بشير البكر
حظيت ظاهرة داعش باهتمام إعلامي كبير، منذ تمدّد التنظيم، وتحوّل إلى قوةٍ ضاربةٍ، تحكّمت بمساحاتٍ شاسعةٍ من سورية والعراق، وباتت لها فروع في ليبيا ومصر واليمن، وخلايا في أوروبا قادرة على تنفيذ عمليات إرهابية كبيرة. والقاسم المشترك بين القراءات التي تناولت أسباب ولادة التنظيم أنه ثمرة بيئة عليلة، انتعشت بفعل التمييز الطائفي لسلطة آل الأسد في سورية، وحكم رئيس الوزراء العراقي السابق، نوري المالكي.
تبدو صورة داعش في العراق أوضح منها في سورية. وعلى الرغم من أن التنظيم تحول قوةً كبيرةً في سورية، وسيطر في شهر سبتمبر/ أيلول 2013 على الرقة، المدينة الوحيدة التي حرّرها الجيش الحر من سيطرة النظام، فإن نشأته الأولى وحاضنته الأساسية في العراق، وهو يعتبر، في نظر غالبية الخبراء، نتيجة مباشرة للاحتلال الأميركي للعراق عام 2003، وكنايةً عن زواجٍ بين تنظيم القاعدة وقسم من حزب البعث والجيش العراقي الموالي للرئيس صدام حسين.
تنبّه الأميركيون إلى مخاطر هذا اللقاء بين “القاعدة” و”البعث”، بعد أن دفعوا الثمن غالياً بين 2006 و2008، فلجأوا إلى بناء تنظيم الصحوات في مقابل تنظيم القاعدة، والذي تكوّن من أبناء الطائفة السنية، ووصل تعداده إلى حوالى 100 ألف بموازنةٍ قدّرت بـ 200 مليون دولار شهريا، وتمكّنت الصحوات، بعد مواجهاتٍ داميةٍ، من توجيه ضربةٍ كبيرة للقاعدة، بإشراف الجنرال دافيد بترايوس، إلا أنه جرى التخلي عن الصحوات، بعد وصول باراك أوباما إلى البيت الأبيض، وفرط عقدها نوري المالكي.
قامت فكرة الصحوات على محاربة “القاعدة” بأهل البلد، والطائفة السنية على وجه التحديد، ولم يكن من الممكن استمالة هؤلاء إلى صف الأميركيين، لو لم تتوافر جملة من الضمانات، أهمها إعادة التوازن إلى الوضع في العراق، والذي اختلّ بعد إسقاط صدام وحل الجيش العراقي واجتثاث حزب البعث، وفتح المجال أمام إيران وأنصارها كي تتحكّم بالعراق ومقدّراته. وكان الالتزام الأميركي مقابل انخراط السنة في الصحوات هو تصحيح الخلل الطائفي، ولكنهم، بمجرّد أن تم تحجيم القاعدة، تراجعوا عن تعهداتهم، وحلوا الصحوات واعتقلوا زعماءها، وتركوا الساحة للمالكي الذي أبان عن ممارساتٍ طائفيةٍ حرّكت الشارع السني العراقي في ثورةٍ شعبيةٍ بدأت في نهاية 2012، ومن ثم تطوّرت وتنامت في عامي 2013 و2014. وفي هذه السنة، حصل ما لم يكن في الحسبان، فمن جهةٍ، دخلت القاعدة على خط المظلومية السنية، ومن جهةٍ ثانيةٍ، فتح المالكي أبواب الموصل لهذا التنظيم، ليغرق العراق في الفوضى.
بعد دخول “داعش” الموصل في يونيو/ حزيران 2014، بدأت مسيرةٌ أخرى، لسنا في وارد استعادة تفاصيلها، فهي شريط أسود، وفصولٌ من المآسي التي ذاق منها أصحاب المظلومية السنية الويلات، وانعكس نهج داعش في الإجرام والتوحش على السوريين والعراقيين في صورةٍ كارثية، وكانت إحدى النتائج التراجيدية تدمير الثورة السورية، وخلق حالةٍ من الشقاق والاقتتال أخذت مجهود المواجهة إلى مكان آخر، وأراحت النظام، وفتحت الباب أمام استقدام مليشياتٍ طائفيةٍ شيعيةٍ من شتى بقاع الأرض لتقتل السوريين، وقادت، في نهاية المطاف، إلى الاحتلال الروسي لسورية.
يواجه داعش اليوم معركةً كبيرة في الموصل، لن يخرج منها سالماً. وعلى الأرجح، ستكون المقدمة لكسر هذا التنظيم عسكرياً، ومن ثم الإجهاز عليه. وسواء طالت هذه المدة أو قصرت، فإن جذر المشكلة التي نشأ داعش في كنفها، لم يزل قائماً، وبات أخطر مما كان عليه، بسبب تعفن الوضع طائفياً في سورية والعراق، ولا يلوح في الأفق ما يوحي بفتح صفحة ما بعد داعش، لأن هاجس أوباما وحيدر العبادي هو البحث عن نصر سريع، وليس معالجة أصل المشكلة.
