحدودي»، الذي كان يعد ممراً تجارياً حيوياً بين سوريا والأردن قبل اندلاع النزاع.
إلى ذلك، شارك بطاركة من سوريا ولبنان السبت في اجتماع في باري بجنوب إيطاليا، بدعوة من البابا فرنسيس، للمطالبة بمساعدة دولية تتيح عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم.
والتقى البابا غالبية بطاركة الشرق الأوسط في مدينة باري صباح السبت، للتعبير في الوقت نفسه عن تضامنهم مع المسيحيين في الشرق الأوسط.
واستقبل البابا بحرارة البطاركة عند مدخل كاتدرائية القديس نيقولاوس التي تضم رفات هذا القديس من مدينة ميرا (تركيا حالياً)، الذي مات في القرن الرابع ميلادياً ويكرمه الأرثوذكس والكاثوليك.
وأعرب البابا فرنسيس في كلمة له عن مخاوفه من «تلاشي» الوجود المسيحي في الشرق الأوسط؛ ما سيؤدي إلى «تشويه وجه المنطقة»، معتبراً أن هذا التلاشي «يجري وسط صمت الكثيرين وتواطؤ الكثيرين أيضاً».
وقال البابا، إن «اللامبالاة تقتل، ونريد أن نكون صوتاً يقاوم جريمة اللامبالاة».
ومضى يقول: «نريد أن نكون صوتاً لمن لا صوت لهم، وللذين يحبسون دموعهم لأن الشرق الأوسط يبكي اليوم، وللذين يعانون في صمت بينما يدوسهم الساعون إلى السلطة والثروة».
وتابع البابا «سنقول لهم (نحن قريبون منكم)» متحدثاً عن منطقة هي «تقاطع للحضارات ومهد للديانات السماوية».
ثم عقد البابا مع البطاركة اجتماعاً مغلقاً، من المتوقع أن يتعاقب الجميع خلاله على الكلام لبحث أوضاع مناطقهم.
ودعا البابا إلى باري ممثلي غالبية بطاركة الكنائس في الشرق الأوسط، من بينهم بطريرك القسطنطينية بارتلماوس الأول (تركيا) والمتروبوليت هيلاريون ممثّلا بطريرك موسكو كيريل، وأيضاً بابا الأقباط تواضروس الثاني، وبطريرك الموارنة بشارة الراعي، بالإضافة إلى بطاركة آخرين من كنائس كاثوليكية.
واعتبر الراعي أن على الدول الغربية «تشجيع» اللاجئين السوريين على العودة إلى بلادهم، وأن ذلك «حق للمواطنين» يجب تمييزه عن الشق السياسي.
وتابع الراعي لوكالة الصحافة الفرنسية أن على الحكومات «تقديم مساعدة مالية للأشخاص الذين طردوا من أراضيهم ليتمكنوا من ترميم منازلهم» بدلا من تكرار الكلام بأنه «ليس هناك سلام»، في الوقت الذي «باتت فيه عمليات القصف محددة جدا».
ومضى يقول، إن لبنان بات «ضحية» تضامنه وقيامه بفتح أبوابه أمام 1.750 مليون لاجئ سوري في حين أن عدد سكانه يبلغ 4 ملايين نسمة.
ويشارك الراعي في موقفه رئيس أساقفة حلب للروم الكاثوليك جان كليمان جانبار الذي قال إن «النظام شيء، والأرض شيء آخر».
وكان جانبار الذي لم يترك أبداً مدينته عند تعرضها للقصف أطلق حملة بعنوان «حلب تنتظركم» وأمن تمويلا لعودة سكان من المدينة إلى منازلهم من خلال تبرعات سويسرية.
يقول جانبار، إنه ومن أصل 170 ألف مسيحي في حلب قبل الحرب لم يعد هناك سوى 60 ألفاً تقريباً، مضيفاً أن الذين غادروا إلى الغرب لن يعودوا، لكن الأمر مختلف بالنسبة إلى الذين لجأوا إلى دول مجاورة.
ومضى يقول، إن النظام السوري ورغم الانتقادات الموجهة إليه «يتميز بتفضيله العلمانية والتعددية والمساواة بين كل المواطنين»، محذراً من أن البديل الوحيد برأيه هو «نظام إسلامي متطرف»، معتبراً أن البلاد غير جاهزة بعد لتطبيق الديمقراطية على الطريقة الغربية.
وأضاف جانبار «ما يحرمني من النوم هو الهجرة، وهي أسوأ ما يمكن أن يحصل لكنيستنا وبلادنا»، مضيفاً أنه لم يعد من المناسب إقامة «ممرات إنسانية» إلى أوروبا.
ومضى يقول «يعتقد البعض أن حصولهم على تأشيرة دخول (إلى الدول الغربية) هو بمثابة بطاقة إلى الجنة، لكنهم سيصبحون رقماً بين عشرات آلاف اللاجئين. الآن وقد عاد الأمن ساعدونا في بلادنا!».
أما بطريرك أنطاكية للسريان الأرثوذكس أغناطيوس أفرام الثاني المقيم في دمشق، فاعتبر أن «الغرب ركز كثيراً على تغيير النظام، بينما خوفنا الأكبر هو باستبدال نظام علماني بحكومة إسلامية على الأرجح».
ومضى يقول: «بصفتنا مسيحيين لدينا شعور بأنه تم التخلي عنا»، مضيفاً: «برامج المساعدات الحكومية الدولية لا تصلنا، وبدلاً من مساعدتنا نتعرض للاتهام بأننا من أتباع النظام».
ورحب البطريرك بالاجتماع في باري، لكنه أعرب عن الأسف لمواقف البابا التي قال إنه «يبدو وكأنه ينتقد طرفاً واحداً فقط».
ويقول الكاردينال كورت كوخ، رئيس المجلس الباباوي لاتحاد المسيحيين، إن نسبة المسيحيين في الشرق الأوسط تراجعت من 20 في المائة قبل الحرب العالمية الأولى إلى 4 في المائة مع أنهم «عامل أساسي لتوازن المنطقة؛ فهم جزء من هويته».
إلى ذلك، عاد السبت مئات اللاجئين السوريين عبر معبر الزمراني، إلى منطقة القلمون بريف دمشق بعد مغادرتهم مخيمات النزوح في عرسال شرق لبنان.
وذكرت «سانا» أن دفعة ثالثة من المهجرين السوريين إلى لبنان تضم عشرات الأسر جلهم من الأطفال والنساء وصلوا ظهر أمس إلى معبر الزمراني قادمين من بلدة عرسال اللبنانية، حيث كان في انتظارهم عدد من الحافلات لتقلهم إلى منازلهم في قرى وبلدات ريف دمشق.
وكان نحو 450 من اللاجئين السوريين عادوا في 28 الشهر الماضي قادمين من بلدة عرسال اللبنانية، حيث أقلتهم عدد من الحافلات إلى منازلهم في الجبة وعسال الورد ويبرود ورأس المعرة وفليطا في القلمون الغربي، إضافة إلى الرحيبة وجيرود في القلمون الشرقي بريف دمشق.
يذكر أن عدد اللاجئين السوريين في لبنان يبلغ نحو مليون و850 ألف نازح، عاد منهم في 18 أبريل الماضي 500 نازح من بلدة شبعا جنوب لبنان إلى قراهم السورية.
وقامت المديرية العامـة للأمن العـام في 28 الشهر الماضي بتأميـن العودة لـ294 نازحاً سورياً من مخيمات عرسال إلى بلداتهم في سوريا، ويطالب لبنان بعودة النازحين السوريين إلى بلادهم.