في أوائل هذا الشهر، (إيلول 2016 )، عقدت اللجنة المركزية اجتماعاً عالجت خلاله تطورات الوضع السياسي السوري الذي تلا اجتماعها السابق 8/4/2016 . كما ناقشت التقرير المتعلق بالوضع الاقتصادي ومنعكساته الاجتماعية والمعيشة الذي قدمته أمانتها المركزية. وتوقفت أيضاً عند بعض الأمور التنظيمية واتخذت بشأنها بعض القرارات.
فيما يلي أهم الملاحظات التي توصلت إليها بشأن التقريرين الاقتصادي والسياسي.
أولاً- في الشأن الاقتصادي:
1- تؤكد العديد من التقارير الأممية، وتلك الصادرة عن مراكز أبحاث مرموقة، بأن تداعيات حرب النظام على الشعب السوري قد فتكت بالاقتصاد وقطاعاته الأساسية ، بالتوازي مع اجراءات النظام الاقتصادية ، وقد أديا إلى انقطاع شبه تام لموارد البلاد. فوقع الاقتصاد في مشكلات بنيوية تجعله محكوماً عليه بالانهيار. إن سياسات النظام في مواجهة هذا الواقع المأساوي تزيد من دفعه نحو الكارثة. أما في إطار بحثه المحموم للحصول على مزيد من الموارد المالية لمواصلة حربه على الشعب، بعد نضوب مدخراته من العملة الصعبة والذهب في المصرف المركزي، فهو يعيش على المال الإيراني والروسي عبر قروض يسعى من خلالها إلى تمويل مستورداته، وتغطية العجز في ميزان المدفوعات، وتعديل سعر الصرف عبر تدخلات المصرف المركزي. لكن سياساته المالية في ظل الفساد الذي يزكم الأنوف وغياب قدرته على تأمين القطع الأجنبي من مصادرها الطبيعية، فتتسبب بالمزيد من الاضطراب النقدي الذي يقود بالنتيجة لمزيد من التضخم وانخفاض قيمة الليرة السورية إلى أقل من العُشر. مما يعني مزيداً من ارتفاع الأسعار التي وصلت إلى أكثر 1200%، وإلى افقار المجتمع بنسة تصل أكثر من 83%من السوريين، وتدمير الطبقة المتوسطة، والدخول في الحلقة المفرغة التي تزيد من جحيم الكارثة على شعبنا، عدا عن المزيد من المديونية والارتهان للخارج والتفريط بالسيادة الوطنية.
2- من الصعب تحديد حجم القروض الخارجية التي أبرمها النظام مع إيران وروسيا، حيث لم يتم الإعلان إلا عن ثلاثة منها لاستيراد السلع والغذائيات. أما الموجهة منها للحرب فما تزال سرية، لكن مصادر موثوقة أكدت أن إيران صرفت على النظام السوري ما يزيد عن 100 مليار دولار. فالمخاطر هنا لا تكمن بهذه السرية فحسب، بل لأن هذا الدين مع تراكم فوائده سيشكل عبئاً ثقيلاً على مستقبل البلاد، ومساساً بسيادتها، لاسيما بعد التسريبات التي تؤكد بيع النظام لإيران عدداً من الأصول الثابتة للدولة السورية كضمانات لتسديد الديون المستحقة. هذا عدا عن الاستثمارات الضخمة التي بدأت تنفذها داخل دمشق ومحيطها لتثبيت تغلغلها الطائفي على الأرض السورية.
ثانياً- في الشأن السياسي:
1- في الحادي والعشرين من آب المنصرم مرت الذكرى الثالثة لمجزرة الكيماوي التي ارتكبها النظام. فضربت الغوطتين الشرقية والغربية بغاز السارين، وراح ضحيتها ما يزيد عن (1400) مواطن، جلهم من الأطفال والنساء وهم نيام.
إن هذه الذكرى الأليمة لها أهمية بالغة في الثورة السورية، لأنها كشفت مدى وحشية النظام، وفضحت المجتمع الدولي الذي غطى عليها. فالصفقة التي تمت بين الروس والأميركان ، فتحت الباب أمام النظام وحلفائه لاستخدام كل الأسلحة المحرمة دولياً كالنابالم والفوسفوري والفراغي ضد الشعب السوري.
