عثمان ميرغني
يبدو أن تاريخ 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، موعد انتقال الرئاسة الأميركية من إدارة باراك أوباما إلى إدارة دونالد ترامب، فجَّر ما يبدو وكأنه سباق بين معركة الموصل من جهة، ومعركة حلب من جهة أخرى. فمنذ بدء الهجوم على الموصل في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، تحدثت عدة جهات بأن إدارة أوباما تريد أن تختتم فترتها بانتصار معنوي مهم في حرب الإرهاب والمعركة ضد «داعش»؛ ذلك أن الموصل كانت النقطة التي أعلن منها أبو بكر البغدادي الدولة الإسلامية المزعومة، وتحريرها يعني توجيه ضربة قوية، عسكرية واقتصادية ومعنوية للتنظيم، تدفعه للانكفاء نحو «عاصمته» الأخرى في الرقة.
على الجانب المقابل، وبالتزامن مع بدء الهجوم على الموصل، كانت روسيا تحرك أسطولاً بحريًا نحو سوريا، وتكثف الغارات الجوية على حلب، مما أعطى مؤشرًا قويًا وقتها على قرب انطلاق معركة استعادة السيطرة على القسم الشرقي من المدينة. فقيصر الكرملين فلاديمير بوتين كان يدرك أن الفترة ما بين الانتخابات الأميركية وتنصيب الرئيس الجديد في واشنطن، هي الفترة التي تكون فيها إدارة أوباما «بطة عرجاء»، مما يعطيه نافذة للتحرك مع النظام السوري لفرض معادلة جديدة في الحرب باستعادة السيطرة على المدينة التي كثيرًا ما قيل إن من يسيطر عليها سيكسب الحرب، أو على الأقل سيحقق فيها مكسبًا استراتيجيًا ومعنويًا كبيرًا.
التغيرات السريعة على الأرض مع تقدم القوات الحكومية في الأحياء الشرقية، ترافقها مؤشرات تدل على أن كثيرًا من عواصم القرار تستعد لمرحلة ما بعد حلب في الحرب السورية. وزير الخارجية الفرنسي جان مارك إيرولت اعتبر أن سقوط حلب لا يعني أن الأزمة حُلّت وأن السلام سيتحقق، بل حذّر من احتمال التقسيم بحيث تصبح «سوريا المفيدة» التي تضم المنطقة الساحلية وغرب البلاد بامتداد المنطقة من دمشق إلى حلب إلى اللاذقية، تحت سيطرة حكومة الأسد. أما بقية سوريا فسوف تكون مقسمة بين المناطق التي يسيطر عليها الأكراد، وتلك التي قال إيرولت إنها ستصبح «داعشستان»، باعتبار أن القوى المتطرفة المسلحة هي التي ستفرض سيطرتها عليها.
بموازاة تصريحات إيرولت، تسربت أخبار بأن مسؤولة الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني عرضت تصورات لما وصف بأنه «خطة أوروبية» لحل الأزمة، تتضمن هدنة وفترة انتقالية للترتيبات السياسية، لا تشترط تنحي بشار الأسد، لكنها تدعو للسماح للمعارضة «المعتدلة» بالبقاء في بعض المناطق وإنشاء إدارات ذاتية في هذه المناطق. مقابل ذلك يقدم الاتحاد الأوروبي حزمة مساعدات مالية كبيرة لإعادة الإعمار في سوريا.
أوروبا تتحرك بلا شك مدفوعة بقلقها المتزايد من تداعيات أزمة اللاجئين والمهاجرين التي فجرت مشكلات سياسية واجتماعية هزت الاتحاد الأوروبي من أركانه. فالهجرة أصبحت ورقة أساسية في دعايات اليمين الأوروبي حقق من خلالها مكاسب سياسية كبيرة، ويريد بها تقويض الاتحاد، وخصوصًا بعد تصويت بريطانيا لصالح الخروج من عضويته (بريكست). وربما ترى أوروبا الآن أن تكلفة المساعدات المالية للحل في سوريا ستكون أهون من تكلفة التبعات السياسية لأزمة اللاجئين والمهاجرين.