تبدو صورة داعش في العراق أوضح منها في سورية. وعلى الرغم من أن التنظيم تحول قوةً كبيرةً في سورية، وسيطر في شهر سبتمبر/ أيلول 2013 على الرقة، المدينة الوحيدة التي حرّرها الجيش الحر من سيطرة النظام، فإن نشأته الأولى وحاضنته الأساسية في العراق، وهو يعتبر، في نظر غالبية الخبراء، نتيجة مباشرة للاحتلال الأميركي للعراق عام 2003، وكنايةً عن زواجٍ بين تنظيم القاعدة وقسم من حزب البعث والجيش العراقي الموالي للرئيس صدام حسين.
تنبّه الأميركيون إلى مخاطر هذا اللقاء بين “القاعدة” و”البعث”، بعد أن دفعوا الثمن غالياً بين 2006 و2008، فلجأوا إلى بناء تنظيم الصحوات في مقابل تنظيم القاعدة، والذي تكوّن من أبناء الطائفة السنية، ووصل تعداده إلى حوالى 100 ألف بموازنةٍ قدّرت بـ 200 مليون دولار شهريا، وتمكّنت الصحوات، بعد مواجهاتٍ داميةٍ، من توجيه ضربةٍ كبيرة للقاعدة، بإشراف الجنرال دافيد بترايوس، إلا أنه جرى التخلي عن الصحوات، بعد وصول باراك أوباما إلى البيت الأبيض، وفرط عقدها نوري المالكي.
قامت فكرة الصحوات على محاربة “القاعدة” بأهل البلد، والطائفة السنية على وجه التحديد، ولم يكن من الممكن استمالة هؤلاء إلى صف الأميركيين، لو لم تتوافر جملة من الضمانات، أهمها إعادة التوازن إلى الوضع في العراق، والذي اختلّ بعد إسقاط صدام وحل الجيش العراقي واجتثاث حزب البعث، وفتح المجال أمام إيران وأنصارها كي تتحكّم بالعراق ومقدّراته. وكان الالتزام الأميركي مقابل انخراط السنة في الصحوات هو تصحيح الخلل الطائفي، ولكنهم، بمجرّد أن تم تحجيم القاعدة، تراجعوا عن تعهداتهم، وحلوا الصحوات واعتقلوا زعماءها، وتركوا الساحة للمالكي الذي أبان عن ممارساتٍ طائفيةٍ حرّكت الشارع السني العراقي في ثورةٍ شعبيةٍ بدأت في نهاية 2012، ومن ثم تطوّرت وتنامت في عامي 2013 و2014. وفي هذه السنة، حصل ما لم يكن في الحسبان، فمن جهةٍ، دخلت القاعدة على خط المظلومية السنية، ومن جهةٍ ثانيةٍ، فتح المالكي أبواب الموصل لهذا التنظيم، ليغرق العراق في الفوضى.
بعد دخول “داعش” الموصل في يونيو/ حزيران 2014، بدأت مسيرةٌ أخرى، لسنا في وارد استعادة تفاصيلها، فهي شريط أسود، وفصولٌ من المآسي التي ذاق منها أصحاب المظلومية السنية الويلات، وانعكس نهج داعش في الإجرام والتوحش على السوريين والعراقيين في صورةٍ كارثية، وكانت إحدى النتائج التراجيدية تدمير الثورة السورية، وخلق حالةٍ من الشقاق والاقتتال أخذت مجهود المواجهة إلى مكان آخر، وأراحت النظام، وفتحت الباب أمام استقدام مليشياتٍ طائفيةٍ شيعيةٍ من شتى بقاع الأرض لتقتل السوريين، وقادت، في نهاية المطاف، إلى الاحتلال الروسي لسورية.
يواجه داعش اليوم معركةً كبيرة في الموصل، لن يخرج منها سالماً. وعلى الأرجح، ستكون المقدمة لكسر هذا التنظيم عسكرياً، ومن ثم الإجهاز عليه. وسواء طالت هذه المدة أو قصرت، فإن جذر المشكلة التي نشأ داعش في كنفها، لم يزل قائماً، وبات أخطر مما كان عليه، بسبب تعفن الوضع طائفياً في سورية والعراق، ولا يلوح في الأفق ما يوحي بفتح صفحة ما بعد داعش، لأن هاجس أوباما وحيدر العبادي هو البحث عن نصر سريع، وليس معالجة أصل المشكلة.
“العربي الجديد”