لعلّ الاقتراح الذي قدّمه أحد الباحثين في التراث والذي يقضي بضرورة إعادة انتاج النص لكي يصبح معاصراً لنفسه ومعاصراً لنا يصلح للاشتغال عليه الآن أكثر من أي وقت مضى.
فبينما يعدّ حكام السعودية رؤية واعدة للعقد القادم يستفيدون منها من الأخطاء التي ارتكبها أسلافهم منذ تأسيس الدولة واعين لضرورة تغيير النهج الذي تفرضه المتغيرات الإقليمية والدولية والمحلية، وبغضّ النظر عن محاكمة النوايا تصبّ رؤيتهم في النهاية في ازدهار بلدهم ورخاء مواطنيهم واسترداد ما فقدوه من مكانة عربية ودولية، يسلّم رئيس النظام السوري بلده لحليفه الإيراني الطائفي وحليفه الروسي ويستقدم شذّاذ الآفاق من أصقاع الأرض لكي يأتوا على ما تبقى من بنيان، ويزهقوا أرواح من تشبّث بالأرض وبقي على قيد الحياة.
شبيه الملك الذي ورث السلطة في مسرحية هزلية بتغيير الدستور السوري في دقائق لكي يفصّل على مقاسه والذي تفاءل به السوريون بادي الرأي، لم يستطع أن ينزع جلباب السلطة التي لا يفهم أنها ليست حقاً شرعياً أبدياً له وقرّر أن يدمّر سورية على رؤوس أهلها عندما انتفضوا في وجهه وطالبوه بالرحيل.
في مقاربة سيكولوجية لشخصية هذا المسخ يمكن أن نفهم سلوكه الإجرامي فهو يتمطّى على أنقاض حزب لم يبق منه سلفه إلا التماسك العصبي، ولا يمتلك من أدوات التعاطي مع الشأن العام إلا مؤسسات القمع وشبكات الزبائنية التي أسّسها أبوه وحوّلها إلى كتل سرطانية تنهش في جسد الدولة والمجتمع السوريين.
وقد عاش حيناً من الدهر في قصر الرئاسة الذي يطلّ من نوافذه الواسعة على بلد أنّى قلّب نظره في زواياه لا يرى إلا اسم أبيه، وحيثما التفت وجد فروض الطاعة تقدّم له وهو لا يعرف تاريخاً لهذا البلد إلا التاريخ الذي ابتدأ مع أسرته ولا يعرف نهاية له إلا مقترنة بانقراض الأسرة في زمن لا يستطيع مدّ نظره إلى الأمام لكي يستشرفه.
ثم كان طبيعياً أن يخلف مؤسس النظام السلطوي الهمجي بدون أن يثير هذا لديه حسّاً بالعبث الذي يثيره توريث نظام جمهوريّ من الأب إلى الابن.
وفي جهة أخرى تقول إحدى ادبيات السياسة الامريكية إن الامريكان ينتخبون كلّ اربع سنوات ملكاً لما يتمتّع به الرئيس هناك من صلاحيات واسعة شبيهة بصلاحيات الملك، وقد تزامنت المأساة السورية وتدمير شبيه الملك فيها لتاريخها وإنسانها مع تقلّد مقاليد الرئاسة فيها شخص يتساكن في كيانه بسبب إرثه العرقي عقلان ووجدانان وروحان، ويقول إنه كأمريكي أسود يعاني ما يعانيه السود الأمريكان من معضلة عدم قدرته على رؤية نفسه إلا بمنظار الأبيض، ويحاول لكي يضيف الى القطبية التي تحددها ازدواجيته أن يحوّلها إلى تعددية لا نهائية فيصوغ وجهات النظر المتناقضة صياغة لا تأبه لتناقضها ويضعها أمام جمهوره متجاورة بلا تماسك منطقي.
وفيما خصّ مسؤوليته الأخلاقية عن وقف القتل في العالم فإنه يقف على أرض وسط بين الحرص على قيمة السلام وعدم القدرة على عدم الاعتراف بضرورة الحرب التي يصرّح أنه لا يقدم عليها إلا إذا حقق اجماعاً على ضرورة شنّها مع كلّ حلفائه الأقوياء مهما كانت عدالتها، ومهما كان المستهدف بها مارقاً لأنه لا يستطيع بسبب وعيه المزدوج أن ينفرد بوجهة نظره ويغفل وجهات النظر الأخرى.
وفي المقابل يقف باكياً على أطلال المجد السوفياتي شبيه ملك آخر يقول بدون مواربة إن قيم حقوق الانسان الغربية وهم زائف وإنها ليست إلا أدوات للهيمنة وينصح المراقبين الذين أرسلوا لمراقبة نزاهة الانتخابات في بلاده ساخراً أن يجلسوا مع زوجاتهم ويعلّموهن صنع الحساء الروسي فذلك أجدى لهم.
ويردّد أن عظمة الامة ومجدها أولى بالسعي لتحقيقهما من حقوق الأفراد، وأن ثأراً لا بدّ أن يأخذ به ممن ساهموا في انهيار الدولة السوفياتية العظمى بدون النظر لما يمكن أن يسبّبه انتهاج طريق الثأر وطريق استعادة المجد من جرائم وانتهاكات في بلده وخارجها.
إن النص القرآني الذي يقول “إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها اذلة” يمكن إعادة انتاج معناه لا حرفيته لكي يصبح معاصراً لنا – نحن السوريين تحديداً-في ضوء انهماك الملوك الحقيقيين في المملكة السعودية في السعي لمصلحة شعبهم وإفراط اشباه الملوك في سورية وأمريكا وروسيا في جرائمهم الأخلاقية في بلادهم أو خارجها أو الصمت عليها على الأقل لكي يصبح: إن اشباه الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها اذلة.
رئيس التحرير