التصور الأوروبي للحل الذي طرحته موغيريني، كانت طرحته دوائر أخرى، وتحدث بشكل قريب منه المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا، الذي عرض على الأسد مع بدايات التصعيد في حلب فكرة هدنة والقبول بإدارة ذاتية لشرق حلب. لكن دمشق ردت بالرفض القاطع لعرض دي ميستورا واعتبرته مخططًا للتقسيم، على أساس أن هذه الإدارة الذاتية ستكون نواة لإدارات في مناطق أخرى تحت سيطرة المعارضة. الحكومة السورية كانت تشعر بأنها استعادت المبادرة العسكرية في عدد من المناطق، واستعدت لمعركة حلب بدعم مكثف من روسيا وحلفائها الإقليميين، وبالتالي بدت لها هذه العروض بمثابة محاولة لتعطيل الحملة العسكرية وشراء وقت لحركات المعارضة لكي تلتقط أنفاسها.
روسيا تبنّت موقفًا مماثلاً عبر عنه وزير الخارجية سيرغي لافروف الذي اتهم واشنطن والدول الغربية بدعم الراديكاليين والمتطرفين، ومحاولة تعطيل معركة استعادة حلب. وأكد لافروف إصرار موسكو ودمشق على استعادة حلب بأكملها، وخيّر المعارضة بين الخروج طوعًا عبر ممرات آمنة، أو أنه سيتم القضاء عليها تمامًا.
روسيا تراهن على أن إدارة ترامب لا تمانع في تعاون معها ومع نظام الأسد، وقد تغمض عينيها عن المعركة التالية المتوقعة في إدلب. تبقى بعد ذلك معركة الرقة التي إما أن تتعاون فيها روسيا مع واشنطن، أو تتركها لإدارة ترامب التي وضعت القضاء على «داعش» ضمن أولوياتها. فمع تحرير الموصل وانسحاب مقاتلي «داعش» نحو الرقة، فإن سوريا ستصبح الساحة الأساسية في حرب الإرهاب، وإذا نفذ ترامب كلامه عن رغبته في التعاون مع روسيا، فإن الأشهر المقبلة ستشهد تطورات متسارعة، سواء على صعيد العمليات العسكرية أو جهود التسوية، وإن كانت ملامح هذه التسوية غير واضحة حتى الآن ومفتوحة على كل الاحتمالات، بما فيها احتمال التقسيم.
على الجانب المقابل، وبالتزامن مع بدء الهجوم على الموصل، كانت روسيا تحرك أسطولاً بحريًا نحو سوريا، وتكثف الغارات الجوية على حلب، مما أعطى مؤشرًا قويًا وقتها على قرب انطلاق معركة استعادة السيطرة على القسم الشرقي من المدينة. فقيصر الكرملين فلاديمير بوتين كان يدرك أن الفترة ما بين الانتخابات الأميركية وتنصيب الرئيس الجديد في واشنطن، هي الفترة التي تكون فيها إدارة أوباما «بطة عرجاء»، مما يعطيه نافذة للتحرك مع النظام السوري لفرض معادلة جديدة في الحرب باستعادة السيطرة على المدينة التي كثيرًا ما قيل إن من يسيطر عليها سيكسب الحرب، أو على الأقل سيحقق فيها مكسبًا استراتيجيًا ومعنويًا كبيرًا.
التغيرات السريعة على الأرض مع تقدم القوات الحكومية في الأحياء الشرقية، ترافقها مؤشرات تدل على أن كثيرًا من عواصم القرار تستعد لمرحلة ما بعد حلب في الحرب السورية. وزير الخارجية الفرنسي جان مارك إيرولت اعتبر أن سقوط حلب لا يعني أن الأزمة حُلّت وأن السلام سيتحقق، بل حذّر من احتمال التقسيم بحيث تصبح «سوريا المفيدة» التي تضم المنطقة الساحلية وغرب البلاد بامتداد المنطقة من دمشق إلى حلب إلى اللاذقية، تحت سيطرة حكومة الأسد. أما بقية سوريا فسوف تكون مقسمة بين المناطق التي يسيطر عليها الأكراد، وتلك التي قال إيرولت إنها ستصبح «داعشستان»، باعتبار أن القوى المتطرفة المسلحة هي التي ستفرض سيطرتها عليها.