لقد زعزعت الثقة بالقانون الدولي والإنساني، وأسست لإمكانية إفلات المجرمين من العقاب كسابقة لم يسبق لها أن حدثت. إنها من الجرائم التي لا تسقط بالتقادم.
2- شكلت داريا، التي أفرغها النظام من سكانها مؤخراً، نموذجاً حقيقياً لروح الثورة السورية، ورمزاً للنضال في سبيل الحرية والكرامة. فعلى مدى أربع سنوات، سجل ثوارها ملاحم اسطورية في البطولة والصمود، قلّ نظيرها في التاريخ، بوجه ألة الفتك والقصف والحصار والجوع.
إن جريمة اقتلاع السكان من أرضهم وتهجيرهم بهدف التغيير الديمغرافي كما يرغب النظام وإيران، أو إعادة التوازن الطائفي كما يحلو لروسيا. هي جريمة حرب بكل المقاييس والمعاني، وتشكل مخالفة صريحة للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني ولقرارات مجلس الأمن، لا سيما أن مدينة داريا كانت من ضمن المناطق الـ 18 المحاصرة التي في عهدة الأمم المتحدة وقد تخلت عنها لمصلحة النظام. كما يجري تعميم هذه الجريمة على مدينة المعضمية وعلى حي الوعر الحمصي وعلى مناطق أخرى مدرجة تحت هذا الهدف.
تطرح جرائم التغيير الديمغرافي والعبث بمكونات المجتمع مخاطر كبيرة على وحدة البلاد، وتفتح الباب لحروب لا تنتهي، ليس في سورية وحدها إنما على امتداد المنطقة . وتصبح مسألة التمسك بالأرض مسألة حياة ووجود.
3- تعتبر معركة كسر الحصار عن حلب الشرقية أهم معركة خاضتها الثورة السورية، فبفضل البطولات التي أبداها الثوار استطاعوا اختراق مواقع حصينة، خلال ستة أيام، ظن النظام أنها قلاع منيعة يستحيل اختراقها. فهذه المعركة اكدت هشاشة قدراته، وعجز الطيران منفرداً عن حسم المعركة. فكان لها منعكسات عسكرية وسياسية أثرت على القوى المنخرطة في النزاع السوري محلياً وإقليمياً ودولياً. لقد اعتبرها الروس هزيمة لهم، فرفضوا نتائجها وحشدوا مع النظام وإيران قوات إضافية لاسترجاع ماخسروه. ولا تزال المعارك مستمرة.
أكدت معركة فك الحصار الأهمية القصوى لتوحد الفصائل تحت غرفة عمليات موحدة. كما عكست أيضاً أهمية التواصل والتعاون والتنسيق بين الجناح السياسي والعسكري لقوى الثورة والمعارضة سواء في الشأن الميداني أو في إطار المفاوضات. وهذا ما انعكس على استعادة الثقة بالنفس وبالمستقبل وفي زيادة اللحمة الوطنية. فعلى قوى الثورة أن تواصل استثمارها بمزيد من وحدتها وانفتاحها الواسع على حواضنها الاجتماعية والسياسية.
وفي هذا السياق، تأتي معارك الثوار في ريف حماه الشمالي والغربي مؤخراً، في إطار سعيهم لقطع الطريق على مخططات النظام وحلفائه لتحصين ما يسمى بالدولة المفيدة، وكذلك من أجل تخفيف الضغط على ثوار حلب والمنطقة الوسطى، والساحلية أيضاً، ولا سيما شل مطار حماه العسكري وإضعاف فاعليته.
