في آذار 2012 ظهرت أولى معالم العملية السياسية ممثّلة بخطة كوفي أنان ذات النقاط الستّ من أجل سورية، والتي أعلنها بصفته المبعوث الخاص للأمم المتحدة وجامعة الدول العربية. تضمّنت الخطة الدعوة لـ “عملية سياسية شاملة يقودها السوريون “. لم تلقَ الخطة تجاوباً إيجابياً من قوى الثورة والمعارضة رغم موافقة النظام الشكلية عليها، وعدم جدّية المجتمع الدولي وسعيه لإطالة أمد الأزمة، ما أدّى لاستقالة أنان وتكليف الأخضر الإبراهيمي بالمهمّة.
وفي 30 حزيران 2012 اجتمعت مجموعة العمل من أجل سورية، وأصدرت بيان جنيف1 الذي صار الأساس الذي ارتكزت عليه العملية السياسية في محطاتها اللاحقة. تحدث البيان عن ” تطبيق خطة أنان ذات البنود الستّ ” لكنه مضى أعمق في رسم معالم الحلّ ” إقامة هيئة حكم انتقالية. . تمارس كامل السلطات التنفيذية، تُشكَّل على أساس الموافقة المتبادلة “. وجاء قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 262 / 67 لعام 2013 ليعمق هذا الأساس، حين تحدث بوضوح عن ” إنشاء هيئة حكم انتقالية، تقوم على توافق الآراء، تخوَّل لها كامل السلطات التنفيذية، وتحوَّل إليها جميع مهام الرئاسة والحكومة بما فيها المهام المتعلقة بالمسائل العسكرية والأمنية “. وتعززت هذه العملية السياسية بقرار مجلس الأمن 2118 لعام 2013.
أثمرت الجهود الأممية جولة مفاوضات مباشرة بين النظام السوري والائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة في العاشر من شباط 2014 في جنيف. أدارها الوسيط الأممي والعربي الأخضر الإبراهيمي. كانت الجولة أشبه باحتفالية أممية ودولية عديمة الفائدة بالنسبة للسوريين وقضيتهم، وانتهت إلى طريق مسدود، استقال بعدها الإبراهيمي معتذراً من الشعب السوري ومحمّلاً النظام مسؤولية الفشل.
في 14/11/2015 جرت في فيينا اجتماعات المجموعة الدولية لدعم سورية، وتمّ تكليف ستيفان ديمستورا كوسيط أممي لإدارة المفاوضات، وتكليف المملكة العربية السعودية بالمساعدة على جمع المعارضة وتحديد من يمثّلها في المفاوضات. فعقد مؤتمر الرياض في 9/12/2015 الذي شاركت فيه الفصائل العسكرية، ومن نتائجه ولدت ” الهيئة العليا للمفاوضات ” لتتولى العملية التفاوضية ومقتضياتها.
وفي 18/12/2015 صدر قرار مجلس الأمن 2254 في ظل التدخل العسكري الروسي (أيلول 2015). دعا القرار لبدء محادثات سلام في سورية، ودخل بمزيد من التفاصيل، برزت من خلالها نتائج الاحتلال الروسي على العملية السياسية. ومما جاء فيه:
أ-تحقيق الانتقال السياسي بهدف إنهاء النزاع في سورية.
ب-الدعوة للمشاركة على وجه السرعة في مفاوضات رسمية بشأن مسار الانتقال السياسي.
ج-تشكيل هيئة حكم ذات مصداقية، تشمل الجميع وغير طائفية بين الحكومة السورية والمعارضة السورية.
د-اتخاذ تدابير بناء الثقة للقيام بعملية سياسية في غضون ستة أشهر، وردت في المواد 12و13و14 من القرار
ه- انتقال سياسي برعاية الأمم المتحدة استناداً إلى بيان جنيف.
و- تهيئة الظروف المؤاتية للعودة الآمنة والطوعية للاجئين والنازحين.
ز- الإفراج عن المحتجزين ووصول المساعدات الإنسانية إلى جميع المناطق.
مطلع شباط 2016 بدأت المفاوضات في جنيف، وانتهت سريعاً بعد أن قرّرت الهيئة قطع المفاوضات ومغادرة جنيف بعد الجولة الأولى، وكذلك فعلت بعد الجولة الثالثة، بسبب تعنّت النظام واستفحال الإجرام الروسي في الداخل. أصدرت الهيئة في 6/9/2016 رؤيتها للعملية السياسية بوثيقة، أعلنتها في لندن بعنوان ” الإطار التنفيذي للحلّ السياسي “. أربع جولات مشابهة عقدت عام 2017 أظهر وفد الهيئة تفاعلاً ملحوظاً فيها، وسلّم العديد من الوثائق، بينما استمرّ النظام بالحضور الشكلي والمراوغة. وبقيت المفاوضات عبر الوسيط الأممي دون حصول أي جلسة للمفاوضات المباشرة. لذلك لم تحقّق الجولات السبعة أي تقدّم يذكر على الصعيد السياسي، بينما حصل بعض التقدّم على الصعيد الإنساني لتحسين ظروف الحياة في الداخل.
في تشرين الثاني 2017 عقد مؤتمر الرياض2 بالوجود الروسي الكثيف ومؤثراته، وبحضور منصة موسكو ومنصة القاهرة ووجوه جديدة من المعارضة. أنتج المؤتمر ” هيئة المفاوضات ” لتتولّى مهمّة التفاوض، دون أن تحصل أي جولات تفاوضية جدّية ومثمرة.
وكانت روسيا قد ابتدعت مع تركيا وإيران مسار أستانا للمباحثات بالشأن السوري، بهدف التطاول على العملية السياسية الجارية في جنيف وحرفها عن مسارها لتتوافق أكثر فأكثر مع مصالحهم. وبعد أكثر من 13 جولة نجحوا بنقل موضوع الدستور من مسار أستانا – سوتشي إلى المسار التفاوضي عبر تشكيل ” اللجنة الدستورية “. ثم أغلق الباب أمام المفاوضات وبالتالي المساعي الجادّة لدفع العملية السياسية إلى الأمام.
لم يعد هناك جدوى من استئناف المفاوضات، طالما بقي المجتمع الدولي والأمم المتحدة في حالة من العجز وانعدام الإرادة في تنفيذ القرارات الدولية والتقدّم باتّجاه الحلّ وإنجاز الانتقال السياسي. من هنا نرى:
أ-التمسّك بالعملية السياسية على أساس بيان جنيف 1 لعام 2012 والقرارات الأممية ذات العلاقة، ورفض أي انزياح عن أسس الحلّ التي أقرت فيها.
ب-أن يكون الفريق التفاوضي (الهيئة المشرفة على المفاوضات) ممثّلاً حقيقياً لقوى الثورة والمعارضة. يتمتّع بالخبرة السياسية والقانونية والدبلوماسية الكافية.
ج- وضع الأمم المتحدة والمجتمع الدولي أمام مسؤولياته لتطبيق القرارات الدولية ووضعها موضع التنفيذ. والتأكيد على أن أي حلّ سياسي لا يكون حقيقياً ومقبولاً من السوريين، يكون بوابة لفتح جروح جديدة، ويحمل مخاطر كبيرة على الوضع السوري وأوضاع المنطقة، تحرمها ولفترة طويلة من الأمن والاستقرار.
د-الدستور السوري من اختصاص السوريين ومن مهام المرحلة الانتقالية، تضعه داخل البلاد جمعية تأسيسية منتخبة، تمثّل جميع مكوّنات الشعب، ويتمّ إقراره أصولاً.