أمين العاصي
يدفع النظام السوري وحلفاؤه الروس نحو توسيع نطاق العمليات العسكرية ضد المعارضة في الجنوب، حيث تسيطر الأخيرة على مساحات واسعة من محافظة درعا، وتبدي استعدادًا لإجراء “تسوية عادلة” تجنب المدنيين مآسي جديدة، فيما يبحث النظام والروس عن “استسلام” في مهد الثورة السورية، لتحقيق “نصر إعلامي” يمهد لحل يعيد البلاد إلى ما قبل مارس/آذار 2011.
وفي الوقت الذي يرتكب فيه الطيران الروسي، وقوات النظام مجازر وعمليات انتقام جماعي بحق المدنيين في درعا وريفها، لا يزال مسلحو ما يُسمّى بـ”جيش خالد”، المبايع لتنظيم “داعش” الإرهابي آمنين، حيث لم يتعرضوا لأي عملية عسكرية من قبل النظام وحلفائه.
ومنذ التدخل الروسي المباشر في سورية، في سبتمبر/أيلول 2015، تزعم موسكو أنها جاءت لـ”محاربة الإرهاب”، ولكن طيرانها لم يفتك سوى بالمدنيين وفصائل “الجيش السوري الحر”، وكان غطاء لقوات النظام لإخضاع المعارضة “المعتدلة” في دمشق وريفها وفي حمص، والآن في الجنوب السوري.
وظهر ما يُسمّى بـ”جيش خالد بن الوليد” في مايو/أيار من عام 2016، بعد اندماج عدة فصائل متشددة في تشكيل واحد، أبرزها لواء “شهداء اليرموك”، الذي تشكّل في سورية عام 2011، وذاعت شهرته بعد أن اختطف 21 جندياً فيليبينياً من قوات حفظ السلام الأممية على خط الفصل في الجولان المحتل، أوائل شهر مارس/آذار 2013. كما يضم هذا الجيش كلًا من حركة “المثنى الإسلامية”، وهي جماعة إسلامية سلفية، تشكلت عام 2012، و”جيش الجهاد” الذي ضم فصائل منشقة عن “جبهة النصرة” في جنوب سورية.
واستطاع “جيش خالد” انتزاع السيطرة على قرى وبلدات في منطقة حوض اليرموك في أقصى ريف درعا الغربي، عند ملتقى حدود سورية والأردن وإسرائيل، حيث لا يبعد عن الحدود السورية الأردنية والسورية مع الإسرائيلية سوى بضعة كيلومترات. وتقدر مصادر في الجنوب السوري عدد مقاتلي “جيش خالد” بنحو ألف، مشيرة إلى وجود عدة آلاف من المدنيين في المناطق التي يسيطر عليها هذا الجيش، خاضعين لقوانين التنظيم المتشددة.
وكان من الواضح أن النظام دفع باتجاه “خلق” تنظيم “داعش” في جنوب البلاد ليكون “فزّاعة”، وورقة ضغط على محافظة السويداء ذات الغالبية الدرزية والمتاخمة لدرعا، تحسبًا من أي حراك يؤدي لخروجها عن سيطرته.
وخاضت المعارضة السورية المسلحة عديد المعارك ضد تنظيم “داعش”، وصدت عدة هجمات له، من دون مساندة دولية، حتى استطاعت محاصرته في حوض اليرموك والحد من خطورته، فيما لم تسجل غارة جوية واحدة من قبل النظام ضد التنظيم، بل نقل قيادات من هذا التنظيم كانوا في جنوب دمشق إلى منطقة حوض اليرموك معقل “جيش خالد”، إبان حملته مؤخرًا على مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين جنوب دمشق.
وتؤكد المعارضة السورية أنها تسعى لـ”تسوية تحفظ دماء وكرامة مواطني هذه المنطقة”، مبدية الاستعداد “لأي تسوية عادلة”، رافضة في الوقت نفسه الطرح الروسي الذي “لا يقبل إلا أن نسلم رقابنا جميعًا للذبح كالخراف”، وفق مصادر في وفد المعارضة المفاوض.
وتؤكد مصادر مطلعة أن الجانب الروسي يصر على انضمام مقاتلي المعارضة في الجنوب السوري الى ما يُسمّى بـ “الفيلق الخامس” التابع للجيش الروسي، من أجل محاربة “جيش خالد”، وهو ما ترفضه المعارضة التي تدرك ان النظام وحلفاءه يسعون لرمي مقاتليها في أتون حرب جديدة خدمة لمصالح هذا النظام الذي يريد القضاء على الجيش السوري الحر في الجنوب من خلال صنيعته، ومن ثم إجراء تسوية مع “جيش خالد” ينقله من خلالها الى منطقة أخرى خدمة لأغراضه.