4- أن الصراع الدائر في سوريا يلقي بثقله على المنطقة، ويؤثر على سياسات الدول الإقليمية والدولية. فالروس ما زالوا يتخبطون بعد غزوهم سوريا، ولم يحصلوا حتى الآن على أي نتيجة منه، لأنهم يراهنون على حصان خاسر. كذلك لم يحصلواعلى أية مكاسب أو تراجعات من الأميركان، وهذا ما دللت عليه لقاءات كيري-لافروف ثم لقاء اوباما-بوتين على هامش قمة العشرين في الصين. لعل تأزم العلاقات التركية الأميركية بعد الانقلاب الفاشل، منحت الأتراك فرصة للتحرر من القيد الأميركي، وفتحت الأبواب لتخفيف الضغوط عليهم، وهذا سر التقارب مع كل من روسيا وإيران وإسرائيل، وتبريد الصراعات معها حول الشأن السوري، وهو ما أعطى الأتراك إمكانية التدخل في الشمال السوري لمواجهة داعش والـ pyd . فبالتعاون مع الجيش الحر أمكن السيطرة على المنطقة الممتدة من جرابلس حتى الراعي، ومن المفترض أن تصل إلى منطقة الباب وطرد داعش منها، لكن الهدف الرئيسي ، إرجاع قوات الـ pyd إلى شرق الفرات، وإقامة منطقة آمنة، ما زال الأميركان يرفضونها.
5- نعتقد أن هذه التحركات والمباحثات التي تجري بين الأطراف الإقليمية والدولية لم تصل بعد إلى موقف موحد مشترك. فمازال كل طرف يطرح رؤيته الخاصة. وبعد الفشل في التوصل إلى اتفاق بين الأمريكان والروس، يظهر بوضوح أن إدارة أوباما راغبة في تجميد الملف السوري وإبقاء الصراع مفتوحاً ، الأمر الذي أزعج الروس كثيراً ، خوفاً من تورطهم أكثر في الرمال المتحركة على الأرض السورية . لذلك يسعون لحل يلبي مصالحهم بالاتفاق مع هذه الإدارة الأمريكية قبل رحيلها.
6- بتاريخ 7 / 9 / 2016 أعلنت الهيئة العليا للمفاوضات في لندن ومن خلال اجتماع مجموعة أصدقاء الشعب السوري الدولية والعربية والإقليمية ” الإطار التنفيذي للحل السياسي ” وهي رؤية الهيئة لهذا الحل وفق قرارات الشرعية الدولية بالاستناد إلى بيان جنيف 1 لعام 2012 والقرارات الأممية ذات الصلة . وقد قوبلت الوثيقة باهتمام سياسي وإعلامي لافت ، لأنها تأتي في وقت تحتدم فيه المعارك على الأرض ، وتغيب آفاق الحل السياسي تحت ركام الاجتماعات واللقاءات والولادة العسيرة للاتفاقات . وتثبت جدية المعارضة في البحث عن وسائل لوضع حد لهدر دماء السوريين ووقف المذبحة المستمرة لسورية أرضاً وشعباً من خمس سنوات ، ولإخراج البلاد من المحنة الوطنية التي وضعها فيها النظام وحلفاؤه من دول ومنظمات ومليشيات طائفية .
7- في ضوء هذا التطورات التي تمر بها الثورة السورية، نحن أمام مرحلة انتظارية مدتها أكثر من سته أشهر. هذا يعني أن الحل السياسي مؤجل حتى مجيء إدارة أميركية جديدة. وهو ما يتطلب من الثوار المحافظة على قواهم وعدم الدخول في معارك غير محسوبة النتائج. كما يتطلب حسن التنسيق مع المعارضة السياسية، والتمسك بأهداف الثورة وبخطابها الوطني الجامع والموحد، ونبذ كل ما يدعو للفرقة والانقسام. وعلى هيئة التفاوض استمرار نضالها لكسب المزيد من الرأي العام المناصر لقضايا شعبنا، ومحاصرة العناصر والقوى الرخوة داخلها، بحيث يبقى توجهها الرئيسي كما طرحته في وثيقتها لمؤتمر لندن، المتمسك بمرحلة انتقالية لا وجود للأسد فيها، وتشكيل هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات.
دمشق أوائل ايلول 2016
اللجنة المركزية
لحزب الشعب الديمقراطي السوري
[gview file=”http://www.syria-sdpp.org/wp-content/uploads/2016/09/البلاغ.docx”]