بموازاة تصريحات إيرولت، تسربت أخبار بأن مسؤولة الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني عرضت تصورات لما وصف بأنه «خطة أوروبية» لحل الأزمة، تتضمن هدنة وفترة انتقالية للترتيبات السياسية، لا تشترط تنحي بشار الأسد، لكنها تدعو للسماح للمعارضة «المعتدلة» بالبقاء في بعض المناطق وإنشاء إدارات ذاتية في هذه المناطق. مقابل ذلك يقدم الاتحاد الأوروبي حزمة مساعدات مالية كبيرة لإعادة الإعمار في سوريا.
أوروبا تتحرك بلا شك مدفوعة بقلقها المتزايد من تداعيات أزمة اللاجئين والمهاجرين التي فجرت مشكلات سياسية واجتماعية هزت الاتحاد الأوروبي من أركانه. فالهجرة أصبحت ورقة أساسية في دعايات اليمين الأوروبي حقق من خلالها مكاسب سياسية كبيرة، ويريد بها تقويض الاتحاد، وخصوصًا بعد تصويت بريطانيا لصالح الخروج من عضويته (بريكست). وربما ترى أوروبا الآن أن تكلفة المساعدات المالية للحل في سوريا ستكون أهون من تكلفة التبعات السياسية لأزمة اللاجئين والمهاجرين.
التصور الأوروبي للحل الذي طرحته موغيريني، كانت طرحته دوائر أخرى، وتحدث بشكل قريب منه المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا، الذي عرض على الأسد مع بدايات التصعيد في حلب فكرة هدنة والقبول بإدارة ذاتية لشرق حلب. لكن دمشق ردت بالرفض القاطع لعرض دي ميستورا واعتبرته مخططًا للتقسيم، على أساس أن هذه الإدارة الذاتية ستكون نواة لإدارات في مناطق أخرى تحت سيطرة المعارضة. الحكومة السورية كانت تشعر بأنها استعادت المبادرة العسكرية في عدد من المناطق، واستعدت لمعركة حلب بدعم مكثف من روسيا وحلفائها الإقليميين، وبالتالي بدت لها هذه العروض بمثابة محاولة لتعطيل الحملة العسكرية وشراء وقت لحركات المعارضة لكي تلتقط أنفاسها.
روسيا تبنّت موقفًا مماثلاً عبر عنه وزير الخارجية سيرغي لافروف الذي اتهم واشنطن والدول الغربية بدعم الراديكاليين والمتطرفين، ومحاولة تعطيل معركة استعادة حلب. وأكد لافروف إصرار موسكو ودمشق على استعادة حلب بأكملها، وخيّر المعارضة بين الخروج طوعًا عبر ممرات آمنة، أو أنه سيتم القضاء عليها تمامًا.
روسيا تراهن على أن إدارة ترامب لا تمانع في تعاون معها ومع نظام الأسد، وقد تغمض عينيها عن المعركة التالية المتوقعة في إدلب. تبقى بعد ذلك معركة الرقة التي إما أن تتعاون فيها روسيا مع واشنطن، أو تتركها لإدارة ترامب التي وضعت القضاء على «داعش» ضمن أولوياتها. فمع تحرير الموصل وانسحاب مقاتلي «داعش» نحو الرقة، فإن سوريا ستصبح الساحة الأساسية في حرب الإرهاب، وإذا نفذ ترامب كلامه عن رغبته في التعاون مع روسيا، فإن الأشهر المقبلة ستشهد تطورات متسارعة، سواء على صعيد العمليات العسكرية أو جهود التسوية، وإن كانت ملامح هذه التسوية غير واضحة حتى الآن ومفتوحة على كل الاحتمالات، بما فيها احتمال التقسيم.
“الشرق الاوسط”